يمثل الانقلاب العسكري في ميانمار اختباراً مبكراً للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في مجال السياسة الخارجية، وبالتحديد رؤيته نحو قيادة أمريكا للديمقراطية، ورفض الاستبداد والمنافسة مع الصين.
ففي الانقلاب العسكري في ميانمار، تتقاطع كل هذه النقاط، انقلاب عسكري فج يطيح بحكومة منتخبة حتى لو كانت رئيستها أصبحت سيدة مثيرة للجدل.
كما أن ميانمار تقع على حدود الصين، وبكين لديها نفوذ كبير في البلاد، ولديها علاقات قوية مع العسكريين، من الواضح أنها لا تعارض الانقلاب، حتى إنها قد تكون مؤيدة له.
فلقد كانت الصين أحد البلاد القليلة المعنية بميانمار التي لم تدن الانقلاب، واكتفت الصين بحث جميع الأطراف في ميانمار على حل الخلافات.
وقالت الخارجية الصينية "الصين جارة صديقة لميانمار. نأمل أن تتمكن جميع الأطراف في ميانمار من التعامل بشكل مناسب مع خلافاتهم بموجب الدستور والإطار القانوني وحماية الاستقرار السياسي والاجتماعي".
وقال وانغ وينبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: "إن بكين ما زالت تعمل على زيادة تفهم الوضع في البلاد".
ووعد بايدن بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ضد الصين التي يقودها الحزب الشيوعي.
ومن شأن الانقلاب العسكري في ميانمار أن يعرقل التقدم الكبير الذي أحرزته الدولة الآسيوية نحو الديمقراطية في السنوات الأخيرة، وهو التقدم الذي صاحبه استمرار الفظائع ضد الأقليات خاصة الروهينغا.
أسباب الانقلاب العسكري في ميانمار
واستولى جيش ميانمار على السلطة يوم الإثنين 31 يناير/كانون الثاني 2021 في انقلاب على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً التي تقودها السياسية الحائزة على جائزة نوبل أونغ سان سو كي التي اعتقلت مع قادة آخرين في حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في مداهمات في الصباح الباكر.
كان الجيش غير راضٍ عن نتيجة الانتخابات التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني والتي كان أداء حزب سو كي فيها جيداً، في حين كان أداء الحزب المدعوم من الجيش ضعيفاً نسبياً. يدعي الجيش تزوير الانتخابات. وكان من المقرر عقد البرلمان الجديد في ميانمار يوم الإثنين في جلسته الأولى.
وتصاعدت التوترات السياسية الأسبوع الماضي عندما رفض متحدث عسكري استبعاد وقوع انقلاب قبل انعقاد البرلمان الجديد، وأثار القائد العسكري مين أونغ هلاينغ احتمال إلغاء الدستور، وانتشرت الدبابات في بعض الشوارع وخرجت مظاهرات مؤيدة للجيش في بعض المدن.
لكن الجيش بدا وكأنه يتراجع في عطلة نهاية الأسبوع، وأصدر بياناً على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد قال فيه إنه "سيبذل قصارى جهده للالتزام بالمعايير الديمقراطية لانتخابات حرة ونزيهة".
وانتشرت الدبابات في بعض الشوارع وخرجت مظاهرات مؤيدة للجيش في بعض المدن قبل الاجتماع الأول للبرلمان.
لكن الجيش بدا وكأنه يتراجع في عطلة نهاية الأسبوع، وأصدر بياناً على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد قال فيه إنه "سيبذل قصارى جهده للالتزام بالمعايير الديمقراطية لانتخابات حرة ونزيهة".
انتكاسة كبيرة للديمقراطية.. الروهينغا ضد الانقلاب
وواجه التصويت في الانتخابات بعض الانتقادات في الغرب لحرمان بعض الجماعات العرقية بما في ذلك الروهينغا من حق التصويت، لكن لجنة الانتخابات في ميانمار رفضت مزاعم الجيش بتزوير الأصوات.
وندد زعماء اللاجئين الروهينغا الذين يعيشون في بنغلاديش المجاورة بالاستيلاء على السلطة، وقال ديل محمد زعيم الروهينغا لرويترز عبر الهاتف: "نحن مجتمع الروهينغا ندين بشدة هذه المحاولة الشائنة لقتل الديمقراطية."
الدستور الذي أعلن في عام 2008 بعد عقود من الحكم العسكري يحفظ 25% من مقاعد البرلمان للجيش والسيطرة على ثلاث وزارات رئيسية في إدارة Suu Kyi.
غرد بوب راي، سفير كندا لدى الأمم المتحدة، بأن جيش ميانمار "كتب الدستور بهذه الطريقة حتى يتمكنوا من فعل ذلك".
وقال إن "دستور 2008 صُمم خصوصاً لضمان ترسيخ القوة العسكرية وحمايتها".
موقف أمريكا.. سنتخذ إجراءات
وقال البيت الأبيض إنه تم إطلاع الرئيس جو بايدن على الاعتقالات، بينما أصدرت السفارة الأمريكية في يانغون تحذيراً للمواطنين الأمريكيين هناك من "احتمال حدوث اضطرابات مدنية وسياسية".
وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين في بيان: "الولايات المتحدة تقف إلى جانب شعب ميانمار في تطلعاته إلى الديمقراطية والحرية والسلام والتنمية، والجيش يجب أن يتراجع عن هذه الإجراءات على الفور".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي في بيان: "الولايات المتحدة تعارض أي محاولة لتغيير نتائج الانتخابات الأخيرة أو إعاقة التحول الديمقراطي في ميانمار، وستتخذ إجراءات ضد المسؤولين إذا لم يتم التراجع عن هذه الخطوات".
ولم تحدد بساكي أنواع الإجراءات التي قد تتخذها الولايات المتحدة إذا لم يستجِب جيش ميانمار لتحذيراتها. ومع ذلك هناك احتمالات بأن الإدارة ستتجه إلى العقوبات الاقتصادية كما فعلت في الماضي.
ووصف دانييل راسل، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون شرق آسيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي أقام علاقات وثيقة مع سو كي، الاستيلاء على السلطة بأنه ضربة للديمقراطية في المنطقة.
وقال: "إنه تذكير آخر بأن الغياب الطويل لمشاركة الولايات المتحدة ذات المصداقية والثابتة في المنطقة قد شجع القوى المناهضة للديمقراطية".
وانتقد مدير آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، جون سيفتون رد البيت الأبيض الأولي ووصفه بأنه "ضعيف بشكل مخيب للآمال". وحث على رد فعل دولي أكثر تضافراً "لإخطار جيش ميانمار بالعواقب المحددة التي ستحدث إذا لم يتم عكس انقلابهم".
لماذا أصبحت ميانمار مهمة لأمريكا؟
رغم أن ميانمار دولة فقيرة ومنبوذة، إلا أن هذا في حد ذاته يجعلها اختباراً صعباً لبايدن، فإذا كان بايدن والنخبة الليبرالية الأمريكية، مؤمنين حقاً بريادة أمريكا الأخلاقية التي يتحدثون عنها، فإن كون ميانمار دولة فقيرة سيكون ذلك دليلاً على أن التحرك الأمريكي للدفاع عن الديمقراطية خال من الأغراض.
ولكن الأرجح أن الاهتمام الأمريكي بميانمار نابع بالأساس ليس من الغيرة على الديمقراطية، بل بسبب تصاعد أهمية هذه الدولة في السياسة الخارجية الأمريكي وفي بوصلة السياسة الدولية عامة.
قد يكون ذلك بسبب أزمة الروهينغا، وقبلها فوز أونغ سان سو كي بجائزة نوبل.
ولكن السبب الرئيسي لصعود أهمية ميانمار في السياسة الدولية ولا سيما بالنسبة لأمريكا، هو قربها وعلاقتها بالصين.
وأحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى تشجيع الديمقراطية في ميانمار هو إخراجها من فلك الصين، جارتها في الشمال الشرقي، وقد تكون بكين قلقة من تحقيق ذلك.
ولكن إذا تحركت أمريكا من هذا المنطلق، أي من مبدأ مناوءة الصين التي تعتبر قريبة للعسكريين في ميانمار، فقد يعني ذلك مزيداً من الدعم الصيني للجيش، مما يقلل من فاعلية أي عقوبات غربية.
الأهم من ذلك أن تجربة ميانمار وغيرها من الدول تشير إلى أن العقوبات إذا لم تكن مؤثرة فإنها تضر الشعوب لا الأنظمة، وبالتالي فإذا لم يكُن هناك تحرك حازم يتخطى العقوبات الرمزية أو المحدودة والتنديدات القوية، فإن العسكريين لن يكون لديهم حافز للعودة لثكناتهم، خاصة إذا قاموا بمحاولة لتطبيع الوضع شكلياً، لا سيما أن الغرب لديه تاريخ طويل من إدانة الانقلابات العسكرية ثم التعامل معها واستقبال قادتها.
يظل أي تحرك أمريكي أو غربي له قدرات محدودة بالنظر إلى أن ميانمار جار الصين والهند، كما أن البلاد أصلاً بطبيعتها معزولة، الأمر الذي يجعل تأثير أي عقوبات عليها أقل من الدول المنفتحة.
كما ستقوم الصين على الأرجح بمحاولة تبريد ردود الفعل الدولية والإقليمية على الانقلاب.
في الأغلب سينتهي الأمر بأن يتحول الانقلاب في ميانمار ومحنة الديمقراطية في هذا البلد إلى أزمة مزمنة جديدة، عالقة بين الصين وأمريكا، خاصة أن بكين لديها قدرة على الحفاظ على مسافة متوسطة مع مثل الأنظمة العسكرية والمستبدة الطائشة، فلا هي تتورط في الدفاع عنها بشكل فج مكتفية بدعم غير صريح، مع عرقلة أي قرارات دولية لمعاقبتها، لتصبح هذه الأنظمة المعزولة أكثر حاجة لبكين وأبعد عن الغرب من الصين نفسها.