بينما تتقدم حملات التطعيم ضد فيروس كورونا في كثير من دول العالم بدرجات متفاوتة، يبدو أن استبعاد اللاجئين من برامج التطعيم هو السمة المشتركة بين هذه الحملات، وهو أمر ينذر بكارثة ليس على اللاجئين فقط بل على المجتمعات التي تستضيفهم.
ونتيجة هذا الصمت العالمي، فهناك نحو 26 مليون لاجئ على مستوى العالم، لا يعلمون كم سنة سينتظرون للحصول على اللقاح، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
يقول الخبراء إن الوصول إلى مناعة القطيع يقتضي ضم اللاجئين إلى برامج التطعيم لإنهاء الجائحة. لكن اللاجئين، الذين ترك معظمهم بلدانهم الأصلية فراراً من الحروب أو الاضطهاد، غائبون عن أكثر من ثلث برامج التطعيم في بلاد العالم.
لماذا يبدو أن جائحة كورونا لا تمثل مشكلة كبيرة للاجئين؟
للوهلة الأولى قد لا يبدو فيروس كورونا مشكلة كبيرة بين اللاجئين. فبعد مرور عام تقريباً على انتشار الجائحة، تبدو أعداد الحالات بين اللاجئين أقل مما توقعه الخبراء في البداية. أحد الأسباب المحتملة لذلك من الناحية الديموغرافية، اللاجئون صغار السن نسبياً، ونصفهم تقريباً دون سن 18 عاماً، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وغالباً ما تكون المخيمات معزولة أيضاً إلى حد ما عن المناطق الحضرية التي قد ينتشر فيها الفيروس بحرية أكبر.
لكن البيانات أيضاً شحيحة، وتسجيل الحالات ليس دقيقاً على الأرجح: فبالنظر إلى أن اللاجئين لا يخضعون للفحوصات بسبب قيود الإمدادات والسعة، فليس واضحاً كيف ينتشر الفيروس بينهم. يقول بول شبيغل، مدير مركز جونز هوبكنز للصحة الإنسانية: "نحن نتحرك في الظلام الآن دون أن نعرف كيف يتأثر اللاجئون. لا نعرف فحسب".
الأمر ليس مطمئناً كما يبدو
ومن المرجح أن يموت اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بسبب كوفيد -19 ثلاث مرات أكثر من السكان ككل، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة التي تسلط الضوء على التأثير الهائل للوباء على المجتمع.
وبصفة عامة، إضافة إلى استبعاد اللاجئين من برامج التطعيم، يواجه اللاجئون العديد من العقبات الكبرى التي قد تزيد من صعوبة جهود العالم لترويض الفيروس.
ومن الصعب- بل من المستحيل- تطبيق العديد من الإجراءات الشائعة للتخفيف من انتقال الفيروس، مثل التباعد الجسدي وارتداء الكمامات بين اللاجئين، خاصة في المخيمات والمستوطنات المكتظة. تقول آني سبارو، المستشارة الخاصة للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إنه في ظل هذه الظروف، "فهم هدف سهل لانتشار كوفيد-19".
وقد يمتنع اللاجئون أيضاً عن الإبلاغ عن حالات إصابتهم لتجنب التعرض للتمييز أو الوصمة، خاصة بعد تحميلهم زوراً مسؤولية نشر فيروس كورونا في بداية الجائحة. يقول شبيغل: "يحتمل أننا لم نعرف بأمر بعض حالات دخول المستشفى أو الوفيات، لأنهم لا يريدون منا أن نعرف عنها".
ماذا قد تفعل السلالات الجديدة مع اللاجئين؟
وتوجد أيضاً مشكلة السلالات الجديدة التي ظهرت في جنوب إفريقيا والمملكة المتحدة والبرازيل. إذ أثار غياب المعلومات عن اللاجئين مخاوف إزاء الطريقة التي يؤثر بها انتشار هذه السلالات الأشد فتكاً والأكثر قابلية للانتشار بينهم.
ولأن العديد من البلدان التي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين تفتقر إلى القدرة على إجراء التتبع الجيني الضروري لاكتشاف السلالات، فلا توجد طريقة لتأكيد المدى الذي انتشرت به بالفعل أو الذي ستنتشر به.
وهذا مقلق لأن بعض السلالات تقلل من فاعلية اللقاحات على ما يبدو.
استبعاد اللاجئين من برامج التطعيم
ثم تأتي مشكلة استبعاد اللاجئين من برامج التطعيم، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أشارت 51 دولة فقط من بين 90 دولة، أي 57% من البلدان، إلى أن برامج التطعيم ستشمل لاجئين. ولم يتضح بعد إن كانت ستلتزم بتعهداتها؛ وحتى الآن، كان الأردن أحد البلدان القليلة في العالم التي بدأت تطعيم اللاجئين.
فلقد أطلق الأردن، في 14 يناير/كانون الثاني، خطة التطعيم الوطنية، والتي بموجبها، يحق لأي شخص يعيش في البلاد، بما في ذلك اللاجئون وطالبو اللجوء، الحصول على اللقاح مجاناً.
باقي الدول قدمت وعوداً في الأغلب لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن.
تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين يبلغ 3.6 مليون شخص لم تذكر إن كانت ستشملهم في برنامجها الخاص بالتطعيم. وكذلك لم تفعل باكستان التي تؤوي 1.4 مليون لاجئ، حسب تقرير المجلة الأمريكية.
وبدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي بالفعل مشاريع لإدراج اللاجئين في برنامج التطعيم الخاص بها لمنع خطر العدوى في الأشهر المقبلة، حسبما ورد في تقرير لموقع Arab News.
يقول شبيغل: "ذكر اللاجئين وحقنهم باللقاح بالفعل أمران مختلفان".
وما يزيد الأمر تعقيداً حقيقة أن معظم اللاجئين يعيشون في بلدان منخفضة إلى متوسطة الدخل، وكثير منها يجد صعوبة في الحصول على اللقاحات في سوق عالمي تنافسي حصلت فيه البلدان الغنية- التي تضم 16% فقط من سكان العالم- على 60% من إجمالي المعروض في العالم.
وقال شبيغل: "نحتاج إلى العمل معهم لنتأكد من استعداد اللاجئين للحصول على اللقاح حال توفره في ظل موجة الشائعات المنفرة من اللقاحات".
خطر على الجميع
ولكل هذه العقبات أهميتها لأن الوصول إلى مناعة القطيع أفضل طريقة للوقاية من الاضطرابات التي تسببها الجائحة. لكن الخبراء لا يتوقعون، رغم كل هذه الجهود، حصول الجزء الأكبر من اللاجئين على اللقاحات في أي وقت قريب.
والوصول إلى مناعة القطيع يتطلب توفر أجسام مضادة لدى 70%على الأقل من الناس. ولكن بعد تسليم برنامج كوفاكس للدفعة الأولى التي لا تكفي إلا 3.3% من سكان البلدان المشاركة في المبادرة- ومعظم الجرعات مخصصة للعاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية- سيستغرق الأمر سنوات حتى تصل الفئات الضعيفة إلى مناعة القطيع.
ولا تقتصر التداعيات على المخيمات المزدحمة أو النازحين، وإنما تمتد إلى الجهود العالمية لاحتواء كوفيد-19.
يقول مايك وودمان، كبير مسؤولي الصحة العامة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "المخاطر كبيرة. وإذا لم نحرص على حصول الجميع على اللقاح، فلن نتمكن من السيطرة على الجائحة، وآثار ذلك ستنعكس على الجميع".
فالفيروس لا يميز على أساس الجنسية أو على أساس الوضع القانوني. الجميع معرض لخطر الإصابة بالفيروس والجميع لديه القدرة على نشر COVID-19.