بعد 10 سنوات من حلم اليمنيين بغد أفضل، كيف وصلت الأمور إلى طريق مسدود؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/02/02 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/02 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
أطفال في اليمن (صورة تعبيرية)/ رويترز

عندما تظاهر أكثر من 10 آلاف يمني في شوارع صنعاء ضد حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قبل عشر سنوات، كان الأمل يحدوهم في تغيير حياتهم للأفضل، لكن مسار الأحداث كاد أن يقضي على مجرد الأمل في نوعية الحياة التي كانت موجودة قبلها، فكيف تبخر الحلم ومَن المسؤول؟

جماعة الحوثي اليمن – الأناضول

الآن أصبح اليمن ساحة للصراع بين القوى الإقليمية، ويسيطر الانقلابيون الحوثيون المدعومون من إيران على صنعاء وأغلب مدن الشمال، بينما يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات إلى الانفصال بجنوب اليمن عن شماله، وبعد 6 سنوات من الحرب المدمرة تحول اليمن إلى لغز لا يوجد له حل واليمنيون يدفعون ثمناً باهظاً.

أسوأ مجاعة في العالم منذ 40 عاماً

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً عن أحوال اليمنيين الآن بعد عَقْد كامل من الحلم ببلد أفضل خلال انتفاضات عام 2011 التي اجتاحت العالم العربي، في ظل اقتراب الأزمة الإنسانية من ذروة جديدة رهيبة، في شكل أسوأ مجاعة شهدها العالم منذ 40 عاماً.

 إذ نزل أكثر من 10000 شخص إلى شوارع صنعاء، قبل عشرة أعوام، في أول مظاهرة حاشدة ضد فساد نظام الرئيس علي عبدالله صالح وقسوته، المستمر منذ 32 عاماً.

وعن ذلك اليوم، قالت رجاء الثيباني وهي أمريكية يمنية أوقفت دراستها الجامعية في عام 2011 للمشاركة في الانتفاضة: "كان ذلك الشعور قوياً ومثيراً؛ لأنه لأول مرة على الإطلاق يتحد الناس في اليمن، لم يهم ما كانت قبيلتك أو انتماؤك الديني أو السياسي، أو ميولك الجنسانية، فقد نزلنا جميعاً معاً، أسبوعاً بعد أسبوع".

اليمن يعاني من حرب مدمرة منذ سنوات/رويترز

واستطردت للصحيفة البريطانية: "بعد بضعة أشهر، بدأت التصدعات في تلك الوحدة تظهر، لكن أعتقد أنَّ الكثير منا رفض الاعتراف بذلك".

وفي ظل الفراغ السياسي والأمني ​​الذي أعقب ذلك اكتسبت العديد من الجهات الفاعلة التي تشكل تهديداً لوحدة الدولة موطئ قدم: التمرد الحوثي المستعر منذ فترة طويلة في المرتفعات الشمالية، وتنظيم القاعدة في الصحاري الوسطى، وفي عدن تجددت حركة استقلال جنوب اليمن.

انقلاب الحوثي أفسد كل شيء

واندلع صراع واسع النطاق عندما قررت ميليشيا الحوثيين اقتحام العاصمة، ما أجبر الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى المملكة العربية السعودية المجاورة في أوائل عام 2015.

وبمشورة ودعم الحلفاء الغربيين، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة، قرر القادة العسكريون السعوديون الذين لم يسبق لهم اختبار خوض حروب من قبل، شن حملة قصف لمدة ثلاثة أسابيع لطرد الحوثيين بعد اقتحامهم العاصمة صنعاء.

عاملة رعاية طبية تحمل طفلاً يمنياً يعاني من سوء التغذية في مركز علاج في محافظة حجة شمال اليمن/ جيتي

لكن عملية عاصفة الحزم تحولت إلى صراع نهايته مسدودة، انتشر عبر 47 خطاً أمامياً وأودى بحياة 233 ألف شخص. وبعيداً عن القصور الحاكمة البراقة في الرياض وأبوظبي، تلاشت الطموحات العسكرية للتحالف العربي في الأراضي الوعرة في شبه الجزيرة العربية، لكن المدنيين اليمنيين هم من دفعوا الثمن.

وفي محافظة صعدة، معقل الحوثيين، أصبحت الضربات الجوية جزءاً عادياً من الحياة اليومية، لدرجة أنَّ الناس لم يعودوا ينتبهون إلى أزيز الطائرات المقاتلة في سماء المنطقة.

أسوأ أزمة إنسانية في العالم

إضافة إلى ذلك، تطارد سوء التغذية والكوليرا وحمى الضنك، والآن فيروس كورونا المستجد، الشباب والضعفاء فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

ويرجع السبب الرئيسي في عدم الإعلان عن انتشار المجاعة على نطاق واسع في اليمن إلى أنَّ تلبية التعريف التقني المعقد للمجاعة يتطلب بيانات دقيقة، وهو ما يفتقر إليه اليمن.

ومن جانبه، علَّق مهدي بلغيث، المحلل في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، خلال أحدث زيارة من صحيفة The Guardian لليمن في نوفمبر/تشرين الثاني: "الحوثيون في الشمال، وداعموهم الإيرانيون، لن يتزحزحوا".

وأضاف: "هم مستعدون لخوض الصراع لمدى طويل أكثر من القوى الخليجية. في المستقبل ستتوقف الولايات المتحدة عن الاعتماد على الخليج في النفط والغاز، وستتفكك هذه الشراكة طويلة الأمد. إذن ما الذي يمنع طهران من الزحف شمالاً إلى مكة نفسها؟".

وفي الجنوب اليمني المتنوع، لم تضع الحرب أوزارها بعد، لكن الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد نفّرا أي حلفاء محتملين.   

متظاهرون يرفعون لافتات تندد بالدور الإماراتي في بلادهم، تعز، اليمن، 2019/ AFP

وفي أمسية باردة من العام الماضي في محافظة شبوة، وهي محور جغرافي غني بالنفط يربط شمال البلاد بجنوبها، تجمع أكثر من 100 رجل من عشائر شبوة العشر في اعتصام بالقرب من قاعدة عسكرية إماراتية، مطالبين بالعدالة في مقتل تسعة رجال وفتيان إثر غارة جوية غير مبررة شنتها القوات المدعومة من الإمارات. وقالوا إنَّ المقاتلات الإماراتية تُحلِّق في بعض الأحيان على ارتفاع منخفض فوق مخيماتهم في محاولة لإخافتهم.

وقال الشيخ أحمد عبدالقادر حسين المحضار، أرفع القادة الحاضرين، "عندما جاء الإماراتيون والسعوديون قالوا إنهم سيستثمرون في مشاريع المياه، لكن الإماراتيين أرادوا منا إرسال رجالنا للقتال من أجلهم، وعندما رفضنا قرروا إخافتنا لفعل ذلك".

وأضاف: "اليمن مكون من عصابات الآن، لم نتلقَّ أي اعتذار، ولا توجد محكمة تتلقى شكوانا، لقد أجبرتنا الحرب على الاعتماد على الأساليب القديمة في فعل الأشياء… إذا لم تكن هناك دولة فعلينا الاعتماد على الشبكات والعدالة القبلية".

تصدع التحالف السعودي-الإماراتي 

وتصدع التحالف العربي نفسه منذ قررت الإمارات دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في عام 2017، ومصيره الآن مُعلَّق إلى حد كبير على قوة العلاقة الشخصية بين الحاكمين السعودي والإماراتي، لكن الحرب لا تُظهِر أية علامات على قرب انتهائها.

وتُجري الرياض محادثات عبر القنوات الخلفية مع قيادة الحوثيين منذ صيف عام 2019، بينما سحبت الإمارات معظم قواتها في نفس الوقت تقريباً، لكن الوجود الإماراتي الآن أصبح متوارياً خلف المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي بقوة للانفصال بالجنوب.

وفي الوقت الذي يبحث فيه قادة التحالف العربي عن استراتيجيات خروج، اشتدت الاشتباكات بين الحوثيين والقوات اليمنية المحلية، وبعد عدة جولات من الاقتتال الداخلي العنيف لا تزال العلاقة التي أُصلِحَت الآن بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية هشة.

ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي/ رويترز

وعلَّق الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، مبيعات الأسلحة للحملة التي تقودها السعودية في الوقت الحالي، لكن إدارته كانت غامضة حتى الآن بشأن الشكل الذي ستبدو عليه السياسة الأمريكية تجاه اليمن.

إضافة إلى ذلك، كان أحد القرارات الأخيرة التي اتخذها دونالد ترامب قبل رحيله عن البيت الأبيض هو تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وهي خطوة حُذِّر من أنها لن تضر بالمتمردين، لكنها ستجعل من الصعب جداً توصيل المساعدات والواردات التي تشكل 90% من اليمن، والغذاء والوقود.

إذ على الرغم من الفظائع التي ارتكبها ويرتكبها الحوثيون بحق اليمنيين، واتهامهم باستهداف المنشآت المدنية، وآخرها الهجوم الذي استهدف مطار عدن تزامناً مع وصول الحكومة اليمنية الجديدة، وهو الهجوم الذي أسقط عشرات القتلى والجرحى، فإن سيطرة الحوثيين على صنعاء وصعدة ومدن الشمال جعل تصنيفهم كمنظمة إرهابية عقبة في سبيل توصيل المعونات الإنسانية من جهة، والتوصل لحل ينهي الحرب من ناحية أخرى، وهذا سبب انتقاد قرار إدارة ترامب. 

وحتى إذا قرر بايدن التراجع عن قرار ترامب يُقدِّرالبرنامج الغذائي العالمي أنَّ العقوبات تدفع بالفعل 80% من الدولة -أي نحو 24 مليون يمني- إلى الجوع الشديد.  

ومع ذلك، على أحد الشواطئ الرملية البيضاء البكر في شبوة، لا يزال رجل واحد يتمسك بالأمل  في مستقبل أفضل. ويقول رائد الأعمال سعيد القلادي: "سيتدفق السياح مثلما كانوا يفعلون من قبل. يجب أن نتمسك بالأمل دائماً".

تحميل المزيد