خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، توسع النفوذ الإماراتي بمنطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، وتدخلت أبوظبي في معظم أزمات، فهل تتواصل هذه السياسات في عهد الرئيس الأمريكي جون بايدن، وكيف سيكون شكل العلاقة بين بايدن والإمارات؟
باتت الإمارات توصف من قِبل الأمريكيين بإسبرطة الصغيرة، أو إسبرطة الخاصة بنا، وأشاد الجنرالات الأمريكيون بكفاءة طياريها في الحرب ضد الإرهاب،
ولكن مع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة أصبحت لدى الإماراتيين أجندتهم الخاصة، وباتوا لا يخفون طموحهم إلى بناء إمبراطورية بحرية بالمنطقة عبر الاستيلاء على المواقع والموانئ البحرية الرئيسية بالمال أو السلاح أو كليهما.
الأهم أنهم يريدون تفويضاً أمريكياً لتنفيذ هذه الطموحات، بدعوى أنهم يحمون المصالح الأمريكية.
"نحن أدرى بأعدائكم منكم"
كان أول توتر بين بايدن والإمارات، عندما قررت الإدارة الجديدة تعليق صفقة بيع طائرات إف 35 إلى أبوظبي التي أبرمت على عجل في الأيام الأخيرة لترامب.
اللافت أن أحد تعليقات السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، على تجميد الصفقة أن الإمارات حليف يتحمل بعض الأعباء بدلاً من أمريكا.
إذ قال العتيبة في بيانه: "إن صفقة طائرات إف 35 أكثر من مجرد عملية بيع أسلحة لأحد الشركاء"، حيث أوضح السفير أن الاتفاقية مهمةٌ أيضاً للولايات المتحدة، لأنها "ستُحرّر أصول الولايات المتحدة؛ حتى تتفرغ للتحديات العالمية الأخرى".
منذ عهد إدارة أوباما تقدم الإمارات نفسها باعتبارها الحليف الأكثر موثوقية في تنفيذ المهام مع أمريكا، ولكن تحوَّل الأمر إلى كونها الحليف الذي يقوم بالمهام التي تتقاعس أمريكا عن القيام بها.
وهكذا لم تكتفِ الإمارات بتقديم مساندة ذات كفاءة للحرب الأمريكية ضد داعش، أشاد بها القادة الأمريكيون، بل سرعان ما انتقلت إلى خوض حروبها الخاصة في اليمن وليبيا، وأسست قواعد بإريتريا وفي جمهورية أرض الصومال الانفصالية التي لا يعترف بها أحد، ووصل الأمر لمشاركتها في مناورات جوية مع اليونان في شرق المتوسط، والانضمام إلى عضوية منتدى غاز شرق المتوسط.
بل بلغ الأمر حد محاولة رشوة الرئيس السوري بشار الأسد لإفساد وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الأتراك والروس بإدلب في مطلع 2020، وقبل ذلك حصار قطر الذي كانت الإمارات على الأرجح القوة الدافعة الأولى وراءه.
كثير من حلفاء الإمارات خصوم لأمريكا
في أغلب الملفات المشار إليها، لم تكن هناك أي مصلحة أمريكية، ولم يكن هناك إرهاب، بل كانت هناك أجندة إماراتية تقوم على محاولة فرض أبوظبي نفوذها والعداء للديمقراطية والإسلاميين المعتدلين.
بل العكس في كثير من الحالات، كانت الإمارات تتحالف مع قوى معادية للولايات المتحدة، مثل روسيا التي تتشارك الإمارات معها في دعم بشار الأسد والجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
كما أن الأسد حليف لإيران، التي من المفترض أنها ألد أعداء أمريكا في المنطقة، والدولة التي تحتل أرض الإمارات.
وفي مراحل عدة بحرب اليمن تحالفت الإمارات مع السلفيين، إضافة إلى دعمها الدائم للانفصاليين الجنوبيين، وفي السودان تتحالف الإمارات مع العسكريين مقابل القوى اليسارية والثورية.
وفي إثيوبيا تتحالف مع نظام آبي أحمد الذي يهدد حصة مصر والسودان من مياه النيل، وهو النظام الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات، فيما تواصل أبوظبي دعمه، إضافة إلى إلى علاقتها الوثيقة مع نظام أسياس أفورقي في إريتريا والذي يعد أحد أسوأ الأنظمة في العالم.
فحلفاء الإمارات في المنطقة خليط من العسكريين والإسلاميين المتطرفين والانفصاليين وأصدقاء روسيا وإيران، أي إن حلفاء الإمارات في الأغلب خصوم لأمريكا أو على الأقل قوى أقرب بحكم طبيعتها إلى الروس.
استفادت الإمارات من حالة القلق السلبي الذي كانت تبديه إدارة أوباما إزاء تصرفاتها (والذي يبدو واضحاً في مذكرات أوباما نفسه، حينما روى محادثة متوترة مع الشيخ محمد بن زايد، اشتمَّ فيها الرئيس الأمريكي أنَّ رجل الإمارات القوي سيتصدي للربيع العربي وحده رغم إرادة أمريكا).
ولكن في عهد ترامب بلغ نفوذ الإمارات أقصاه، إذ استغلت لأقصى درجة سياسة التشجيع السلبي التي انتهجتها إدارة ترامب مقابل تقديم الإمارات مقابلاً ثميناً عبر تحوُّلها لعراب التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى جبل الجليد غير الظاهر في العلاقة الخاصة بين أبوظبي وطاقم ترامب والتي أثيرت حولها تحقيقات أمريكية من قبل.
هل حقاً الإسلام السياسي عدو مشترك للغرب والإمارات؟
جزء من التبرير الذي تقدمه الإمارات للغرب لسياستها هذه، هو أنها تحاول دس رسالة إلى الغرب، مفادها "نحن نحارب عدوكم الأساسي وهو الإسلام السياسي"، والمشكلة أنه قد يكون الإسلام السياسي ليس محبوباً لدى الغرب، ولكن ليس عدواً له بالضرورة دوماً، أو أن هناك خصوماً أكثر خطورة بالنسبة له، بل أحياناً كان الإسلام السياسي حليفاً للغرب مثلما كان الأمر في مواجهة الشيوعية.
وفي الوقت الحالي قد تمثل روسيا والصين خصماً أهم للغرب من الإسلام السياسي، بل حتى الأنظمة الاستبدادية العربية الموالية للغرب ليست خصماً فقط للقيم التي يتباهى بها الغرب، ولكن لمصالحه أيضاً عبر تسبُّب الاستبداد في تأجيج التطرف والهجرة أو عبر التحالف مع روسيا والصين.
واللافت هنا أنه رغم تقديم الإمارات نفسها على أنها الحليف الأوفى للولايات المتحدة، فإن لديها علاقات مع الصين وروسيا أقوى من أي دولة عربية أخرى، في المقابل فإن الإسلاميين الذين تحاول أبوظبي إظهارهم كعدو للغرب، هم بطبيعة الأحوال أبعد ما يكونون عن بكين وموسكو (بحكم أن الدولتين تناصبان الحركات الإسلامية لديهما العداء، وأحياناً تناصبان كل مظاهر التدين لديهما).
إحدى النقاط التي تفند محاولة الإمارات تقديم نفسها للولايات المتحدة كوكيل للحرب ضد الإسلام السياسي، أن أبوظبي تركز على العداء ضد الإسلام السياسي المعتدل، متجاهلةً السلفيين، أو متحالفة معهم أحياناً، كما تنسق مع النظام السوري الطائفي الذي يعد جزءاً من المحور الشيعي في المنطقة بقيادة إيران، وهو المحور الذي يمثل خطراً على مصالح الغرب، كما ارتكب مذابح بحق السُّنة في العراق وسوريا.
لماذا لا تتلقى الإمارات لوماً غربياً على أفعالها؟
بينما يوجَّه جزء كبير من اللوم في واشنطن والإعلام الغربي على تدهور الأوضاع بالشرق الأوسط في عهد ترامب إلى الحلفاء الثلاثة الكبار لأمريكا بالمنطقة (تركيا، مصر، السعودية)، فإن الواقع أن الدور الإماراتي قد يكون الأكثر إثارة للجدل، ليس من حيث تأثيره سلباً فقط على مصالح المنطقة وتشويه ثوابتها عبر التطبيع وتشجيع الانفصال والتنسيق مع القوى الطائفية وعرقلة التطور الديمقراطي بها.
ولكن حتى من وجهة النظر الأمريكية والغربية، فإن السياسات الإماراتية أغلبها مُضرَّة لواشنطن سواء لتسبُّبها في تأخر التسويات السياسية وتسعير التوتر بالمنطقة كما يحدث في ليبيا، أو من خلال مساعدتها الدور الروسي سواء بشكل مباشر أو عبر مناوئة الدور التركي والإسلاميين المعتدلين في المنطقة، والذين هم بكثير من المناطق يواجهون حلفاء روسيا.
ولكن الإمارات عبر المظهر الحداثي الذي تقدمه مقارنة بأغلب الدول العربية الأخرى وعبر استثماراتها الضخمة والأهم عبر علاقاتها الوثيقة بالعديد من اللوبيات في الغرب ولاسيما القوى اليمينية ولوبيات السلاح تتلقى نقداً أقل من غيرها، وتنجو بأفعالها في الأغلب، ووصل الأمر إلى مداه الأكبر في عهد ترامب الذي جمع بين كونه يمينيا متطرفاً ورجل أعمال يعطي الأولوية للصفقات ومصالح شركات السلاح وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، يُلاحظ أن أذرع لوبي السلاح الإماراتي أصبحت تمتد إلى دول يُفترض أنها متعادية، وتحولت شراكات تصنيع وتجارة السلاح إلى إحدى أبرز أدوات السياسات الخارجية الإماراتية ووسيلة فعالة لاختراق المؤسسات السياسية للدول الغربية.
فعلى سبيل المثال نجت أبوظبي من العقوبات الألمانية التي فرضت بسبب حرب اليمن، بعدما لم يتم تمديد حظر تصدير الأسلحة الذي فرضته الحكومة الألمانية عليها، بينما ظلت السعودية خاضعة له لفترة أطول.
كيف سيكون شكل العلاقة بين بايدن والإمارات؟
فيما يتعلق بشكل العلاقة بين بايدن والإمارات، فهناك احتمال ليس بالقليل، وهو أن يتخلى الرئيس الأمريكي الجديد عن حالة التشجيع السلبي للدور الإماراتي التدخلي في المنطقة الذي خلقه ترامب.
ولكن هل يعود لحالة القلق السلبي من الأدوار الإماراتية التي ميزت فترة أوباما والتي تمثلت في عدم الموافقة على تصرفاتها دون إبداء رد فعل وهي السياسة مسؤولة عن ظهور الممارسات التدخلية الإماراتية، أم تكون العلاقة بين العلاقة بين بايدن والإمارات كالعلاقة بأي حليف طبيعي يمكن أن يلام أو يعاقَب إذا أخطأ، كما تفعل الولايات المتحدة مع تركيا ومصر والسعودية بدرجات متفاوتة.
حتى لو أصبحت سياسة بايدن أكثر صرامة مع الإمارات، فستظل هذه الدولة الصغيرة بمدنها الحداثية المبهرة حتى للغرب، وتاريخها القصير، وعلاقاتها المتشعبة مع اللوبيات الغربية، لاسيما اليمينية، والأهم تحالفها المتصاعد مع إسرائيل، دوماً أبعد عن الرقابة والمحاسبة الأمريكيتين مقارنة بحلفاء واشنطن الكبار، خاصةً أنها تقدِّم نفسها على أنها حريصة على مصالح الغرب أكثر من الغربيين أنفسهم.