بينما يأمل العالم في الخروج من أزمة كورونا بفضل اللقاحات، يظهر تحدٍّ آخر بدأ يفرض نفسه بالفعل على العالم، فهناك مؤشرات على ارتفاع أسعار الطعام جراء جائحة كورونا بشكل غير مسبوق منذ سنوات على مستوى العالم.
وبلغت أسعار الطعام العالمية أعلى معدلٍ لها منذ أكثر من 6 سنوات، مدفوعةً بارتفاع تكاليف كل شيءٍ من فول الصويا إلى زيت النخيل؛ بسبب ارتفاع الطلب من الصين، وضعف سلاسل التوريد، والطقس السيئ، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
إذ أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ارتفاع أسعار الغذاء العالمية للشهر الثامن على التوالي في يناير/كانون الثاني 2021 إلى أعلى مستوى لها منذ يوليو/تموز 2014، وهو ما يثبت أنه نعمة للمزارعين ولكنه قد يؤجج أيضاً التضخم، حسبما ورد في تقرير لموقع Hindustan Times.
وبلغ متوسط مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة، الذي يقيس التغييرات الشهرية لسلة من الحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر، 113.3 نقطة في يناير/كانون الثاني 2021، بزيادة 4.7 نقطة عن ديسمبر/كانون الأول 2020، وفقاً للفاو.
وتحذر بعض البنوك من أن العالم مقبلٌ على ما يُسمى "دورةً كبرى" للسلع، (حيث ترتفع أسعار السلع وتستمر في الارتفاع لفترةٍ طويلةٍ قبل أن تبدأ في الاعتدال مرةً أخرى بفعل آلية تعديل السوق). كما أن التضخم، وانخفاض أسعار العملات المحلية- في بعض الأماكن- يشكل ضغطاً آخر على المستهلك المتضرر بالفعل من الركود الذي أحدثته الجائحة، حسب Bloomberg.
ارتفاع أسعار الطعام جراء جائحة كورونا تفاقم بسبب عامل إضافي
أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم بسبب الوباء حيث لا يستطيع العمال الهجرة إلى بلدان أخرى في مواسم الحصاد. انخفض التوظيف في قطاع الزراعة بنسبة 5.4% على أساس سنوي في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2020، وهو ما يمثل أكبر انخفاض في التاريخ، حسبما ورد في تقرير لموقع Nikkei Asia.
كان لتغير المناخ أيضاً تأثير سلبي على نضج المحاصيل، أحد الأسباب هو تغير المناخ، بما في ذلك هطول الأمطار الغزيرة في جنوب شرق آسيا والطقس الجاف في أمريكا الجنوبية، مما يؤثر على الإنتاج الزراعي.
كما جعل الوباء من الصعب على العمال الهجرة إلى الخارج. وفقاً لمنظمة العمل الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تضم الدول المتقدمة)، يبلغ عدد العمال الأجانب في الزراعة 17 مليون شخص. هذا هو أكثر من السكان الزراعيين المحليين في الاقتصادات المتقدمة البالغ 13 مليوناً.
ولكن بسبب الوباء، انخفض التوظيف في الزراعة بمقدار 490 ألفاً في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2020 مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا. وهذا الرقم أكبر من الانخفاض الملحوظ في قطاع الصناعات التحويلية عند 3.4% وقطاع الخدمات الذي انخفض بنسبة 4%.
في فرنسا، يُقال إن حوالي 80% من العاملين في قطاع الزراعة هم من المهاجرين، مما يؤدي إلى نقص حاد في اليد العاملة، حتى أواخر يناير/كانون الثاني 2021، كانت 101 دولة لا تزال تعلق دخول الأشخاص من بعض أو جميع مناطق العالم الأخرى، وفقاً لجامعة أكسفورد، مما يجعل من الصعب على المزارعين جلب العمالة الأجنبية التي هم في أمس الحاجة إليها.
أدى هذان العاملان الوباء والتغير المناخي إلى وصول مؤشر الأسعار الدولية للأغذية إلى أعلى مستوى له في ست سنوات.
احتجاجات وأزمات في عدة دول عربية
منذ بداية العام اندلعت احتجاجاتٌ في السودان، وأسهم القلق حيال أسعار الطعام في إشعال الأزمات في لبنان وأيضاً في تونس، مهد الربيع العربي، حسب Bloomberg.
وفي الهند ثار الفلاحون ضد الجهود الرامية لخفض الأسعار. أما روسيا والأرجنتين (وهما منتجان أساسيين للقمح)، فقد فرضتا قيوداً على تصدير المحاصيل؛ بهدف خفض الأسعار في الداخل. وحتى الدول الغنية مثل الإمارات تنظر في وضع حدودٍ قصوى لأسعار بعض السلع.
وكما هو حال كل شيءٍ، فإن التأثير ليس متكافئاً. في دول الغرب الغنية قد يكون التأثير محدوداً بتحول العميل من منتجات شركةٍ إلى أخرى. أما في البلاد الأفقر، فقد يبلغ الأمر الاختيار بين إرسال طفلٍ للمدرسة أو إخراجه للعمل وكسب المال.
وبدأت ظاهرة التسرب من التعليم تتفاقم في أطفال اللاجئين السوريين في لبنان، جراء حاجة عائلاتهم للعمل لمواجهة التضخم، حسب صحيفة Telegraph البريطانية. كما أن الظاهرة بدأت تمتد إلى الأسر اللبنانية وهي التي طالمها اشتهرت باهتمامها بالتعليم.
البرازيل: منحة كورونا ترفع أسعار الغذاء
تبرز البرازيل الدولة صاحبة أضخم اقتصادٍ في أمريكا اللاتينية بين الأسواق الناشئة البارزة بوصفها صاحبة أسرع ارتفاعٍ لأسعار الطعام خلال السنة الماضية بالنسبة للتضخم الكلي؛ بسبب الانخفاض المستمر في سعر العملة، وفقاً لبيانات شركة Oxford Economics Ltd.
في الوقت نفسه تنخفض شعبية الرئيس جايير بولسونارو انخفاضاً قياسياً، بينما يسعى هو لإيجاد سبل جديدةٍ لتهدئة الناخبين. فقد أقال فجأةً في 19 فبراير/شباط المنصرم رئيس كبرى شركات القطاع العام العاملة في مجال النفط في أعقاب احتجاجاتٍ بسبب أسعار الوقود. كما أنه يضغط لاستصدار دفعةٍ أخرى من منحة كورونا للفقراء بعد أن انتهى تسليم المساعدات المادية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
المشكلة أن تلك الأموال أسهمت في رفع أسعار الطعام حسبما تقول ماريا أندريا لاميراس، الباحثة في معهد Ipea للبحوث الاقتصادية، وفقاً لوكالة Bloomberg.
ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 76% خلال العام الماضي، بينما ارتفعت أسعار الحليب واللحوم بأكثر من 20%. وتقول ماريا: "وزعت الحكومة الأموال على الشريحة السكانية ذات الإنفاق الأعلى على الطعام".
روسيا: بوتين يخشى أزمة الغذاء أكثر من نافالني، فيوقف تصدير القمح
لا تزال ذكريات الأسعار المرتفعة والأرفف الخالية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي حاضرةً في أذهان العديد من الروس. وبينما بالكاد تتعافى شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي ظل مطالبات المتظاهرين بإطلاق سراح القيادي المعارض المعتقل أليكسي نافالني، فإنه يخشى التأثيرات السياسية لارتفاع أسعار الطعام (أكثر مما يبدو من خشيته من نافالني).
وفرضت روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، الأسابيع الماضية جمارك وقيوداً للحد من بيع المحاصيل في الخارج ولخفض الأسعار في الداخل. وأُمر كبار تجار التجزئة في البلاد بتثبيت أسعار بعض الأطعمة، في ظل ارتفاع أسعار البطاطس والجزر بأكثر من الثلث عما كانت عليه العام الماضي.
لكن مثل هذه القيود يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة التضخم الكلي، حسب Bloomberg.
إذ قدّر ديوان المحاسبة الروسي، وهو جهاز رقابي حكومي، في يناير/كانون الثاني أن أسعار المواد الغذائية ستقفز بشكل عام عندما تُرفع القيود في نهاية مارس/آذار.
نيجيريا: لا أموال للسلع الأساسية
تسهم أسعار الطعام في أكبر اقتصادٍ إفريقيٍ بأكثر من نصف مقياس التضخم في البلاد، مرتفعة في يناير/كانون الثاني بأسرع وتيرةٍ لها منذ 12 عاماً. إذ تنفق الأسر النيجيرية المتوسطة نحو 50% من ميزانيتها على الطعام. وتسهم الزيادة في خلق عاصفةٍ هوجاء من تحديات الأمن الغذائي التي تطارد البلاد منذ بداية الجائحة.
جفت احتياطيات العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع بعد انخفاض أسعار النفط. وأثرت اختناقات الإمدادات والهجمات على المزارعين على توريد السلع الزراعية. كذلك نقصت المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز بعد أن قيدت السلطات الواردات وأغلقت الحدود البرية لمدة 16 شهراً. وصحيحٌ أنها أعيد فتحها في ديسمبر/كانون الأول، لكن ذلك لم يفعل شيئاً يذكر لتخفيف التضخم.
تركيا: تحقيق في ارتفاع أسعار المواد الغذائية
تتأثر تركيا بشكلٍ خاص بأزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية لكونها صاحبة أكبر معدل استهلاكٍ للخبز للفرد في العالم، وأكبر مستورد للدقيق كذلك.
وارتفعت أسعار الأطعمة في يناير/كانون الثاني الماضي بنسبة 18% عما كانت عليه قبل عامٍ، مع قفزاتٍ حادةٍ لأسعار سلعٍ أساسيةٍ مثل الحبوب والخضراوات، حسب Bloomberg.
أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح تحقيق في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقال إن الزيت والبقول والخضراوات والفواكه تعتبر "الشاغل الأساسي".
وكان قد حذر في يناير/كانون الثاني من أن وزارة التجارة قد تفرض غرامات على الشركات التي تبيع المنتجات الغذائية بأسعار مرتفعة. لكن المشكلة تكمن في أن التهديدات الحكومية والعقوبات المالية التي فُرضت في عام 2019 بالكاد أثرت على معدلات ارتفاع الأسعار.
الهند: محاولة للتخلص من أكبر فاتورة دعم غذاء في العالم
تعد الهند موطناً لأكثر الأراضي الصالحة للزراعة بعد الولايات المتحدة، وهي أكبر مصدر للأرز في العالم وثاني أكبر منتج للقمح. في الوقت نفسه، لا يستطيع ملايين الأشخاص الحصول على طعام ميسور التكلفة، كما أن البلاد بها بعض أعلى معدلات سوء تغذية الأطفال.
وفي حين ارتفعت تكاليف المواد الغذائية بشكل أبطأ في الأسابيع الأخيرة، لا يزال الطعام بقلب التوترات السياسية التي هيمنت على الهند. تصاعدت احتجاجات المزارعين بسبب تحرك حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لتحرير سوق المحاصيل. ويشعر المزارعون بالقلق من أن القانون الجديد سوف يخفض الأسعار.
من جهته يدفع مودي بإصلاحات يعتقد كثيرون أنها مصممة في نهاية المطاف لخفض فاتورة دعم المواد الغذائية بالهند، وهي الأكبر في العالم، حسب Bloomberg.
وقالت الحكومة الهندية في يناير/كانون الثاني، إن فاتورة هذا الدعم أصبحت كبيرةً "بشكل لا يمكن السيطرة عليه". ووفقاً لشركة الاستشارات Verisk Maplecroft، فإن التخفيضات في دعم الغذاء والوقود غالباً تُترجم إلى اضطرابات؛ لذلك لا تبدو التوقعات جيدة في العامين المقبلين.