في خطوة محبطة للحليفتين الخليجيتين، قررت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليق ومراجعة بعض مبيعات الأسلحة لكل من السعودية والإمارات، التي وافقت عليها إدارة ترامب، بما في ذلك عشرات المليارات من الدولارات من الطائرات المقاتلة F-35 إلى أبوظبي، والذخائر دقيقة التوجيه إلى الرياض.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء 27 يناير/كانون الثاني 2021، إن الإدارة أوقفت مؤقتاً بعض مبيعات الأسلحة ونقلها، واصفاً هذه الخطوة بأنها "إجراء روتيني خلال مرحلة التحول الرئاسي". لكن هذه الصفقات مع دول كالسعودية والإمارات، والتي تمت الموافقة عليها في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، كانت موضع نقاش سياسي حاد حتى قبل المراجعة. وأعرب بعض الديمقراطيين عن أملهم يوم الأربعاء في إلغاء مبيعاتها بالكامل، وليس المراجعة فقط.
فهل يكون تعليق إدارة بايدن لهذه الصفقات مؤقتاً، أم أنها تلغى وتكون بداية لنهج جديد أكثر صرامة مع الرياض وأبوظبي الحليفتين التاريخيتين والأكثر شراءً للأسلحة من واشنطن؟
الديمقراطيون يضغطون بقوة لإلغاء صفقات الأسلحة، فماذا سيفعل بايدن؟
عارض الديمقراطيون في الكونغرس بشدة هذه المبيعات بدافع "الاشمئزاز" من الدور السعودي والإماراتي في الحرب الكارثية في اليمن، والتي تسببت في معاناة إنسانية كبيرة، لكنهم فشلوا في جذب الدعم الجمهوري الكافي لعرقلة الصفقات في الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكن بعد ذلك بدأ العديد من الديمقراطيين في الضغط على الرئيس بايدن حتى قبل تنصيبه لوقف المبيعات وإلغائها نهائياً.
وتشمل الصفقات المعنية بيع 50 مقاتلة من طراز F-35 و 18 طائرة بدون طيار إلى الإمارات بقيمة 23 مليار دولار، وهو ما وافق عليه ترامب في الخريف باعتباره حافزاً للإمارات لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كجزء من "اتفاقات أبراهام"، أحد أكثر إنجازات ترامب التي يفتخر بها.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، وافقت وزارة الخارجية على بيع ذخائر دقيقة التوجيه بقيمة 478 مليون دولار للسعودية، رغم الاعتراضات الشديدة من الديمقراطيين، الذين قالوا إن القنابل ستنتهي بالتأكيد بقتل المدنيين الأبرياء في اليمن. ووصف مسؤولو إدارة ترامب هذه الصفقة بأنها "ضرورية لدعم السعوديين في قتالهم ضد الحوثيين المدعومين من إيران".
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤولين، الأربعاء، ترجيحهم أن يتم تمرير الصفقات مع السعودية والإمارات في النهاية رغم قرار بايدن تعليقها في الوقت الحالي، فيما تسعى واشنطن، وفق الصحيفة الأمريكية، إلى أن تضمن عدم استخدام الأسلحة الأمريكية لتعزيز الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
لكن المدير التنفيذي لشركة رايثون العسكرية الأمريكية غريغ هيز استبعد أن تنال صفقة بيع 7500 قنبلة Paveway بقيمة 519 مليون دولار للسعودية موافقة إدارة بايدن. فيما قال مسؤول في الكونغرس مطلع على المراجعة لصحيفة "نيويورك تايمز" إن شحنات الأسلحة السعودية ستتوقف مؤقتاً أثناء المراجعة.
وتأتي هذه الأخبار في الوقت الذي يدعو فيه العديد من الديمقراطيين في الكونغرس إلى إعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بدول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية. وعمل ترامب وصهره جاريد كوشنر، بشكل كبير وموثوق مع السعوديين والإماراتيين. لكن الديمقراطيين يقولون إن الحرب في اليمن وقضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، تتطلب علاقة أكثر صرامة مع هذه الدول.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أثناء إحاطة الصحفيين في وزارة الخارجية في أول يوم كامل له في العمل، إن مراجعة صفقات الأسلحة كانت معتادة. وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة، فمن المعتاد في بداية أي إدارة مراجعة أي مبيعات معلقة، للتأكد من تفاصيلها التي يتم النظر فيها، وهذا شيء يعزز أهدافنا الاستراتيجية ويدفع سياستنا الخارجية إلى الأمام".
هل تكون مراجعة الصفقات خطوة لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف في اليمن؟
وبالنسبة لمنتقدي بيع المزيد من الأسلحة للسعودية والإمارات، يمثل قرار تعليق الصفقات، مفتاح ربط مرحب به، كما تقول كيلي فلاهوس كبيرة مستشاري معهد كوينسي للأبحاث في واشنطن، إذ لا يقتصر الأمر على شراء الوقت بالنسبة للكونغرس لإلقاء المزيد من العراقيل لإفشال إتمام هذه الصفقات فحسب، بل يشير أيضاً إلى أن بايدن ربما يكون جاداً حقاً بشأن إنهاء المساعدة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، والذي ضرب اليمن بقنابل أمريكية الصنع على مدار السنوات الست الماضية من الحرب، حيث قتل وجرح ما لا يقل عن 17500 مدني بشكل عشوائي (اعتباراً من أوائل عام 2020)، ودفع البلاد نحو كارثة المرض والمجاعة.
وفي حين ادعت دولة الإمارات سحب قواتها من اليمن في نهاية 2019، فإنها لا تزال تحتل الموانئ الرئيسية، والمطارات، وتسيطر على البنية التحتية، وتمول المعارك الانفصالية في الجنوب اليمني. وإذا كانت إدارة بايدن جادة في معالجة العوامل الدافعة للعنف والمعاناة في اليمن، فلا يمكن تجاهل دور الإمارات، تقول فلاهوس، مضيفة أن الإمارات تتدخل في الحرب الأهلية في ليبيا، وتزود زعيم الميليشيات المتمردة الجنرال خليفة حفتر بالأسلحة، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، وتنفذ ضربات جوية وطائرات بدون طيار لدعم حملاته العسكرية. بما يتعارض مع أهداف السياسة الأمريكية الداعمة لحكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
في السياق، تقول أنيل شلين الباحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد كوينسي بواشنطن، إن بيع المزيد من الأسلحة للسعوديين والإماراتيين سيزيد من تورط الولايات المتحدة في مشاكلهم، إذ إن التورط الأمريكي الحالي في الحرب المدمرة على اليمن هو نتيجة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية بشكل أساسي.
وتمتع كبار مقاولي الدفاع الأمريكيين الذين يقفون وراء هذه المبيعات، ولا سيما لوكهيد ورايثيون، بوصول مريح ومربح إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون على مدى السنوات الأربع الماضية. ويجب أن تكون شركة رايثيون تشعر بالقلق الآن من إدارة بايدن، حيث أخبرت المساهمين أنها تتوقع منع واحدة على الأقل من صفقاتها للسعودية أو الإمارات، ومن المحتمل أن تكون تحديداً، صفقة بيع 7500 قنبلة دقيقة بقيمة 500 مليون دولار إلى المملكة العربية السعودية.
وتقول شلين إنه "طالما أن الحكومة الأمريكية تمكّن تدفق الأسلحة والتدريب والضمانات الأمنية إلى المنطقة، فلن تكون واشنطن قادرة على الخروج من الشرق الأوسط وترك هذه الدول الخليجية تأخذ على عاتقها أمنها، والذي يجب أن يكون الهدف النهائي. ولن تضطر هذه الأنظمة الاستبدادية إلى دفع ثمن انتهاكاتها وقمعها المزمن لحقوق الإنسان"، مضيفة أن "هذه الصفقات هي إلى حد ما مكافآت من واشنطن إلى هذه الدول".
الإمارات خسارتها أكبر من السعودية إذا قررت إدارة بايدن إلغاء هذه الصفقات
وبالعودة إلى قرار تجميد مبيعات الأسلحة، يبدو أن الإمارات لديها أكثر ما تخسره هنا مقارنة مع السعودية، وذلك بالنظر إلى "الصفقة الرائعة" التي حصلت عليها من ترامب، من أجل مقاتلات الشبح الأمريكية الأولى F-35، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار القاتلة، والذخائر الأخرى التي قد لا يمتلكها أحد آخر في المنطقة إلا إسرائيل.
ويقول الباحث والخبير ويليام هارتونج من مركز السياسة الدولية، إن الإماراتيين كانوا على وشك الانطلاق، إذ إن الصفقة التي عقدت مع ترامب بقيمة 23 مليار دولار، كانت أكبر صفقة رتبها ترامب خلال السنوات الأربع التي قضاها في المنصب، ولا ينافسها سوى عرض بناء سفن بقيمة 23 مليار دولار لليابان.
ولم تكن إدارة ترامب وحدها، فقد أبرمت الإمارات 39 صفقة مع الولايات المتحدة منذ عام 2009، مما رفع إجمالي مبيعات الأسلحة، بما في ذلك الاتفاقيات المعلقة، إلى 59 مليار دولار منذ ذلك الحين، وفقاً لهارتونغ .
من جهته، شدد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في بيان نشره على موقع تويتر على "الطبيعة الروتينية للمراجعة الأمريكية كما في المراحل الانتقالية السابقة". وقال إن "ملف F-35 أكبر بكثير من بيع معدات عسكرية لشريك"، مضيفاً أن "هذا الاتفاق يتيح للإمارات الحفاظ على عامل رادع قوي لأي عدوان. كما يساعد ذلك، بالتوازي مع الحوار والتعاون الأمني الجديدين، في طمأنة الشركاء الإقليميين".
لكن العتيبة قدم أيضاً حالة أكثر تفصيلاً للصفقة – مجادلاً- من بين نقاط أخرى، أن "هذا الأمر يمكن الإمارات من تحمل مزيد من عبء الأمن الجماعي في المنطقة، وتحرير أصول أمريكية لتركيزها على مواجهة تحديات عالمية أخرى، ما يمثل أولوية طويلة الأمد بالنسبة لكلا حزبَي الولايات المتحدة"، حسب تعبيره.
ومع ذلك، قال بعض الديمقراطيين في الكونغرس يوم الأربعاء إن صفقات الأسلحة يجب – أو حتى على الأرجح – أن تُلغى. وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، الذي كان جزءاً من جهد الحزبين العام الماضي لمنع مبيعات الأسلحة للدولتين الخليجيتين، على تويتر: "الأسلحة التي بِعناها إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة استُخدمت لقتل تلاميذ المدارس، ونقلت إلى الميليشيات المتطرفة، وأثارت سباق تسلح خطيراً في الشرق الأوسط".
وقال النائب رو خانا من كاليفورنيا، عضو لجنة القوات المسلحة والمنتقد الصريح لمبيعات الأسلحة إلى دول الخليج، على تويتر: "يمثل هذا نهاية التناقض الأمريكي في مواجهة المعاناة الإنسانية غير المعقولة في اليمن.. لم نعد نُرضي الدكتاتوريين الوحشيين لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية.. هذه أخبار رائعة من بايدن".