مع اقتراب مهلة اعتماد البرلمان الليبي لحكومة عبدالحميد الدبيبة من نهايتها، وإعلان رئيس الحكومة المكلف بأنه سيلجأ إلى الخيار الثاني، ماذا يعني ذلك، وما دلالاته على الأوضاع في ليبيا؟
الخيار الثاني الذي لوح الدبيبة -رئيس حكومة الوحدة الليبية المكلف- جاء في تغريدة له على حسابه في تويتر مساء الثلاثاء، 23 فبراير/شباط، قال فيها: "لدينا خياران في عملية اختيار شكل الحكومة وعدم توافق النواب قد يدفعنا لاعتماد الخيار الثاني".
تغريدة الدبيبة تشير إلى قرب انتهاء المهلة المحددة للبرلمان الليبي كي يعتمد حكومة الوحدة، بحسب مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة، التي تنص على مهلة 21 يوماً لاعتماد حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة من جانب البرلمان (بشقيه في طرابلس وطبرق)، والمهلة بدأت يوم 5 فبراير/شباط الجاري، أي أنها تنتهي خلال 3 أيام فقط.
ما الخيار الثاني لاعتماد الحكومة الليبية؟
ما تم الاتفاق عليه هو أنه في حال فشل مجلس النواب الليبي في منح الثقة لحكومة الدبيبة يعود الأمر إلى "ملتقى الحوار السياسي" كي يمنح الثقة للحكومة.
وقبل ساعات من تغريدة الدبيبة، كان أعضاء من مجلس النواب الليبي بشقيه (طرابلس وطبرق) قد عقدوا اجتماعاً تشاورياً في طرابلس لتحديد مكان انعقاد الجلسة الرسمية لمنح الثقة للحكومة، لكن رغم وجود نحو 140 نائباً في طرابلس فإن عدد من حضروا الاجتماع كان في حدود 40، وفق مراسل وكالة الأناضول، دون معرفة سبب العزوف عن حضور الجلسة.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش للأناضول إن "الدبيبة وبعد أن رأى العدد البسيط من النواب في مشاورات اليوم، كتب تغريدته"، مضيفاً: "الدبيبة أراد أن يرسل رسالة للنواب بأنه لا يمكنكم الضغط عليّ أو ابتزازي في اختيار الوزراء، وأن هناك ملتقى الحوار السياسي يمكن أن نلجأ إليه".
ويبلغ إجمالي أعضاء مجلس النواب في ليبيا دستورياً 200، لكن العدد الحالي فعلياً نحو 170، ولا يمكن تحديده على وجه الدقة بسبب الوفيات والاستقالات الفردية. المجلس منقسم إلى نواب يجتمعون في العاصمة طرابلس، وكانوا يدعمون حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، والتي تم تشكيلها بموجب اتفاق الصخيرات في المغرب برعاية أممية أيضاً عام 2015.
بينما جانب آخر من نواب البرلمان يجتمعون في مدينة طبرق برئاسة عقيلة صالح، يساندون ميليشيات شرق ليبيا بزعامة الجنرال خليفة حفتر، الذي انقلب على حكومة الوفاق، وشن هجوماً على طرابلس مطلع أبريل/نيسان 2019، بهدف فرض ديكتاتورية عسكرية في البلاد، لكن هجومه فشل، وتوصلت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج وعقيلة صالح إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لا يزال صامداً منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ونتج عن مسار الحوار الليبي الحالي أيضاً اختيار المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد المنفي، وناشد المجلس أمس الثلاثاء رئيس الحكومة المكلف الدبيبة الإسراع في تقديم حكومته لمجلس النواب، في بيان، تزامناً مع اقتراب نهاية المدة الممنوحة لتقديم تشكيلة الحكومة الوطنية لمجلس النواب.
بيان المجلس الرئاسي ناشد أيضاً "السادة النواب التحلي بأعلى درجات المسؤولية، لمنح هذه الحكومة الثقة، حتى يتسنى لها البدء في أعمالها بشكل فعلي وقانوني"، مضيفاً أن المجلس "يؤكد عدم تدخله في أية اختيارات أو مشاورات خاصة بتشكيل الحكومة".
والمفترض طبقاً للمسار الحالي أن تعمل حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة على تحضير البلاد لإجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه، 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ماذا يعني ذلك للمسار السياسي في ليبيا؟
رغم أن عملية اختيار الدبيبة والمنفي من خلال ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، أشارت إلى مدى تعقيد المشهد في ليبيا، فإن ذلك عزز آمال الليبيين شرقاً وغرباً، في أن تكون الذكرى العاشرة لثورتهم التي أطاحت بنظام معمر القذافي ربما تشهد انفراجة تنهي عقداً من الدمار والفوضى.
لكن في الوقت نفسه كانت المؤشرات على صعوبة التحديات التي تواجه الحكومة الموحدة والمجلس الرئاسي ماثلة أمام الجميع، بصورة أعادت للأذهان المشهد في ليبيا عام 2016، بحسب تحليل نشره معهد تشازام هاوس الأمريكي قبل أيام.
تعيد المشاهد في ليبيا خلال فبراير/شباط الجاري إلى الأذهان صورة مشابهة لما كان عليه المشهد في البلاد عام 2016، إذ كانت حكومة الوفاق الوطني التي نتجت أيضاً عن حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة والمعترف بها دولياً تواجه مقاومة من جانب خليفة حفتر وعقيلة صالح، واليوم تواجه حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة موقفاً مشابهاً، حيث يبدو واضحاً أن صالح يضع شروطاً تعجيزية كي يدعم إعطاءها ثقة البرلمان، بحسب التقرير.
وربما يكون ما تواجهه حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي برئاسة المنفي من صعوبات أكثر عمقاً مما واجهته حكومة الوفاق الوطني، حيث تم تعيينهما من جانب 39 صوتاً فقط، فيما بدا أنه اختيار لقطع الطريق أمام قائمة وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا وعقيلة صالح، ما يشير إلى أن العملية نفسها كانت أقرب لصفقة تقاسم للسلطة، أكثر منها التوافق على وضع أساس لمنصة سياسية أو مصالحة سياسية حقيقية.
وكان تحليل لمعهد كارنيغي أعده ولفرام لاتشر من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية وعماد الدين بديع من برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، قد وصف المجلس الرئاسي المنتخب بأنه "يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه مجموعة من السياسيين الانتهازيين والجشعين، مع القليل من الشرعية أو التأثير".
وقال بديع لإذاعة Deutsche Welle: "من الصعب أن تكون إيجابياً. إذ يخلط الكثيرون بين توق الليبيين لتحقيق تغيير إيجابي -وهي من نواح كثيرة نتيجة ثانوية للإرهاق الناجم عن الصراع- مع النظرة الإيجابية للسلطة التنفيذية الجديدة.
وقبل ثلاثة أيام فقط من انتهاء المهلة الممنوحة لمجلس النواب الليبي لمنح الثقة لحكومة الدبيبة، يرى كثير من المراقبين أن اعتماد حكومة الوحدة من جانب ملتقى الحوار الليبي نفسه وارد على الأرجح، لكن ذلك يعني أن انقسام مجلس النواب مستمر كما هو، وأن احتمالات أن تكون الحكومة الجديدة أكثر حظاً في النجاح في مهمتها تقل بصورة كبيرة.
فتحالف الأصوات الذي أتى بالدبيبة والمنفي ليس تحالفاً سياسياً بالمعنى المعروف عن التحالفات السياسية، بل هو أقرب لزواج المصلحة، يضم أصواتاً غير متجانسة من الطيف السياسي الليبي، وبالتالي فإن الخاسرين من هذه النتيجة، وعلى رأسهم بالطبع خليفة حفتر، الذي فشل في هجومه على طرابلس من قبل، يخشى كثيرون من أن يكرر مغامرته العسكرية مرة أخرى في أي وقت، بحسب المراقبين.