يُتوقع أن يتحدث الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، خلال الأيام المقبلة مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، البالغ من العمر 85 عاماً، والحاكم الرسمي للمملكة. لكن في الوقت نفسه، أزالت المتحدثة باسم البيت الأبيض أي شكوك أو احتمالات لاتصال بايدن بالحاكم الفعلي للبلاد، ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، وقالت جين ساكي للصحفيين حول ذلك، الأربعاء: "نظير الرئيس بايدن هو الملك السعودي وليس محمد بن سلمان، والاتصال مع الملك سيحدث في الوقت المناسب"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الإدارة الأمريكية "تعيد النظر حالياً بعلاقتها مع السعودية".
المملكة لا تزال في موقف حرج
لا تزال السعودية تحاول جاهدة مد "غصن زيتون" لإدارة بايدن، ففي 10 فبراير/شباط، أفرجت المملكة عن الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول بعد 1001 يوم في السجن، وهو اعتقال اتسم بمزاعم بالاعتداء الجنسي والتعذيب. وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت الرياض سراح سجناء سياسيين آخرين أثناء إعلانها إصلاحات مختلفة.
وكانت سيطرة الديمقراطيين على كل من البيت الأبيض والكونغرس قد أدت إلى وضع السعودية في موقف حرج؛ إذ أثار سجن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمعارضين، والاستمرار بحرب اليمن الكارثية، واغتيال الصحفي جمال خاشقجي، رد فعل عنيفاً من الحزبين في واشنطن، لكن كان الخلاف مع الرياض أعمق لدى الديمقراطيين. وكمرشح، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بجعل المملكة العربية السعودية "منبوذة"؛ إذ وصل للحكم، وتعهَّد بإعادة تقييم العلاقة الثنائية.
وعلى الرغم من خطاب بايدن الناري، هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقات الثنائية هنا، كما تقول مجلة "Foreign Policy" الأمريكية، وذلك إذا لعب كلا الطرفين بأوراقهما بشكل صحيح. قد تتزعزع العلاقة بين الرياض وواشنطن بسبب تصرفات محمد بن سلمان، لكن مصالحهما الاستراتيجية المشتركة لا تزال قائمة: التصدي للتوسع الإيراني، وتحقيق التوازن في أسواق الطاقة، وتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال "توسيع السلام مع إسرائيل". يمكن لواشنطن والرياض أن يصلحا علاقتهما، ولكن فقط إذا كبحت السعودية انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
الرياض تطلب "مغفرة" بايدن، لكن ما زال أمامها الكثير لكسب وُد إدارته
تقول فورين بوليسي إن كل التحركات الإصلاحية الأخيرة في المملكة، هي علامات تقدم مرحب بها في واشنطن. ومن الواضح أنها تهدف إلى تصوير حسن النية السعودية للإدارة التي لم تخفِ رغبتها في الضرب بمطرقة ثقيلة على العلاقة الثنائية لتعديلها، حيث نفذ بايدن بالفعل وعوده في حملته الانتخابية من خلال إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن. يوم الثلاثاء 16 فبراير/شباط، قال السكرتير للبيت الأبيض جان بساكي للصحفيين إن بايدن يخطط لتجاوز محمد بن سلمان والعمل مباشرة مع الملك المُسن سلمان، وهو "ازدراء واضح" للأمير الشاب، بحسب وصف المجلة.
وعلى الرغم من إطلاق سراح الهذلول، فإنها ستخضع لحظر سفر لمدة خمس سنوات ويجب أن تقضي ثلاث سنوات من المراقبة. كما يخضع د. وليد الفتيحي لحظر سفر لمدة 38 شهراً. فيما لم يُفرج عن مواطنَين سعوديين يحملان الجنسية الأمريكية، وما زالا يواجهان تهماً تتعلق بالإرهاب، ولا يزال يقبع العشرات من المعارضين في السجون دون أي جديد يُذكر حول مصيرهم.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية تريد حقاً إصلاح موقفها مع الإدارة الأمريكية الحالية، فعليها أن تسعى إلى إصلاحات أكثر ديمومة واستدامة تتجاوز الأخطاء السابقة. الإفراج المؤقت عن النشطاء وحظر سفرهم ليس تقدماً حقيقياً. هذه ببساطة خطوات لحفظ ماء الوجه لمحمد بن سلمان، وهي خطوات بعيدة جداً عما هو مطلوب لبدء تصحيح المسار مع بايدن والديمقراطيين في الكونغرس وعدد متزايد من الجمهوريين المحبطين، بحسب المجلة الأمريكية.
ويمكن لمحمد بن سلمان أن يبدأ بالإفراج غير المشروط عن جميع سجناء الرأي والنشطاء. وعليه أن يواصل التقدم في الإصلاح القضائي، لا سيما تفكيك نظام الوصاية الصارم الذي يجرد النساء السعوديات من استقلاليتهن ويجعلهن عرضة للانتهاكات.
لكن على الرغم من كل ذلك، فإن بايدن المتمرس في السياسة الخارجية، يفهم قيمة العلاقة الأمريكية السعودية ومكانة الرياض للأمن في المنطقة؛ لذا فإن أي استعادة للعلاقات مرهونة بخطوات أكثر تقدماً من الرياض، ولذا، لا تزال الكرة في ملعب ولي العهد السعودي.
لكن هل تملك إدارة بايدن خيار استمرار تجاهل محمد بن سلمان؟
في السياق، يقول تقرير لموقع Politico الأمريكي إن الحاكم السعودي الفعلي، الذي تشمل ألقابه رئاسة وزارة الدفاع أيضاً، قد أصبح "محل ازدراء" كثيرين في واشنطن بسبب تصرفاته المتهورة، علاوة على حملات القمع التي يشنها على خصومه السياسيين. وكل ذلك جعل عديداً من النشطاء الحقوقيين يذهبون حد المطالبة بأن تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية عليه هو شخصياً، وهي مطالبة قد تكتسب مزيداً من التأييد والدعم إذا أوفى بايدن بوعده وأصدر تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي ظل سِرياً لمدة طويلة عن جريمة اغتيال خاشقجي.
وتقبّل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الدورَ المركزي لولي العهد السعودي في حكم البلاد على أنه حقيقة واقعة، ولم يكتفِ بذلك، بل تحجج بمبيعات السعودية من الأسلحة الأمريكية ذريعةً للدفاع عن ولي العهد، حتى بعد مقتل خاشقجي، وحمايته من أي جزاء أو عقوبات أخرى. لكن من جهة أخرى فإن ثمة حقيقة قائمة، وهي أن ولي العهد، الذي ما زال في منتصف الثلاثينيات من عمره فقط، يمكن القول إنه يقع عليه مستقبل المملكة نفسها، فهل تملك إدارة بايدن تجاهله؟
يقول علي الشهابي، رجل الأعمال السعودي الذي له صِلات بالعائلة المالكة، لموقع بوليتكو: "لا يمكنهم إنجاز أي شيء إذا لم يتعاملوا مع محمد بن سلمان. الملك حاضر لكنه كبير في السن، إنه أشبه برئيس مجلس إدارة، وهو لا يشارك في تسيير القضايا اليومية. ومن ثم فهم في نهاية الأمر سيجدون أنفسهم مضطرين إلى التحدث مباشرة إلى محمد بن سلمان".
ومع ذلك، فإن آخرين يُشددون على أنه ما دام الملك حياً فلا داعي للاندفاع، وأن أي تعامل أمريكي مع ولي العهد يجب أن يكون في حده الأدنى، أو بطريقة غير مباشرة. ويأتي من بين المؤيدين لهذا الرأي برايان كاتوليس، الباحث في "مركز التقدم الأمريكي"، الذي يذهب إلى أن "إدارة بايدن لا ينبغي لها أن تتعامل مع محمد بن سلمان إلا بعد الإجابة عن قائمة أطول من الأسئلة، حول ما هو الأفضل لمصالح الولايات المتحدة وقيمها، والسبل التي سيعمَدون إليها لإعادة ضبط العلاقة" مع السعودية، في ظل وجوده.
إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع السعودية
يشير تقرير Politico إلى أن بايدن ومساعديه، الذين يقتربون من أول شهر لهم في المنصب، قد شرعوا بالفعل في التحرك من أجل إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع الرياض.
وجاءت أولى التحركات متمثلةً في إعلان الإدارة الجديدة عن خفضها الدعم الأمريكي المحدود بالفعل، للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فيما وعدت بمساعدة السعوديين في تعزيز دفاعاتهم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن وداعميهم في إيران، كما أصدر بايدن قراراً بتعيين الدبلوماسي المخضرم تيم ليندركينغ مبعوثاً أمريكياً خاصاً، يتركز عمله على الدفع باتجاه إنهاء الحرب في اليمن.
على ضوء ذلك، قال مارتن إنديك، المبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، إن إعادة صياغة العلاقات الأمريكية مع السعودية "تهدف إلى إرسال إشارة إلى أن الرئيس الأمريكي بايدن يريد أشياء معينة من ولي العهد، مثل إنهاء الحرب في اليمن، واتّباع نهج مختلف للمعارضة في الداخل"، حسبما نقلت عنه وكالة Bloomberg الإخبارية الأمريكية.
من جهة أخرى، فإنه إذا كان ثمة مسؤول في إدارة بايدن يسعُه بلا حرج التحدث إلى ولي العهد السعودي، فإن هذا المسؤول هو وزير الدفاع لويد أوستن، ففي نهاية الأمر سيتحدث هو إلى نظيره المباشر، وزير الدفاع السعودي. ومع ذلك فعندما تزايدت ضغوط الصحفيين للتعرف على ما يُزمع عليه أوستن بشأن الأمر، اكتفى المتحدث باسم البنتاغون بالقول لبلومبيرغ إنه "لم تُتَح للوزير أوستن بعدُ فرصةٌ للتحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان".
كما زار ليندركينغ السعودية، الأسبوع الماضي، بعد تعيينه مبعوثاً خاصاً للبحث عن سبل لإنهاء الصراع في اليمن. وبحسب المعلومات المتاحة للجمهور فقد التقى بنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، وكذلك وزير الخارجية فيصل بن فرحان.
من جانب آخر، فإن التغييرات التي أحدثها محمد بن سلمان في بلاده، التي منحته بعض الدعم الخارجي في بداية حكمه، جاءت مع مزيد من القمع السياسي الداخلي في المملكة، وتضمنت إجراءات مثل قمع أي منافسين محتملين لولي العهد على السلطة، والمعارضين، والناشطين في مجال حقوق المرأة.
ومن ثم، فحتى إذا أصبح ملكاً للبلاد فمن غير المرجح أن يتلقى بن سلمان معاملة خاصة خلال فترة بايدن الرئاسية، وواقع الأمر أنه قد يواجه عقوبات اقتصادية.
وكانت مديرة الاستخبارات الوطنية الحالية، أفريل هاينز، قد وعدت بنشر تقرير الاستخبارات عن جريمة اغتيال خاشقجي، الذي كان ترامب قد حجبه عن الكونغرس. ومن المتوقع أن يصدر التقرير في غضون أيام أو أسابيع. وفي حال صدقت التقارير الإعلامية السابقة التي أشارت إلى أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية قد خلصوا إلى أن ولي العهد قد أمر باغتيال خاشقجي، فإن ذلك قد يعزز جهود منظمات حقوق الإنسان، التي ترمي إلى محاسبة ولي العهد، من خلال العقوبات وغيرها من الوسائل.