رغم الهدية الأمريكية المجانية برفع اسمهم من قوائم الإرهاب، يصعّد الحوثيون عملياتهم العسكرية في محافظة مأرب شرقي اليمن، كما أعلنوا صراحةً رغبتهم بالسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط والغاز، فهل يستطيعون حقاً حسم معركة مأرب أم أن لهم أهدافاً غير معلنة من هذا التصعيد؟
ويتزامن هذا التصعيد في معركة مأرب مع رحلات مكوكية يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفيث، ضمن مساعيه للحل السياسي، وكذلك مع جولات مماثلة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ.
ومجدداً، دخل حسن نصر الله، أمين عام جماعة "حزب الله" اللبنانية حليفة إيران، على خط الحرب في اليمن، من خلال خطاب قال فيه مؤخراً إن "الحوثيين مقدمون على نصر عظيم ورسم معادلة جديدة".
وأودت الحرب المستمرة منذ 7 أعوام بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80% من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
حراك أمريكي وأممي مكثف
بالتوازي مع التصعيد في معركة مأرب، بدأ المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، بجولة خليجية تستمر 10 أيام، حيث استقبله أمس الثلاثاء وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير.
كما تأتي الجولة في ظل حراك أممي وأوروبي مكثف لحلحلة الأزمة اليمنية المندلعة من نحو 7 سنوات، حيث زار المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، العاصمة السعودية الرياض، في إطار "مساعيه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد وتخفيف معاناة الشعب اليمني واستئناف العملية السياسية".
ودعا المبعوث جماعة الحوثي إلى وقف هجومها على محافظة مأرب، محذراً من أن محاولة تحقيق مكاسب بالقوة يهدد آفاق عملية السلام.
وتشير مدة زيارة المبعوث الأمريكي المستمرة 10 أيام إلى أنها ستكون جولة دبلوماسية مكثفة قد تخرج بنتائج إيجابية، تسهم على الأقل في تخفيف التصعيد العسكري في اليمن، وفق مراقبين.
آخر معقل مهم للشرعية ومحافظة غنية بالنفط
وفيما تحتدم المعارك بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين على جبهات عديدة في محافظة مأرب ومحافظة الجوف المجاورة، فإن معركة مأرب تدفع للحديث عن دوافع الحوثيين الذاتية من هذا التصعيد إضافة إلى محاولة فهم مدى تأثير الدور الإيراني في هذه المعركة.
ففي الأوساط اليمنية يتردد سؤال بشأن إن كانت المعركة إرادة خالصة لجماعة الحوثي أم رغبة الراعي الإقليمي إيران، وبرضا دولي، إثر وصول بايدن للبيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث الاستراتيجية (غير حكومي)، عبدالسلام محمد، لوكالة "الأناضول"، إن معركة مأرب تداخلت فيها الأهداف المحلية للحركة الحوثية وأهداف إقليمية لإيران وأهداف دولية للولايات المتحدة.
وأوضح أن جماعة الحوثي ترى أن السيطرة على مأرب، آخر معقل رئيسي للسلطة الشرعية وآخر حركة مقاومة في اليمن، ستمكنها من التمدد في اليمن بسهولة.
واستطرد: "كما تريد الجماعة إسقاط قانونية السلطة الشرعية لتنتهي تماماً وتصبح هناك ميليشيات الأمر الواقع، ويكون فيها الحوثي هو الأقوى على مستوى اليمن".
واقتصادياً، وفق محمد، فإن مأرب غنية بالنفط والغاز، وجماعة الحوثي تريد تسخيرها في دعم تحركاتها العسكرية إلى أبعد مدى، سواء داخل اليمن أو ربما مستقبلاً خلف الحدود مع السعودية.
هدفان للحوثيين من معركة مأرب
مأرب بالنسبة للحوثي هدف استراتيجي في إطار تحقيق مكاسبها العسكرية والسياسية محلياً، وكذلك توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفقاً للكاتب سيف الحاضري، رئيس "مؤسسة الشموع للإعلام والصحافة" في اليمن.
يريد الحوثيون من وجهة نظرهم، أحد أمرين، إما اجتياح مأرب لفرض سيطرتهم على المناطق الشمالية، ويتمكنوا من فرض شروطهم في أي حوار قادم، وتبقى الشرعية عبارة عن هامش لا قيمة له، والحوثي هو صاحب الكلمة الأعلى شمالاً وجنوباً، أو على الأقل فرض اتفاق جديد لتقاسم النفط.
ورأى أن معركة مأرب بالنسبة للحوثيين هي معركة وجودية، لإدراكهم أن بقاء مأرب تحت سيطرة الشرعية يمثل أكبر تهديد لوجودهم، لذلك سيدفعون إليها بكل ثقلهم ويسخرون لها كل إمكاناتهم، إضافة إلى أنها معركة مهمة بالنسبة لإيران من أجل تحقيق انتصار كبير على السعودية وتحالفها الذي يقود ويدير المعركة ويتحكم بها.
الدور الإيراني في معركة مأرب
وعلى الصعيد الإقليمي، قال محمد إن إيران ترى أن مجيء بايدن للرئاسة الأمريكية يمثل فرصة للحصول على مكاسب جديدة ورفع السقف، خاصة أنه يسترضيها للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وهي تريد العودة من حيث بدأ الاتفاق، بينما يريد الأمريكيون اتفاقاً جديداً يتضمن أيضاً مناقشة برنامج الصواريخ والنفوذ الإيراني.
وتابع أن الإيرانيين يرون أن تقدم الحوثيين أكثر ونجاح معركتهم في اليمن هو مكسب جديد لهم، مستغلين الموقف الأمريكي والأوروبي المتغير مع السعودية والإمارات، وخروج ترامب وإعلان بايدن نيته إيقاف الحرب في اليمن، بإيقاف الدعم العسكري للسعودية والإمارات، من دون أن يرى في الحوثي أي مشكلة.
وشدد محمد على استفادة طهران من التصعيد الحوثي في مأرب لكسب ورقة وسقف جديد في المفاوضات مع واشنطن.
ورأى أن الحوثيين يستفيدون من إيران لإحراز مكاسب على الأرض مقابل إعطاء مكاسب لطهران.
وتابع أن الحركة الحوثية لم تعد حركة وطنية ذات امتداد ومصالح داخلية، بل بات تفكيرها على مستوى أكبر، وهذا دليل على تأثير الحرس الثوري الإيراني على أفكارها وعقيدتها الأيديولوجية، ففي حين يتمددون على الأرض، يعطون آمالا لأتباعهم بالذهاب إلى مكة، وقتال الولايات المتحدة في أماكن أخرى غير اليمن.
كيف ينظر الأمريكيون إلى المعركة؟
اكتفى الأمريكيون بدعوة الحوثيين لوقف القتال في مأرب في وقت جمدوا فيه الدعم العسكري للسعودية في الحرب، وقبلها رفعوا اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب.
يفسر عبدالسلام محمد الموقف الأمريكي قائلاً إن بايدن يرى في سيطرة الحوثي على مأرب إيقافاً للحرب وتحقيقاً لوعده الانتخابي بإنهائها ومعاقبة السعودية، ومن جهة أخرى رداً على ترامب، الذي وضع الحوثيين، قبل خروجه من البيت الأبيض، على قوائم الإرهاب، فكان أول رد من بايدن هو رفعهم من هذه القوائم.
واعتبر محمد أن هذا يأتي في إطار الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وأن المستفيد هو إيران.
ويبدو أن واشنطن وجدت في الملف اليمني فرصة لكسب نقاط ضد السعودية، خاصة أن هناك غضباً دولياً وبالأخص لدى الرأي العام الغربي من المملكة، نتيجة جريمة اغتيال جمال خاشقجي والكارثة الإنسانية في حرب اليمن.
وواشنطن ترى ضرورة وقف الحرب عبر التسوية السياسية، فأرادت تقديم جزرة للحوثيين عبر رفع اسمهم من قوائم الإرهاب أثناء معركة مأرب.
ولكن في ظل عدم وجود أي عصا تدفعهم للتفاوض اعتبر الحوثيون ذلك ضوءاً أخضر أمريكياً للتصعيد.
وبصرف النظر عن أن قرار ترامب بتصنيف الحوثيين ضمن الجماعات الإرهابية يبدو متسرعاً، وغير منطقي، ولكن الأكثر لا منطقية هو مسارعة إدارة بايدن برفع اسمهم من قائمة الإرهابيين دون نيل أي مقابل منهم لصالح التسوية التي يسعى لها الأمريكيون.
فأبجديات التفاوض تقوم على تقوية مركزك والتصعيد ضد الأطراف لمساومتها بالأوراق التي بحوزتك للحصول على تنازلات مقابلها، أو على الأقل عدم المبادرة بتقديم تنازلات، بل مطالبة الطرف الآخر بالبدء في ذلك.
وهذا ما فعلته إدارة بايدن نفسها في الملف النووي الإيراني، فرفضت العودة للاتفاق النووي قبل التزام طهران ببنوده، علماً أنه من وجهة نظر قانونية، ومنطقية، فإن واشنطن هي التي انسحبت من الاتفاق وخرقته وبالتالي هي التي يجب أن تعود إليه أولاً.
فما فعلته بايدن في ملف البرنامج النووي الإيراني أنها أعطت الأولوية لقواعد التفاوض على أخلاقياته.
ولكن في الحالة اليمنية بدا أن رغبة إدارة بايدن الجامحة في وقف الحرب وإظهار صرامة ضد السعودية قد أدت إلى كرم بايدني ساذج مع الحوثيين لم ولن يقابلوا ذلك بأي تنازلات على الأرجح.
كما أن الملف اليمني هو إحدى الأدوات الإيرانية، أي أن الأمريكيين أضروا أنفسهم في التفاوض مع إيران.
هل ينتصر الحوثيون في مأرب، ولماذا يمثل ذلك كارثة للخليج والملاحة الدولية؟
في حال تحققت للحوثيين انتصارات عسكرية في مأرب، وفق عبدالسلام محمد، فمن الممكن أن يتمددوا إلى باب المندب (جنوب غرب اليمن) ويسيطروا على المنطقة بشكل أكبر، لتصبح إيران هي الذراع الأقوى في المنطقة العربية، ما يعطيها الأمل في التمدد مستقبلاً إلى دول الخليج.
فسقوط مأرب ستكون له آثار كارثية على السعودية وبقية دول الخليج والجوار بالكامل؛ لأنه يعني توسعاً لنفوذ إيران، حيث ستكون مُقبلات على مائدة النفوذ الإيراني، حسب تعبير الكاتب سيف الحاضري.
إلا أنه رأى أن المعطيات الراهنة تفيد بعدم تمكن جماعة الحوثي من السيطرة على مأرب مع استنفار الجيش التابع للحكومة الشرعية والهبة الشعبية المساندة له.
واستدرك: "لكن الخطر يكمن في احتمال حدوث تفاهم أمريكي إماراتي سعودي لإتاحة الفرصة للحوثيين للتقدم بهدف فرض ما وصفه بـ"ستوكهولم مأرب" على غرار ما حدث في مدينة الحديدة بغرب البلاد التي كانت الإمارات تقود المعركة فيها".
وبرعاية الأمم المتحدة، وقعت الحكومة والحوثيون اتفاقاً بشأن الحديدة في ستوكهولم يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكنه لم يسهم في إنهاء الحرب، حيث يتبادل الطرفان اتهامات بالمسؤولية عن تعثر تنفيذه.
شروط الحوثيين
بصرف النظر عن نتائج معركة مأرب، يواجه الحراك الدبلوماسي المكثف عقبات تعترض طريقه، أبرزها تباين وجهات النظر بين الحكومة اليمنية والحوثيين بخصوص حل الأزمة.
حيث تصر الحكومة اليمنية على ضرورة استناد أي حوار مقبل على 3 مرجعيات، هي: مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي، خصوصاً القرار (2216)، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
والمبادرة الخليجية كان قد أعلنتها دول المجلس عام 2011 لترتيب نقل سلمي للسلطة في اليمن، إثر انتفاضة الشارع ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
فيما أقرت مخرجات الحوار الوطني اليمني عام 2014 الفيدرالية نظاماً إدارياً لليمن.
وينص قرار مجلس الأمن الدولي (2216) في أبرز بنوده على انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها، وبينها العاصمة صنعاء.
في الجانب الآخر، يرفض الحوثيون هذه المرجعيات، ويشترطون وقف الغارات الجوية للتحالف العربي مقابل التعامل بإيجابية مع دعوات إحلال السلام في اليمن (دون تقديم وعود أو التزامات محددة كعادتهم).
وخلال الأيام الماضية، أكدت جماعة الحوثي تمسكها باستمرار المعارك في محافظة مأرب، شرقي اليمن، رغم التحذيرات الأممية والدولية من عواقب وخيمة لهذه المواجهات.
إذ تمثل معركة مأرب بالنسبة للحوثيين فرصة لتغيير قواعد التفاوض، سواء بالاستيلاء على المحافظة، أو حتى الاكتفاء بممارسة الضغوط على الحكومة الشرعية.
ففي ظل وقف الدعم الأمريكي العسكري للقوات السعودية، والذي قد ينعكس ميدانياً بشكل سلبي على الإسناد السعودي لقوات الحكومة الشرعية، خاصة في مجال الذخائر، فإن موقف الحوثيين قد يصبح أقوى لفرض وجهة نظرهم بتهميش المرجعيات التقليدية للحل في اليمن والتي تفترض انسحابهم من العاصمة صنعاء لصالح الرئيس عبدربه منصور هادي باعتباره الرئيس الشرعي المعترف به للبلاد، والعمل على تبريد الدعم العسكري السعودية لقوات الشرعية مع اقتطاع الأراضي منها تدريجياً.
يقابل ذلك تظهر بعض التوجهات غير الرسمية التي تُطرح في الدوائر الأمريكية، تسعى إلى البحث عن سيناريو جديد، يفكر في أكثر من مجرد وقف حرب اليمن، وقد يشمل الاعتراف أو تطبيع الهيمنة الحوثية على اليمن، خاصةً الشمالي.
وينقل تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي عن هيلين لاكنر، الخبيرة في الشؤون اليمنية، أن قرار مجلس الأمن رقم 2216 قد عفا عليه الزمن تماماً وأمسى عاجزاً عن معالجة الوضع الحالي.
وترى لاكنر أن من المبادرات المفيدة (حسب تعبيرها) التي يجدر بالرئيس الأمريكي الجديد اتخاذها تقديم حل لمجلس الأمن الدولي يعترف بالوضع الفعلي القائم على الأرض، أي حقيقة أن الحوثيين يسيطرون على 70% من المساحة المأهولة بالسكان في البلاد، وأنهم أنشأوا إدارة فعالة بالمناطق التي يحكمونها، حسب تعبيرها.
قد تكون إدارة بايدن عندما قررت رفع اسم الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية تسعى بالأساس إلى وقف حرب اليمن لإنهاء المعاناة البشعة لهذا الشعب عبر التوصل لتسوية تضم الحوثيين مع حلفاء السعودية، ولكن سياساتها على الأرجح سوف تؤدي إلى نتيجة مختلفة.. مزيد من السيطرة الحوثية.