كان الدولار الأمريكي يساوي 83 ديناراً جزائرياً منتصف عام 2014 وحالياً قفز سعر العملة المحلية إلى متوسط 178 ديناراً مقابل الدولار في السوق غير الرسمية، فما قصة تراجع العملة الجزائرية المستمر منذ نحو سبع سنوات؟
ويرجع محللون السبب الرئيسي لتراجع قيمة الدينار الجزائري مقابل العملات الأجنبية إلى تقلص إيرادات البلاد من النقد الأجنبي جراء الأزمة النفطية المستمرة منذ 2014، حيث يعاني اقتصاد الجزائر من التبعية المفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز) التي تمثل 93% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي وفق بيانات رسمية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ففي بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوي 83 ديناراً لكل دولار واحد، بينما حالياً تبلغ قيمة صرف العملة المحلية في السوق الموازية 178 ديناراً لكل دولار، و210 دنانير مقابل اليورو.
ويتوقع قانون الموازنة العام الجزائري لسنة 2021 متوسط سعر صرف بـ142 ديناراً لكل واحد دولار، و149 ديناراً في عام 2022، ووفقاً للوثيقة ذاتها تتوقع السلطات انخفاضاً بواقع 5% من قيمة العملة المحلية (الدينار) كل سنة، خلال الأعوام الثلاثة المقبلة مقارنة بالعملات الأجنبية.
وبشكل عام، تتوقع الجزائر عجزاً في ميزانيتها بنسبة 13,57% من الناتج المحلي خلال العام الجاري، حسب وكالة "رويترز" للأنباء استناداً إلى وثيقة حكومية، في ظل تفشي وباء كورونا، بينما كانت نسبة هذا العجز بحدود 10,4% في 2020.
وحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، بلغ سعر صرف الدينار خلال فبراير/شباط 2021 مستوى 132 مقابل الدولار و161 مقابل اليورو، وبلغ متوسط صرف الدينار الجزائري وفق قانوني الموازنة العامة للسنتين 2020 و2019، مستوى 123 و118 توالياً. وإضافة لتراجع قيمة الدينار في قانون الموازنة، توقعت الوثيقة عجزاً غير مسبوق في تاريخ الجزائر فاق 22 مليار دولار.
ارتفاع في أسعار السلع الأساسية
رحلة السقوط الحر للعملة المحلية في الجزائر يرافقها ارتفاع كبير في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، ويهدد بشكل جدي القدرة الشرائية للمواطنين؛ إذ رصد مراسل الأناضول زيادة في أسعار المخبوزات على اختلاف أنواعها والبقوليات (العدس والفاصوليا والحمص)، بعدة أحياء في الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة.
كما ارتفعت أسعار الأجبان ومشتقات الألبان ما بين 5 و20 ديناراً، والزيوت الغذائية بأكثر من 50 ديناراً لقارورة بسعة 5 لترات، كما طالت الأسعار المرتفعة المياه المعدنية.
وكانت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة) قد حذرت قبل أسبوع من حدوث الأسوأ بسبب ارتفاع أسعار عديد المنتجات الاستهلاكية، رافقه تراجع في قيمة صرف الدينار الرسمية في البنوك.
وذكر رئيس المنظمة مصطفى زبدي، في تصريحات لوسائل إعلام جزائرية، أن ارتفاع الأسعار ليس مرده قاعدة العرض والطلب فقط. ونسب زبدي جزءاً من ارتفاع الأسعار إلى تدني قيمة الدينار، ودعا لإلغاء بعض الرسوم المفروضة على المنتجات واسعة الاستهلاك لدفع الأسعار نحو مستوياتها السابقة.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر أن سعر صرف الدينار يحدده بنك الجزائر (المركزي) سنوياً، على ضوء مؤشرات اقتصادية، منها الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومداخيل المحروقات واحتياطيات النقد الأجنبي وغيرها.
وأوضح سليمان ناصر، للأناضول، أن بنك الجزائر يأخذ بعين الاعتبار من حين لآخر، تغيرات أسعار سلة من العملات، أهمها اليورو والدولار، باعتبارهما أهم العملات في تجارة الجزائر الخارجية. "لكن بما أن سوق الصرف في الجزائر ليست محررة بالكامل، فيبقى تأثير العرض والطلب على العملات الأجنبية وعلى العملة الوطنية ضعيف التأثير في سعر الصرف للعملة المحلية".
وعن استمرار السلطات الجزائرية في تخفيض مستوى العملة المحلية، يرى المحلل الاقتصادي أن السلطات تعودت منذ سنوات إلى التخفيض كلما تقلصت أسعار النفط، لتعويض ذلك التراجع ولربح الفرق في سعر الصرف.
هل تعويم الدينار هو الحل؟
وعن سؤال بخصوص الحل الذي يمكن الاعتماد عليه، لإيقاف تدهور الدينار ومعه القدرة الشرائية، رد الخبير الاقتصادي أنه لا بد من تعويم نهائي للدينار خلال فترة محددة لها بداية ونهاية، مع إجراءات مصاحبة.
وأهم هذه الإجراءات، يضيف ناصر، هي حماية الطبقات الهشة والضعيفة التي ستكون أكبر متضرر من هذا التعويم، من خلال إصلاح نظام الدعم وتوجيهه لمستحقيه عوض أن يستفيد منه الجميع كما هو مطبق حالياً. وتطبق الجزائر سياسة دعم اجتماعي منذ عقود، بلغت قيمتها في موازنة 2021 نحو 17 مليار دولار.
وتخصص الجزائر أموال الدعم لعدة قطاعات وفئات، ويتوزع ما بين دعم مباشر بمبالغ مالية للمعنيين به، وغير مباشر بتحمل الدولة لفارق سعر تسويق المنتجات الواسعة الاستهلاك وتكلفتها الحقيقية.
من جانبه، يرى المدير العام الأسبق للرقابة وقمع الغش بوزارة التجارة الجزائرية، عبدالحميد بوكحنون، أن الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية أثّر بشكل خاص على تلك المستوردة، أو التي تعتمد على مواد أولية مصدرها الخارج.
وإضافة لتراجع قيمة الدينار، شهدت تكاليف الشحن (النقل) البحري، وفق بوكحنون، ارتفاعاً غير مسبوق وصل أحياناً 7 أضعاف ما كان عليه قبل انتشار فيروس كورونا، ما أدى لارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية.
ويعتقد أن انخفاض الدينار ليس له علاقة فقط بارتفاع وانخفاض مداخيل الجزائر من المحروقات، بل هو مرتبط أيضاً بنشاطات الإنتاج والوضع الاقتصادي العام، إضافة لقرارات مصدرها الدولة، في إشارة لقرارات إدارية لخفض قيمة العملة.