إعلان فيسبوك أنه سيرفع "البلوك" الذي فرضه على قارة أستراليا بعد موافقة الحكومة على تعديل قانون لم تقبل به منصة التواصل الاجتماعي العملاقة لم يهدئ من روع القلقين من الوصاية التي تتمتع بها منصات التواصل على الجميع دولاً وحكاماً.
وقالت شركة فيسبوك، اليوم الثلاثاء 23 فبراير/شباط، أنها سترفع الحظر (البلوك) الذي كانت قد فرضته قبل أيام على المواقع الإخبارية في أستراليا بعد أن وافقت الحكومة الأسترالية على تعديل قانون الإعلام الذي اعترضت عليه شركة التكنولوجيا العملاقة، ووصل الخلاف بين الجانبين إلى اتخاذ الشركة قراراً بفرض حظر كامل على نشر الأخبار عبر فيسبوك داخل أستراليا.
أما الخلاف بين الجانبين فيرجع إلى شهور وهو في جوهره يتعلق بالمال؛ فالحكومة الأسترالية أرادت من فيسبوك أن تدفع أموالاً لوسائل الإعلام المحلية مقابل نشر محتواها الإخباري عبر فيسبوك، وهو ما رفضته الشركة بشكل قاطع، وصولاً إلى "البلوك" الذي اتخذته فيسبوك الخميس 18 فبراير/شباط، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
إذ استيقظ الأستراليون في ذلك اليوم ليجدوا أن صفحات فيسبوك لجميع المواقع الإخبارية محلية وعالمية غير موجودة لديهم، مما أثار انتقادات عنيفة داخل وخارج أستراليا، وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت مورسيون إن حكومته لن يرهبها وقف فيسبوك إرسال الأخبار للمستخدمين في بلاده.
وفي بيانه، الذي نشر على فيسبوك، قال مورسيون إنه "على اتصال منتظم مع قادة الدول الأخرى بشأن هذه القضايا. ببساطة لن نخاف"، مشيراً إلى أن شركات التكنولوجيا ربما تغير العالم، لكن "لا يعني هذا أن عليها إدارته"، مضيفاً: "ببساطة. لن نخاف".
هل تراجعت أستراليا أمام فيسبوك؟
الإجابة المباشرة على هذا السؤال هي نعم، إذ قالت كامبل براون، نائبة رئيس فيسبوك للأخبار، إنه "بعد مناقشات مستفيضة مع الحكومة الأسترالية توصلنا لاتفاق يسمح لنا بدعم الناشرين الذين نختارهم، ومن ضمنهم ناشرون صغار ومحليون"، بحسب موقع Axios الأمريكي.
وهذا يعني أن الحكومة الأسترالية تراجعت عن البند الذي اعترضت عليه فيسبوك في قانون الإعلام والخاص بتعيين لجنة حكومية للفصل في أي نزاع بين منصة التواصل والمؤسسات الإعلامية بشأن الرسوم التي يجب أن تدفعها فيسبوك لهم مقابل نشر محتواهم الإخباري على المنصة، وهذا ما عبرت عنه براون بقولها إن فيسبوك "ستحتفظ بقدرتها على أن تقرر أي أخبار تنشر على المنصة، وبالتالي لن نكون مضطرين للدخول في مفاوضات إجبارية بشكل تلقائي".
وهناك أسباب عديدة أجبرت الحكومة الأسترالية على التراجع أمام فيسبوك، أحدها انهيار مستويات الدخول (الترافيك) على المواقع الإخبارية في القارة منذ قرار البلوك (الخميس 18 فبراير/شباط) سواء من داخل أستراليا أو خارجها، وهو ما يسبب خسائر فادحة للمواقع الصحفية والإعلامية بالطبع، إضافة إلى تزامن البوك مع بدء حملة التطعيم بلقاحات كورونا في القارة وهو ما تسبب في عدم وصول المعلومات الهامة للغاية للمواطنين المعتمدين بشكل أساسي على الفيسبوك للوصول إلى المعلومات.
هيمنة منصات التواصل تثير الذعر
ما حدث في أستراليا أثار ردود فعل عالمية، وقال عضو الكونغرس الأمريكي ديفيد سيسيلين، رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار فى مجلس النواب، إنه "إذا لم يكن الأمر واضحاً بالفعل"، فإن تصرفات فيسبوك فى أستراليا تظهر أن الشركة "غير متوافقة مع الديمقراطية"، مضيفاً على تويتر: "التهديد بجعل دولة بأكملها تركع على ركبتيها للموافقة على شروط فيسبوك، هو الاعتراف النهائي بسلطة الاحتكار".
وفي كندا قال وزير التراث الكندى ستيفن جيلبولت إن "تصرفات فيسبوك غير مسؤولة إلى حد كبير وتهدد سلامة الشعب الأسترالي"، وأضاف "سنواصل المضى قدمًا لوضع تشريعات عادلة بين وسائل الإعلام الإخبارية وعمالقة الويب".
وفي بريطانيا قال جوليان نايت، النائب الذي يرأس اللجنة الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة فى البرلمان، لقناة سكاى نيوز: "إنها واحد من أكثر تحركات الشركات غباءً ولكنها أيضاً مزعجة للغاية فى حياتنا"، وأضاف فى مقابلة مع رويترز: "هذا الإجراء الذى اتخذه فيسبوك فى أستراليا، أعتقد أنه سيشعل الرغبة فى الذهاب إلى أبعد من ذلك بين المشرعين فى جميع أنحاء العالم".
وفى ألمانيا، دعا اتحاد ناشرى الصحف الحكومات إلى تقييد تأثير فيسبوك، وقال ديتمار وولف، المدير العام لشركة BDZV: "لقد حان الوقت لأن تحد الحكومات فى جميع أنحاء العالم من القوة السوقية لمنصات حراسة البوابة"، وقال وولف: "حقيقة أن المنصة تغلق الصفحات ببساطة كما تشاء من أجل زيادة الضغط السياسى تظهر أين تكمن مشكلة احتكار الشبكة الأمريكية على الإنترنت".
أوصياء على الجميع دولاً وحكاماً
ما حدث بين فيسبوك والحكومة الأسترالية يمكن وصفه بأنه سلسلة في حلقة ممتدة منذ سنوات تتعلق بالتوسع المطرد للنفوذ والهيمنة لمنصات التواصل الاجتماعي العملاقة حول العالم، بعد أن أصبحت المتحكم الأول والوصي الوحيد تقريباً على الجميع، بحسب تحذيرات مراقبين وخبراء ومسؤولين في أغلب دول العالم.
والقصة هنا لا تتعلق فقط بفيسبوك، رغم أنها المنصة الأكبر على الإطلاق؛ إذ يستخدمها 2.70 مليار شخص حول العالم بشكل فعال إضافة إلى تطبيقي واتساب وإنستغرام وتطبيق ماسنجر وكلها تطبيقات تابعة لفيسبوك، فقد كان حظر منصة تويتر لحساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعشرات الآلاف من حسابات مناصريه فصلاً آخر من فصول هيمنة منصات التواصل ووصايتها على الجميع.
حظر ترامب جاء في أعقاب اقتحام أنصاره الدامي للكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي بغرض وقف التصديق على فوز منافسه الرئيس الحالي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، في ظل الاتهامات لترامب بالتحريض على ذلك الاقتحام، لكن قرار حظره أثار انتقادات من جانب القلقين من الرقابة التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي على ما ينشر عبرها.
صحيح أن ترامب ردد مزاعم لا أساس لها من الصحة بشأن تزوير الانتخابات الأمريكية – بدليل رفض المحاكم الأمريكية بدرجاتها المختلفة وصولاً إلى المحكمة العليا لتلك الادعاءات – إلا أن منتقدي قرار تويتر حظر ترامب قالوا إن الرئيس السابق يروج لأكاذيب ونظريات مؤامرة ورسائل تحض على الكراهية والعنصرية منذ بداية استخدامه للمنصة، لكن القائمين على تويتر قرروا فقط حظره بعد أن خسر الانتخابات بالفعل.
واللافت هنا أن مؤسس تويتر نفسه جاك دوروسي قد أقر ضمنياً بأن قرار حظر ترامب يثير القلق، إذ أقر بأن هذه الخطوة ستكون لها عواقب على الإنترنت المفتوح والحر، مضيفاً وقتها: "الاضطرار إلى اتخاذ هذه الإجراءات يؤدي إلى تفتيت المحادثة العامة. إنهم يفرقوننا… ويشكل سابقة أشعر أنها خطيرة"، وأشار إلى أن "الشركة التي تتخذ قراراً تجارياً لتعديل نفسها تختلف عن قيام الحكومة بحجب الوصول (إلى الإنترنت)، ومع ذلك يمكن أن تشعر بنفس الشيء إلى حد كبير".
وقال بايدن إنه يريد إلغاء المادة 230، وهو قانون يحمي شركات التواصل الاجتماعي من المقاضاة، بسبب الأشياء التي ينشرها الأشخاص، لكن ليس من الواضح حتى الآن كيف يمكن أن تنتهي المعركة بشأن تنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى بموجب قانون منع الممارسات الاحتكارية بعد أن أصبحت تلك المنصات هي المتحكم الأول في شؤون العالم، بحسب محللين. إذ رفع 40 مدعياً عاماً أمريكيا ديسمبر/كانون الأول الماضي دعوى قضائية ضد شركة فيسبوك لإجبارها على التخلي عن ملكية تطبيقي واتساب وإنستغرام، بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.
والحديث عن هيمنة منصات التواصل الاجتماعي ووصايتها المتزايدة لا يمكن أن يخلو من الحديث عن مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ الذي يصفه كثيرون بأنه أصبح بالفعل أقوى شخص على وجه الأرض، فهو يمتلك 60% من حق التصويت في قرارات فيسبوك، وهو ما يجعله المتحكم الوحيد في أخطر سلاح ثقافي اخترعه الإنسان حتى الآن، بحسب شريك زوكربيرغ في تأسيس فيسبوك كريس هيوز.