في سابقة تاريخية بين واشنطن وتل أبيب، طال انتظار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتلقي مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، لكنه بعد المعاملة الخاصة، والرعاية التفضيلية التي لقيها من دونالد ترامب صار مجبراً على التعامل مع بايدن الذي يبدو غير متعجّل للقائه أو حتى التقرّب منه، أو الخوض في الملف الإسرائيلي – الفلسطيني الشائك.
ومقارنةً بالرئيسين الأمريكيين السابقين، هذا بالفعل غير مألوف، إذ اتصل أوباما بنتنياهو بعد أربعة أيام، وترامب بعد ثلاثة أيامٍ فقط من توليه الحكم، في حين لا يزال يتجنب الاتصال بنتنياهو، أو يماطل في ذلك، وتقول الصحافة الإسرائيلية إن بايدن يتصل بقادة الدول حول العالم وفق الترتيب الإقليمي والأهمية لديه، وببساطة، فإنه لم يصل إلى إسرائيل بعد.
"متى ستتصل بزعيم إسرائيل؟!"
وإذا كان "الملك بيبي" أو نتنياهو "المدلل" يتظاهر بعدم المبالاة من انتظاره المستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع منذ تسلّم الرئيس الأمريكي منصبه، فإن سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، ومسؤول الفرع الدولي في حزب الليكود داني دانون، ضاق ذرعاً الأربعاء من تأخر التواصل المباشر بين الرجلين، ونجح في إحراج نتنياهو كما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت.
وتساءل دانون في تغريدة: "هل حان الوقت أخيراً للاتصال بزعيم إسرائيل، أقرب حليف لأمريكا؟"، واضعاً أسماء الدول التي اتصل بايدن بزعمائها، وللتشديد على الأمر، قدّم لجو بايدن رقم هاتف يصله برئيس الوزراء الإسرائيلي.
وتقول "يديعوت أحرونوت" إن تغريدة دانون، التي انتشرت كالنار في الهشيم في العالم، أثارت تساؤلات حول مبادرة السفير السابق إلى الأمم المتحدة، المعروف بأنه خصم سياسي مرير لنتنياهو. حقيقة أن دانون الذي يقدّم نفسه على "تويتر" على أنه سفير إسرائيل السابق إلى الأمم المتحدة، تسببت بالتعامل مع التغريدة كأنها مبادرة رسمية من "إسرائيل".
ومن جانبها اتّهمت المندوبة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي -صديقة إسرائيل الودودة- إدارة بايدن بأنها "تتجاهل صديقاً مثل إسرائيل في حين تتودّد إلى عدو مثل إيران"، حسب تعبيرها.
عهد بايدن يشي بعلاقة أكثر توتراً مع إسرائيل
في واقع الأمر، فقد اعتاد نتنياهو الذي يخوض حملة لإنقاذ مسيرته السياسية تلقّي الدعم من الرئيس الجمهوري السابق، لكن لا توجد فائدة يمكن أن يجنيها خلفه الديمقراطي من النسج على نفس المنوال قبل انتخابات الكنيست المقرّرة في 23 آذار/مارس القادم.
وفي حين سعى ترامب إلى إرضاء قاعدته الانتخابية المسيحية الإنجيلية "المهتمة بشدة بالدفاع عن إسرائيل"، يستمر بايدن بإثارة استياء "الحليف الأساسي" في الشرق الأوسط على خلفية ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي لم تتوقف إسرائيل عن التنديد به.
ويقول رئيس المنظمة الأمريكية اليهودية التقدميّة "جي ستريت" جيرمي بن عامي لوكالة الأنباء الفرنسية، الخميس، إنه "من الواضح أننا في وضع مختلف تماماً في العلاقة". ورغم تأكيده أن لبايدن "علاقة شخصية قديمة وطيّبة" مع إسرائيل، يشدّد بن عامي على أنّ "فريق الرئيس الجديد هو نفسه الذي كان يتولّى زمام الأمور بين 2009 و2017 في إدارة باراك أوباما التي كانت علاقتها مع إسرائيل أكثر توتراً".
وتقول "يديعوت أحرنوت" إنه "ينبغي ببساطة علينا الاعتياد على أن بايدن ليس ترامب ويمكن نسيان القرب الحميم بين الزعيمين. لقد تم انتخاب إدارة تعهداتها للجمهور كانت في مجال مكافحة الكورونا، وإصلاح أضرار الاقتصاد والأعمال، ومكافحة التغير المناخي والتنافس مع الصين".
مضيفة أن "الشرق الأوسط ليس الأول في جدول أعمال الإدارة الجديدة"، وأن "مصادر أمريكية مطلعة تزعم أن الإدارة الجديدة تترك نتنياهو يتعرّق وينشف دمه عن قصد".
إذ يعلم الأمريكيون أن نتنياهو لديه انتخابات قريبة وليسوا توّاقين لمساعدته، خصوصاً على خلفية ترسّبات الماضي. كذلك فإن التصريحات الإسرائيلية ضد العودة إلى الاتفاق النووي، وتصريحات رئيس الأركان أفيف كوخافي التي حذر فيها بايدن بشدة من العودة للاتفاق مع طهران، لم تسهم فعلاً في بناء الثقة المتبادلة بين تل أبيب وواشنطن، بحسب وصف "يديعوت أحرونوت".
وتخلص الصحيفة العبرية القول إنه "لدى النظر في قائمة القادة العالميين الذين اتصل بهم نتنياهو، من الصعب عدم التوصل إلى خلاصة بأن أحداً ما في البيت الأبيض، ببساطة لا يعتدّ بنتنياهو".
"ليست أولوية".. بايدن لا يريد التسرع بالدخول في مشاكل إسرائيل
من جهتها، تقول الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي ميشال دنّ، لـ"أ ف ب"، إنّ "الرئيس أوباما جعل حلّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني أولوية في السياسة الخارجية منذ بداية ولايته، من دون أن يحقق نتيجة تذكر"، ويعني ذلك أنّ "واشنطن الجديدة تريد حالياً أن تتأنّى، بصرف النظر عن العلاقات الشخصية".
وفي حين سارع دونالد ترامب بتقديم وعد عام 2017 بإيجاد "حلّ نهائي" بين إسرائيل والفلسطينيين من دون أن يتمكن من تحقيق ذلك، تُظهر إدارة بايدن تحوّطها.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن أن "حلّ الدولتين هو التسوية الوحيدة الممكنة"، مجدداً التزام التوافق الدولي الذي خرقه ترامب.
لكنّ ميشال دنّ تقول إنّ هذا "الحلّ صار مستحيل التطبيق" وفي الوقت نفسه "لم يقدّم الإسرائيليون أو الفلسطينيون بديلاً عنه بعد"، على حد تعبيرها.
وصرّح بلينكن لشبكة "سي إن إن"، الإثنين، أنّ "الحقيقة القاسية هي أنّنا بعيدون جداً عن تحقيق اختراق لإحلال السلام وإيجاد حلّ نهائي يقود إلى إنشاء دولة فلسطينية". وأظهر وزير الخارجية طموحات "متواضعة جداً"، ودعا طرفي النزاع إلى عدم اتخاذ أيّ "قرار أحادي يزيد من تقويض آفاق السلام". ويبدو أنه لا سبيل حالياً للحديث عن العودة إلى طاولة المفاوضات.
ويقول بن عامي من جهته، إنه "يجب على الولايات المتحدة أن تخفّض سقف أهدافها إلى إبقاء إمكانية المفاوضات حيّة، عوض طرح مبادرة كبيرة جديدة".
وفي إشارة على وجود نوع من الإحراج، لم توضح إدارة بايدن بعد موقفها من القرارات الأحادية الكثيرة التي اتخذها ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو لصالح إسرائيل. وأكدت الإدارة الجديدة أنها "ستُبقي على السفارة الأمريكية في القدس، وأنّ الولايات المتحدة ستواصل اعتبار المدينة المقدّسة عاصمة للدولة العبرية رغم الاحتجاجات الدولية".
في المقابل، وعدت إدارة بايدن بإعادة فتح الممثلية الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن واستئناف تقديم المساعدات للفلسطينيين بعدما قطعتها إدارة ترامب في الأعوام الأخيرة.
لكن يبدو أن إدارة بايدن لا تزال تبحث عن توازن في ملفات أخرى لم تفصح بعد عن موقفها منها. ورفض بلينكن أن يبدي رأياً حاسماً من الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية التي ضمّتها الدولة العبرية في 1981، كما لم يعلن موقفه من قرار سلفه مايك بومبيو عدم اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية منافية للقانون الدولي.
ويختم بن عامي بالتأكيد على أنّه "في ظلّ إدارة ترامب، مُنح الإسرائيليون ضوءاً أخضر لفعل ما يريدون في الضفة الغربية والمضيّ قدماً في ضمّ المستوطنات، ونأمل أن يصطدموا بضوء أحمر في أقرب وقت ممكن".
لكن هل يعجّل تحقيق "الجنائية الدولية" بسحب بايدن إلى حلبة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
في السياق، يجبر قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً، الذي يفسح الطريق أمام شن تحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل، إدارة بايدن على الانغماس في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في وقت أبكر بكثير مما هو متوقع، كما يقول موقع Axios الأمريكي.
وأثار قرار المحكمة الجنائية الدولية سخط الحكومة الإسرائيلية، وأكد مدى اعتمادها على إدارة بايدن، بحسب تصريح مسؤول إسرائيلي كبير لموقع Axios. وعقب إعلان القرار، يوم الجمعة، 5 فبراير/شباط، استهلت إسرائيل على الفور مشاورات طارئة مع مسؤولين أمريكيين.
إذ التقى يوم الاثنين، 8 فبراير/شباط، القائم بأعمال السفارة الأمريكية في القدس المحتلة بوزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي لمناقشة الأمر. وبعدها بساعات، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع أشكنازي، وطمأنه بأنَّ واشنطن ستساعد إسرائيل على تحدي القرار، حسبما كشف مسؤول إسرائيلي لموقع Axios.
في السياق، لا يستبعد أن يستغل نتنياهو هذه القضية، ويسعى باستماتة للحصول على دعم بايدن في "المسألة شديدة الأهمية لإسرائيل". وعارضت وزارة الخارجية الأمريكية بالفعل قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إنها "لا تتمتع بالولاية القضائية للتحقيق في المسألة". وتأمل الحكومة الإسرائيلية الآن أنَّ الإدارة الأمريكية "ستتمكن من الضغط على الدول أعضاء المحكمة والمدعية العامة لوقف التحقيق".