قراءة في احتجاجات طرابلس.. هل انزلقت المدينة للعنف بسبب كورونا أم بفعل مؤامرة سياسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/28 الساعة 17:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/28 الساعة 17:23 بتوقيت غرينتش
مقتل متظاهر في طرابلس ليلة الاضطرابات/رويترز

"اشتباكات ليلية ورصاص حي وقنابل حارقة، ومئات الإصابات"، حولت احتجاجات طرابلس المدينة التي تعد ثاني أكبر مدن لبنان إلى ساحة حرب خلال الأيام الماضية، وسط تساؤلات حول هل يوجد قوى سياسية تقف وراء هذه الاضطرابات الواسعة النطاق والمشوبة بالعنف، أم أنها احتجاجات عفوية.

وبدأت احتجاجات طرابلس بسبب الاعتراض على الإقفال العام الذي يهدف لمحاصرة فيروس كورونا (الذي بدأ منذ الأسبوع الأول من الشهر الجاري وحتى الثامن من فبراير/شباط المقبل)، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية وسياسية حادة.

ولم تسمح السلطات بأي استثناءات في الإغلاقات لغير القطاعات الاستراتيجية، ما أدى إلى انقطاع مئات الآلاف من الموظفين والعمال عن أعمالهم.

وتحولت احتجاجات طرابلس إلى أعمال عنف شهدت بالأساس اشتباكات بين المحتجين وقوات الجيش، الذي يعاني أفراده بدورهم من تداعيات الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وفي تغريدة على تويتر قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عدداً من عناصرها تعرّضوا لهجوم "بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، ما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة".

ووفق إعلام محلي، أصيب 226 من المدنيين والعسكريين في المواجهات بين الطرفين، التي بدأت بإطلاق محتجين حجارة ومفرقعات نارية وقنابل مولوتوف على قوات الجيش، ليعود بعدها ويحاول المتظاهرون اقتحام سراي طرابلس وهي المركز الأمني ومقر قوى الأمن في المدينة.

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس، اليوم 28 يناير/كانون الثاني 2021، أنّ عشرات الشبّان رموا الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات باتّجاه عناصر القوى الأمنية، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة وخراطيم المياه لتفرقتهم، في مشهد تكرّر في اليومين السابقين.

بعدها حاول حشد من المحتجّين الغاضبين اقتحام مبنى السراي، مقرّ محافظ المدينة، بينما تجمّع آخرون في ساحة النور، أحد أبرز ميادين الاعتصام خلال الاحتجاجات الضخمة التي شهدها لبنان بطوله وعرضه ضدّ الطبقة الحاكمة في خريف 2019.

ووفق وكالة الأنباء اللبنانية، توفي الخميس شاب من المحتجين (30 عاماً) متأثراً بإصابته مساء أمس في احتجاجات طرابلس (شمال).

وجرى تشييع جثمان الشاب عمر طيبا من منزله في باب التبانة، وسط صيحات غضب وتنديد بالحكام والمسؤولين.

ونجح الجيش اللبناني، الخميس، في إعادة الهدوء إلى مدينة طرابلس، بعد ليل طويل من المواجهات مع المحتجين، أسفر عن مئات الإصابات، في اليوم الثالث من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وقالت وسائل إعلام لبنانية، إن المتظاهرين انسحبوا فجراً من شوارع المدينة، ولفت موقع "لبنان 24" إلى أنه أعيد فتح طرقات ساحة النور ومحيط سرايا طرابلس، في حين لا يزال أتوستراد البداوي مقطوعاً بالاتجاهين بالشاحنات والإطارات المطاطية.

وخلال ذروة احتجاجات طرابلس أطلق الجيش اللبناني الرصاص في الهواء، والقنابل المسيلة للدموع، على المتظاهرين، لإبعادهم، واليوم أطلقت دعوات للتظاهر في عدد من المناطق اللبنانية، رداً على ما يحدث في طرابلس وقمع المحتجين.

وبعد ساعات عدة من الاشتباكات، نشرت قوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني تعزيزات حول مبنى السراي وفي ساحة النور، لتفريق المتظاهرين ومنعهم من اقتحام مقرّ المحافظة.

لكنّ المتظاهرين تراجعوا إلى الأزقة المجاورة، حيث تحصّنوا لتستمرّ الاشتباكات حتى وقت متأخر من المساء.

 وجاءت الاشتباكات في طرابلس لتغطي على عملية تبادل للرسائل السياسية بين الرئيس ميشال عون وتيار المستقبل، برئاسة سعد الحريري، في ظل حديث عن وساطات لإعادة تفعيل مشاورات تشكيل الحكومة، وهي الوساطات التي يتصدّرها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بدفع من حزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكنها لم تتكلل بالنجاح حتى الآن.

من يقف وراء احتجاجات طرابلس، سعد الحريري أم شقيقه؟

وتبادلت القوى السياسية اللبنانية الاتهامات بالوقوف وراء احتجاجات طرابلس.

واعتبر مستشار الرئيس اللبناني النائب السابق أمل أبو زيد ما يحدث في طرابلس في خانة الضغوط السياسية.

وكتب عبر حسابه على "تويتر": "الاحتجاجات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، وفوقها قرار الإغلاق العام وجائحة كورونا، تكون مفهومة عندما يكون منطلقها مطلبياً بحتاً".

قبل أن يستدرك: "لكن هذه التحركات تصبح غير مفهومة ومستغربة في توزيعها الجغرافي، ما يؤشر إلى رغبة في استغلال الشارع لتوجيه رسائل سياسية ضاغطة في غير مكانها في الملف الحكومي".

كما نقلت وسائل إعلام مقربة من حزب الله عن مصادر التيار الوطني الحر (تيار الرئيس)، أن الأحداث الأمنية في طرابلس ومناطق أخرى ليست معزولة عن سياسة الضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، للرضوخ لمطالب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، في عملية تأليف الحكومة، الأمر الذي لن يحدث لا الآن ولا غداً، ولن تنفع الرهانات على ليّ ذراع عون.

احتجاجات طرابلس
طرابلس كانت معقل للاحتجاجات في 2019/رويترز

في المقابل، انتقد سعد الحريري العنف في المدينة، مع إبدائه تفهماً لأوضاعها المزرية، ولكنه تحدث عن أن هناك من يحاول استغلال مأساة المدينة لأغراض سياسية، وهو ما اعتبره البعض تلميحاً إلى دور لشقيقه بهاء المدعوم من قبل السعودية في استغلال أحداث الشمال، في ضوء سعيه لمنافسة سعد على زعامة السنة في لبنان.

وركزت وسائل الإعلام المحسوبة على قوى 8 آذار على رواية أن ما يحدث في طرابلس هو نتيجة الصراع بين الشقيقين سعد وبهاء الحريري.

ولكن ما قد يعطي بعض المصداقية لهذه الرواية، أن سعد الحريري انتقد احتجاجات طرابلس بشدة، بينما الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، ابن المدينة المتحالف مع بهاء الحريري، دافع عن احتجاجات طرابلس، واعتبرها نتيجة طبيعية لما تتعرض له المدينة.

إذ وصف ريفي احتجاجات طرابلس بـ"الانتفاضة"، قائلاً "كل من يتهم أهالي طرابلس بالفوضى والشغب متآمر أو جاهل. هذه انتفاضة الوطن والحقوق والكرامة، وهي ناتجة عن الوضع الكارثي الذي وصل إليه الناس، في ظل هذه المنظومة الفاسدة والفاشلة التي أوصلت الوطن إلى الانهيار، هذه الانتفاضة تعبّر عن كل المدن والمناطق اللبنانية، حيث وُضع اللبنانيون أمام خياراتٍ كارثية اقتصادياً ونقدياً وصحياً ووطنياً".

الغضب يشمل الجميع

اللافت أن احتجاجات طرابلس يبدو أنها استهدفت تيارات مختلفة، فعقب تشييع الشاب عمر طيبا توجه مئات من المحتجين إلى ساحة عبدالحميد كرامي، وأطلقوا هتافات منددة بالسياسيين، وطالبوا باستقالة النائب فيصل كرامي، الذي يُنظر له على أنه مقرب من حزب الله سوريا، ‏وأقدَمَ المحتجون على تكسير كاميرات المراقبة أمام مدخل المبنى الذي يقطنه النائب سمير الجسر في طرابلس، المنتمي لتيار المستقبل.

كما رموا النفايات في الطريق أمام منزل النائب محمد كبارة، من تيار المستقبل، قبل أن يُضرموا النار في المستوعبات، ضمن أعمال شغل متنقّلة في الأحياء.

وضع لا يحتمل في أفقر مدينة على ساحل المتوسط

بصرف النظر عن احتمال وجود أيادٍ خفية تلعب دوراً في احتجاجات طرابلس، سواء لمناكفة سعد الحريري أو لصالحه.

فإن الوضع في لبنان أصبح لا يُحتمل، وخاصة في مدينة طرابلس، التي تُوصف بأنها أفقر مدينة على ساحل البحر المتوسط.

ولقد فاقم الأمر قرار الإقفال العام، بعد أن أخفقت السلطات في تأمين الحد الأدنى من المساعدات الاجتماعية للبنانيين، وقد بات أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، وفي وقت تتخبّط فيه الوزارات المعنية، منذ عام تقريباً، في وضع اللوائح التي تضم الأسر والأفراد المحتاجين معونات عاجلة، الأمر الذي شكّل ضغطاً على العاملين باليومية، "المياومين".

ولذا فقد شهدت مناطق أخرى احتجاجات في الشمال والجنوب والبقاع، مروراً بالعاصمة والشوف، رفضاً للفقر، حيث نفّذ محتجون وقفات احتجاجية في بعض المناطق، وقطعوا الشوارع في أخرى، بالإطارات ومستوعبات النفايات والشاحنات.

ولكن في طرابلس، خرجت الأمور عن السيطرة لأسباب عدة، منها أنها الأكثر معاناة من الفقر في لبنان، خاصة مع وقف الدعم السعودي السخي لتيار المستقبل، والذي كان يذهب جزء منه إلى سنة لبنان، ومنهم أهل المدينة.

كما أن المدينة رغم أن تيار المستقبل مازال يحظى فيها بنفوذ كبير، فإنها تظل بطبيعتها الحضرية عصية على التدجين الطائفي التام والخضوع لسيطرة فصيل بعينه مثل باقي المناطق اللبنانية الأخرى، التي يغلب عليها الطابع شبه الريفي، الذي يزيد فيه وزن القيادات المحلية الخاضعة بدورها بإحكام للقوى السياسية، ولذا كان لطرابلس دور كبير في احتجاجات 2019، التي أسقطت الحكومة الائتلافية التي كان يقودها سعد الحريري.

كما أن شعور السنة في لبنان بالاستضعاف لأسباب عدة، ينعكس على المدينة التي تعتبر عاصمة السنة في البلاد.

ولا يمكن استبعاد عملية اختراق من قبل بهاء الحريري أو غيره للاحتجاجات، ولكن لا يمكن تجاهل أن الوضع في المدينة مزرٍ، كما أن القوى السياسية التي تتحدث أو تُلمح إلى اختراق بهاء الحريري، سبق أن قامت بمحاولات مشابهة أو أسوأ.

إذ إن المدينة لسنوات وحتى عام 2014 كانت ساحة للصراعات بين تيار المستقبل وحزب الله والعديد من القوى السياسية اللبنانية الأخرى، عبر المواجهات المسلحة بين الجماعات المسلحة السنية الإسلامية في منطقة باب التبانة والمسلحين العلويين الموالين لسوريا في منطقة جبل محسن.

كل ما سبق يجعل طرابلس الأكثر معاناة من أزمتي الليرة وكورونا، والأشد عصياناً على التربيطات الطائفية والسياسية، والأكثر قابلية للاختراق في ظل كل هذه الأزمات.

تحميل المزيد