لم يقوَ محمد بن سلمان هذه المرة على منع أبناء عمومته من الدخول على والده الذي كان غاضباً ويحاول احتواء غضب الرئيس التركي على خلفية مقتل جمال خاشقجي، فقد أدرك من غضب والده وتوافد أبناء عمومته الأقوياء أن فترة هيمنته على مقاليد الأمور في المملكة قد تنتهي قريباً، وقد يستعين الملك برجال الحرس القديم لترتيب الأمور لاحتواء تبعات الجريمة/ الكارثة، إدراكاً منه لخطورتها على مستقبل المملكة بشكل عام والأسرة بشكل خاص.
فقد أدرك الملك ورجاله أن أقوى رسالة لحادث خاشقجي أنه لا يوجد حدود لقسوة محمد بن سلمان، وليس كما قال البعض إنه "ما من أحد بمنأى عن يد السعودية القاسية".
كانت بداية عهد الملك سلمان قد شهدت العديد من التغييرات السريعة والمفاجئة التي أسست لعهد جديد في المملكة على كافة المستويات الداخلية والخارجية، ثم جاء حادث جمال خاشقجي وقلب الأمور رأساً على عقب، ولم يعد حال المملكة كما كان قبله، وفي الحقيقة ليس هذا الموقف فقط، فكثير من الملفات تراجعت الرياض فيها عما كانت عليه في السابق من توازن وممارسة السياسة بهدوء وعدم إغضاب الحلفاء بهذا الشكل.
مكانة الرياض إقليمياً أيضاً لم تعد كما كانت عليه مع بدء عهد الملك سلمان، فباتت السعودية متورطة في "دم" اليمنيين، فيما جنت الإمارات وحدها الثمار في "البلد السعيد" سابقاً حتى الآن، وصارت هي المهيمنة على قرار المملكة في بعض الملفات، وهذا بلا شك أزعج كثيرين في أروقة الحكم بالرياض.
إسلامياً لم تعد السعودية "كعبة" الضعفاء من طنجة إلى جاكرتا كما كانت من قبل، بل بالعكس، أصبحت تغض الطرف عن مسلمي الروهينغا في ميانمار، وتدعم الصين ضد مسلمي الإيغور مقابل الإبقاء على المصالح الاقتصادية مع "التنين الصيني"، المتعطش للهيمنة على العالم، وتقف بجوار رئيس الوزراء الهندي "الهندوسي" ناريندرا مودي ضد "الشقيقة" باكستان، في قضية كشمير وغيرها من الملفات الهامة.
لكن كانت قضية اغتيال خاشقجي بمثابة الصدمة التي أفاقت الجميع، بمن فيهم رجال الملك الناصحون، وباتوا يفكرون في الطريقة التي بها يوقفون الأمير الطامح محمد بن سلمان و"مغامراته" والعودة إلى "الرشد السياسي" كما كان عليه أسلافه. في هذا التقرير سنحاول رصد الملفات التي بدأت السعودية تعيد فيها الحسابات عبر الفترات الزمنية منذ