أنتجت إيران 3.6 غرام من معدن اليورانيوم الطبيعي، وهددت طهران بتقليص صلاحيات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة أنشطة البلاد النووية، بداية من 21 فبراير/شباط الجاري، فهل يعني ذلك خطوة أقرب لامتلاك سلاح نووي فعلاً؟
الخطوة التي اتخذتها إيران يوم 6 فبراير/شباط الجاري تأتي في سياق ما يمكن وصفه بمباراة "عض الأصابع" بين طهران وواشنطن، منذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن مقاليد الأمور في البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي، والرغبة المعلنة من جانب الطرفين للعودة إلى الاتفاق النووي الذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحب منه بشكل أحادي، في مايو/أيار 2018.
الاتفاق النووي أو "معاهدة العمل الشاملة المشتركة" كان قد تم توقيعه منذ 2015 بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (اتفاق 6+1)، وكانت أبرز بنوده ألا تزيد إيران نسبة تخصيب اليورانيوم لديها عن 3.76%، وألا تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب يزيد عن نحو 200 كلغم من اليورانيوم المخصب بتلك النسبة، ووضع قيود أيضاً على ما تحتفظ به طهران من الماء الثقيل.
لكن يعتبر المحللون أن أهم بنود الاتفاق النووي هو إعطاء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات خاصة تشمل التفتيش المفاجئ على أي منشأة نووية إيرانية في أي وقت، ودون إخطار مسبق، وهذا ما تهدد طهران بالانسحاب منه خلال أسبوع، أي يوم 21 فبراير/شباط الجاري.
ماذا يعني إنتاج معدن اليورانيوم؟
عندما أعلنت طهران بدء إنتاج معدن اليورانيوم الطبيعي، في الأسبوع الأول من فبراير/شباط الجاري، حذر كثير من المحللين الإسرائيليين والغربيين من أن ذلك يعني اقتراب طهران من امتلاك قنبلة نووية، فماذا تعني تلك الخطوة بالنسبة لعملية تصنيع قنبلة نووية؟
روبرت كيلي، مهندس الأسلحة النووية الأمريكي وخبير التفتيش سابقاً، يقلل من تأثير القرار الإيراني على المدى الزمني اللازم لإنتاج قنبلة نووية، وقال لوكالة Bloomberg الأمريكية، إن جميع الخطوات الإيرانية حتى الآن لا تزيد فقط من صعوبة إحياء الاتفاقية النووية المحتضرة، على إدارة بايدن، بل تحول أيضاً دون تصنيع إيران للسلاح النووي بسرعة.
الخطوة التي أقدمت عليها إيران بإنتاج 3.6 غرام من معدن اليورانيوم الطبيعي في منشأة تصنيع ألواح الوقود جاءت في إطار إنتاج الوقود في منشأة في أصفهان، إذ أعلنت إيران الشهر الماضي أنها ستحول مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى الألواح المعدنية اللازمة لمفاعلها البحثي، الذي ينتج بدوره نظائر مشعة تُستخدم في الطب والصناعة.
ولتوضيح الصورة هنا من المهم ذكر حقيقة أن معظم مخزون إيران الحالي من اليورانيوم المخصب محفوظ في شكل غازي، حيث يمكن تمريره خلال مجموعات من أجهزة الطرد المركزي لفترة قصيرة. وهذه الأجهزة، التي تدور بسرعة تفوق سرعة الصوت، تفصل نظير اليورانيوم 235 اللازم لإطلاق التفاعلات المتسلسلة في محطات الطاقة (الاستخدام السلمي) والقنابل (تصنيع أسلحة نووية).
ويتطلب تصنيع الأسلحة النووية اليورانيوم المخصب حتى درجة نقاء 90%، بينما مخزون إيران من اليورانيوم مخصب بنسبة تتراوح بين 3% و20%.
وكانت إيران قد أبلغت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتزامها خلط معدن اليورانيوم مع السيليكون لإنتاج وقود اليورانيوم السليدي، وهو مصدر طاقة يستخدم في الطاقة الذرية منذ عقود، وعادة ما يأخذ شكل حبيبات صغيرة.
وهنا يوضح: "هذه الخطوة لن تساعد في التسليح. فمُركَّب اليورانيوم والسيليكون غير مناسب على الإطلاق للمزيد من التخصيب في جهاز طرد مركزي".
ماذا تريد إيران إذن؟
حتى الآن، لا يزال مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية يراقبون جميع خطوات وأنشطة إيران النووية، وأشارت الوكالة بالفعل في وقت متأخر، الأربعاء 10 فبراير/شباط، إلى خطوة إنتاج إيران لمعدن اليورانيوم الطبيعي في وثيقة خاصة بها اطلعت عليها وكالة بلومبيرغ.
وهذه الخطوة تأتي في إطار تصعيد إيراني متسارع أكثر في التخلي عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وبصفة خاصة منذ اغتيال عالمها النووي محسن فخري زادة، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي العملية التي اتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بتنفيذها بضوء أخضر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكان واضحاً أن الهدف من اغتيال فخري زادة كان جر إيران إلى "فخ الحرب" قبل مغادرة ترامب منصبه، لكن الواضح أيضاً أن طهران قرّرت عدم التصعيد حتى حافة الحرب، لكنها في الوقت ذاته تستخدم ورقة الاتجاه نحو امتلاك سلاح نووي للضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب أولاً، قبل أن تعود طهران للالتزام ببنود الاتفاق النووي كاملة مرة أخرى، بحسب المراقبين.
ما أهمية خطوة 21 فبراير/شباط للصراع النووي؟
وبالتالي فإن الخطوة الإيرانية تعتبر مناورة مع قرب انتهاء المهلة الجديدة التي أعلنت عنها، وهي حتى يوم 21 فبراير/شباط، وهو اليوم الذي أُبلغ مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن بعض سلطات رقابتهم ستتقلص فيه ما لم تُرفع العقوبات الأمريكية.
وقال أندرياس بيرسبو، محلل منع انتشار الأسلحة النووية ومدير الأبحاث في شبكة القيادة الأوروبية لوكالة بلومبيرغ: "حتى ذلك اليوم، ستظل إيران خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية الكاملة، ما يوفر اطلاعاً كافياً على أنشطة دورة الوقود الإيرانية".
ورغم أن تحويل اليورانيوم إلى معدن قد يجعل من الصعب على إيران حصولها على السلاح سريعاً، فالرسالة التي تبعث بها لا تزال مقلقة. إذ يقول بيرسبو: "الإيرانيون بارعون في التحرك في المنطقة الرمادية. فهم ملتزمون باتفاق الضمانات بحرفيته، ولكن من الواضح أن هذا ليس شكل السلوك المرغوب أو المتوقع".
الخلاصة هنا هي أن إيران تناور للضغط على إدارة بايدن كي ترفع العقوبات أولاً من جانبها وتعود للاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب كما هو، دون الدخول في مفاوضات جديدة تشمل برنامج طهران الصاروخي وتدخلاتها في شؤون الدول العربية في المنطقة، خصوصاً العراق واليمن وسوريا ولبنان، وهي الشروط الإقليمية من جانب حلفاء واشنطن كالسعودية والإمارات وإسرائيل.
لكن الموقف الأمريكي أعلنه بالفعل بايدن، ويتمثل في أن واشنطن سترفع العقوبات بعد أن تعود طهران للالتزام الكامل ببنود الاتفاق أولاً، وهو ما يجعل من يوم 21 فبراير/شباط الجاري تاريخاً هاماً، لأن تقليص طهران لصلاحيات مفتشي الطاقة الذرية يراه البعض الخطوة الأخطر في الصراع الجاري حالياً.