"تعيين هذا الرجل مبعوثاً أمريكياً خاصاً للملف الإيراني هو دليل شؤم". عبَّرت هذه الكلمات التي قالها الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط عن الإرث المركب والمثير للجدل، للدبلوماسي الأمريكي روبرت مالي، الذي أصبح مسوؤلاً عن الملف الأهم للسياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الحالي.
وقال جنبلاط في تغريدة عبر "تويتر"، إن "أخطر شيء هو هؤلاء المثقفون الذين يعملون لدى مراكز الدراسات التي تحلل وتنتهي باستنتاجات على حساب الشعوب.
وأضاف: "إن تعيين روبرت مالي من قِبل الخارجية الأمريكية كمبعوث خاص لدى إيران هو دليل شؤم، لقد خبرت هؤلاء المثقفين كيف تخلوا عن الثورة السورية في بداياتها.
بالنسبة لجنبلاط، مالي هو نموذج للدبلوماسيين المثقفين الديمقراطيين الذين قدَّموا أنفسَهم على أنهم يتفهمون مظالم الشعوب العربية وحاجتها للديمقراطية، ولكن خذلوا هذه الشعوب وقت الضيق.
ولكن في المقابل، يروّج المتشددون في إسرائيل وأمريكا بأن مالي، ذا الأصول اليهودية المصرية متعاطف مع إيران وحماس.
ينحدر من أسرة غير تقليدية.. والده يهودي أحبَّ عبدالناصر وكاره للسادات
وُلد مالي (52 عاماً)، في نيويورك، لكنه نشأ جزئياً في فرنسا، حيث كان والده (صحفي مصري سوري وُلد لعائلة يهودية) يدير مجلة هناك، أما والدته فهي من سكان نيويورك، وعملت مع وفد جبهة التحرير الوطني في الأمم المتحدة.
يصف روبورت مالي والده سيمون مالي بانه كان يهودياً من مصر متعاطف مع القومية العربية.
كانت حرب الجزائر من أجل الاستقلال (1954-1962) هي المحور الرئيسي الأول لعمل والده، ونقطة تحول في حياته، كتب عشرات الآلاف من الكلمات، وقدّم مساهمة رئيسية في وضع جبهة التحرير الوطنية الجزائرية على خريطة اهتمامات العالم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في عام 1969، نقل والد روبرت مالي عائلته إلى باريس، وأطلق مجلة أفريكاسيا، واعتبر نفسه والمجلة مناصرين للدول حديثة الاستقلال، مثل الجزائر ومصر بقيادة عبد الناصر، وكل تجارب النضال من أجل التحرير في جميع أنحاء العالم، وعلى الأخص الفلسطينيين.
في 1980، أدت مناقشة مالي للعمل الفرنسي القذر في إفريقيا إلى إثارة غضب الحكومة المحافظة في باريس قبل الانتخابات الرئاسية عام 1981، وأمر الرئيس فاليري جيسكار ديستان بطرد سيمون مالي (الذي كان في ذلك الوقت يحمل جواز سفر أمريكياً لأن أنور السادات منع تجديد جواز سفره المصري)، تم أخذه بشكل غير رسمي من سيارة أجرة من قبل الشرطة ووضعه على متن طائرة إلى نيويورك من دون جواز سفره.
روبرت مالي.. الخبير في الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية
روبرت مالي كان المدير السابق للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، في عهد الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما، كما أنه يعتبر أحد عرّابي الاتفاق النووي الإيراني في عهد أوباما.
عيَّنت إدارة أوباما روبرت مالي "رجلها الرئيسي" في الشرق الأوسط، حيث يقود مكتب الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تم تعيين مالي مستشاراً خاصاً جديداً للرئيس أوباما لداعش.
يعتبر البعض مالي خبيراً في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتُهاجمه تقارير إعلامية إسرائيلية لأنه شارك في أبحاث لمجموعة الأزمات الدولية، تضمنت مقابلات مع قادة حماس، وهو أمر أدى إلى انسحابه من حملة أوباما الانتخابية، رغم تأكيد مالي أنه لم يُخفِ هذه اللقاءات التي أُجريت في إطار بحثي، بل كشف أنه طُلب منه إحاطة المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين بإيجاز عن قادة الحركة.
ويبدو من كتاباته أنه يرى تقبل حقيقة أن حماس تمثل قطاعاً كبيراً من الشعب الفلسطيني، خاصة في ضوء تراجع دور فتح.
ولأن المتشددين الإسرائيليين والأمريكيين لا يرضون إلا بالانحياز الكامل لإسرائيل، فإنه يتم الادعاء بأن مالي "مناهض لإسرائيل" منذ توليه مهام في عهد إدارة كلينتون في عام 2000.
ثم يجري الحديث الآن أن مالي، الذي كان مفاوضاً رئيسياً في المباحثات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني، متعاطف مع إيران.
فلقد غرّد السيناتور الجمهوري توم كوتون قائلاً إن "مالي لديه سجل حافل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء تجاه إسرائيل".
عرفات ليس مسوؤلاً وحده
عمل مالي مساعداً خاصاً للرئيس الأمريكي بيل كلينتون للشؤون العربية الإسرائيلية، ومدير شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي.
وبهذه الصفة كان جزءاً من الفريق الأمريكي في قمة كامب ديفيد للسلام الإسرائيلي الفلسطيني، في يوليو/تموز 2000.
وبعد ذلك بعام، شارك مالي -مع حسين آغا- في تأليف مقال مطول ومفصل: "كامب ديفيد: مأساة أخطاء"، في عدد 9 أغسطس/آب من مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس.
في ذلك المقال جادل مالي وأغا بشكل أساسي في أن الفشل النهائي لكامب ديفيد يجب أن يُنسب إلى كل من الرئيس كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، ورئيس السلطة الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات.
ويتناقض هذا الكلام مع القول السائد في كل من الكتابات الأمريكية والإسرائيلية، التي تشير إلى عرفات باعتباره المسؤول الرئيسي عن فشل المفاوضات.
ورأى مالي أنه مَن كان مِن الأسباب الرئيسية لفشل مفاوضات كامب ديفيد هي تكتيكات رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، وجوهر اقتراحه الذي جعل من المستحيل على عرفات قبول عرض باراك.
ويقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق أليون بانكس، في مقال في صحيفة Haartez الإسرائيلية، كان موقف مالي مخالفاً للتقديرات السائدة في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية، بأن السبب في فشل كامب ديفيد هو عرفات، ويضيف: اختلفت معه آنذاك، ولكن يبدو تحليل مالي أقرب للموضوعية.
ويضيف بانكس: تأييد مالي العملي لعملية السلام، ومشاعره الأساسية المؤيدة لإسرائيل لم تكن موضع تساؤل من قِبل أيٍّ منّا، وكذلك التزامه العميق بتعزيز المصالح الأمريكية.
يتعرض مالي للهجوم أيضاً باستدعاء كتابات والده اليهودي المناهضة للاستعمار.
ويرى أليون بانكس أنه بينما لا يتطلب تعيين مالي في منصبه كمبعوث للملف الإيراني موافقة من مجلس الشيوخ، يحاول الجمهوريون -وبعض الديمقراطيين- تحويل مالي إلى هدف مناسب كجزء من معارضتهم لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.
ونقل موقع أكسيوس (Axios) عن مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية، أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب من المبعوث الأميركي الجديد لإيران روب مالي تشكيل فريق تفاوض يتكون من دبلوماسيين وخبراء، لهم مواقف مختلفة بشأن مستقبل الاتفاق النووي، والاستعانة كذلك بأشخاص ممن يوصفون بالصقور.
ورأى الموقع أن هذه التعليمات تشير إلى أن إدارة بايدن تحاول تجنب الاعتماد على تفكير فريق واحد عند صياغة سياساتها بشأن إيران، وأخذ وجهات النظر المتنوعة في الاعتبار.