كانت الحشود التي نزلت للتظاهر في شوارع روسيا السبت الماضي مقلقة بالنسبة للكرملين، حيث أثبتت فيها المعارضة الروسية أنها ما زالت موجودة في الشوارع.
كانت المظاهرات تهدف إلى الاحتجاج على اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني مؤخراً.
لكن مع تقدم اليوم اتخذت المظاهرات شكل احتجاج عام مناهض للحكومة من قبل المعارضة الروسية. تم إرسال الشرطة لتفريق الحشود، مما أدى إلى سلسلة من الاشتباكات العنيفة.
وبحسب ما ورد كان هناك 3500 اعتقال إجمالاً؛ من بين 1373 اعتقلوا في موسكو، أطلق سراح أكثر من 700 في نهاية الأسبوع. لا تزال أعداد الحضور مختلفاً عليها إلى حد ما. أشارت التقارير المبكرة إلى أن ما يصل إلى 40 ألف متظاهر قد تجمعوا في موسكو وحدها، لكن التقديرات الأحدث شهدت انخفاض هذا العدد إلى حوالي 15000 في العاصمة وآلاف آخرين في المدن الروسية الكبرى بما في ذلك سانت بطرسبرغ وفلاديفوستوك.
على الرغم من أن الاحتجاجات التي أثارها اعتقال نافالني بعيدة كل البعد عن كونها صغيرة في الحجم، إلا أنها لم تجتذب على ما يبدو عدداً يقارب عدد المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي نظمتها المعارضة الروسية في عام 2019 التي كان قوامها 50 ألف شخص.
وربما يكون هذا الحضور المنخفض نتيجة للتدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات الروسية.
ففي الأيام التي سبقت المظاهرات أخبر المسؤولون الروس الطلاب- وأولياء أمورهم- أنه سيتم تسجيل المشاركين في احتجاجات السبت وإبلاغ مدارسهم بها؛ وصدرت تحذيرات مماثلة لطلبة الجامعات.
وبات الكرملين أقل تسامحاً مع المعارضة الروسية، كما أن الصراع المتزايد مع الغرب ترك مساحة أقل لخصوم بوتين المحليين.
ولكن ما من شك في أن الاحتجاجات، والإجراءات التي اتخذتها الشرطة الروسية لقمعها كانت شوكة في ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هل أصبح بوتين أضعف؟
أضرت العقوبات الأمريكية بالاقتصاد الروسي، كما ألحقت أضراراً بالغة بالأقلية الحاكمة التي يعتمد عليها بوتين، خلال الفترة الماضية.
وأدى انخفاض أسعار النفط وإغلاق فيروس كورونا إلى تفاقم الضرر، مما أدى إلى إصابة الاقتصاد الروسي بالشلل.
في الداخل أدت محاولة فاشلة لاغتيال المنشق أليكسي نافالني إلى إثارة المعارضة الروسية، بينما في الخارج تتصاعد الاضطرابات في دول الاتحاد السوفييتي السابق- التي تعتبرها موسكو مجال نفوذها.
هل يريد أغلبية الشعب الروسي الإطاحة ببوتين؟
لكن من السابق لأوانه اعتبار احتجاجات يوم السبت بمثابة استفتاء شعبي على الكرملين. لا يوجد دليل مقنع على أن نسبة كبيرة من الروس، ناهيك عن الأغلبية، تدعم الإطاحة العنيفة بحكومة بوتين.
وفقًا لأحدث بيانات استطلاعات الرأي فإن معدل تأييد الرئيس فلاديمير بوتين يظل ثابتاً في منتصف نطاق 60%، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
حصل مقطع فيديو نافالني على YouTube حول الفساد الحكومي وتحديداً القصر الفاره الذي قال إنه ملك بوتين على ملايين المشاهدات، لكن لا يعني ذلك أن كل روسي يوافق على رسالته الخاصة بمكافحة الفساد سيصوت له في الانتخابات الرئاسية.
ويدرك نافالني ذلك تماماً؛ ولهذا السبب طور ما يسميه "التصويت الذكي"، وهي استراتيجية انتخابية تشجع الروس على التصويت لأي مرشح قابل للحياة ليس عضواً في حزب روسيا الموحدة الحاكم.
المعارضة الروسية غير موحدة
ثم هناك المتظاهرون أنفسهم.
فالمشكلة ليست فقط في أن حجم المظاهرات ليس كبيراً، ولكن يمثلون ائتلافاً فضفاضاً لا يجمعهم سوى العداء لبوتين.
إن المعارضة الروسية عبارة عن تحالف عشوائي يضم ليبراليين، واشتراكيين راديكاليين، وشيوعيين، وظلالاً مختلفة من القوميين، الذين يوحدهم الانجذاب لنافالني أكثر مما يوحدهم معارضتهم المشتركة للكرملين.
خارج موسكو، كان العديد من الذين شاركوا في أحداث يوم السبت من النشطاء الإقليميين الذين احتجوا على ما يرون أنه نهج الكرملين المهمل تجاه الأطراف الشرقية لروسيا.
كما كان من بينهم العديد من المراهقين وتلاميذ المدارس، الذين اجتاحتهم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
شملت المظاهرات شريحة واسعة من ثقافة المعارضة الروسية المعقدة وغير المتبلورة، ولكن هناك أمر واحد واضح: لم يكن المتظاهرون المناهضون للكرملين كتلة أيديولوجية متجانسة مع مجموعة مشتركة من المطالب السياسية.
استرشدت بعض هذه المجموعات بما يمكن وصفه على نطاق واسع بأنه التزام بالديمقراطية الليبرالية على النمط الغربي، ولكن بعيداً عن ذلك، ليس من الواضح على الإطلاق أن الفصائل الفرعية العديدة من المعارضة الروسية الممثلة في الاحتجاجات، مثل أنصار اليساري الشعبوي المسجون نيكولاي بلاتوشكين، كانوا يقاتلون من أجل أي شيء يقترب حتى من القيم الليبرالية التي يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن للترويج لها في الخارج.
البعض منهم أكثر تطرفاً من النظام الحالي
الأمور أكثر وضوحاً على جبهة السياسة الخارجية. لا يقتصر الأمر على أن هذه المجموعات المتنوعة من المعارضة الروسية لا تدعم النهج المؤيد للاتحاد الأوروبي أو لحلف شمال الأطلسي، ولكن العديد منها يعتقد أن سياسات بوتين كانت متوائمة للغاية مع الغرب، أي أنهم يطلبون من بويتن موقفاً أكثر حدة.
فعلى سبيل المثال الشيوعيون ممثلون بشكل بارز في الاحتجاجات، يدعم الحزب الشيوعي الاعتراف الفوري بضم إقليم دونباس الأوكراني إلى روسيا، وأيد التدخل العسكري لبوتين في سوريا، ويصر على أن القرم تنتمي إلى روسيا.
تؤكد احتجاجات يوم السبت ما كان صحيحاً منذ احتجاجات ساحة بولوتنايا عام 2011، عندما انضم البلاشفة الوطنيون، والملكيون، والشيوعيون، والفوضويون، ونشطاء المجتمع المدني، والانفصاليون في الشرق الأقصى، ومجموعة متنوعة من الليبراليين الذين أعلنوا عن أنفسهم في محاولة مؤقتة لطرد بوتين من الكرملين.
لا توجد "معارضة" روسية موحدة يمكن أن يراهن عليها الغرب لواشنطن لدعمها- لا توجد أيديولوجية بديلة موحدة، أقلها واحدة مقبولة للغرب لتحل محل الدولة والمؤسسات الروسية الحالية، حسب وصف المجلة الأمريكية.
كما أن أي تهديد بعقوبات غربية لم يعد يجدي كثيراً لأن الكثيرين في المؤسسة الحاكمة الروسية يرون هذه العلاقات بالفعل على أنها قضية خاسرة لا تستحق مراعاتها.
ويقول تقرير المجلة الأمريكية إنه يجب على البيت الأبيض أن يأخذ في الحسبان هذا الواقع غير المريح لأنه لا يصوغ فقط رداً رسمياً على الاحتجاجات ولكن نهجاً سياسياً شاملاً تجاه روسيا على مدى السنوات الأربع المقبلة.