يبدو أن محاكمة ترامب بعد انتهاء رئاسته ستمضي قدماً حتى لو تباطأت بانشغال المؤسسات الأمريكية بتسليم السلطة الأصعب في تاريخ البلاد.
إذ رغم انتهاء رئاسة دونالد ترامب من خلال تنصيب جو بايدن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، فإنه من المُقرر أن يحاكم مجلس الشيوخ ترامب، بتهمة ارتكاب جرائم وجنح كبيرة، ويُحتَمَل منعه من تولِّي أيِّ منصبٍ فيدرالي مرةً أخرى.
ووجَّه مجلس النوَّاب إلى دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، تهمة "التحريض المُتعمَّد على التمرُّد"، وهي تهمةٌ خطيرة نبعت من تحفيز الرئيس لمثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني الجاري، بناءً على فكرةٍ خاطئة، مفادها أن انتخابات 2020 الرئاسية "مُزوَّرة". وخلَّفَ هذا التمرُّد خمسة قتلى وعدداً لا يُحصَى من الجرحى.
لم يُؤكَّد تاريخ بدء المحاكمة بشكلٍ مُحدَّد بعد، ولم تنقل رئيسة مجلس النوَّاب، نانسي بيلوسي، بنود العزل رسمياً إلى مجلس الشيوخ، وهي خطوةٌ تؤدِّي إلى بدء المحاكمة في اليوم التالي، وفقاً لقواعد مجلس الشيوخ. وقال مندوبو بيلوسي، إنها سترسل البنود "قريباً"، لكنهم لم يقدِّموا جدولاً زمنياً مُحدَّداً.
تقرير لمجلة Politico الأمريكية عرض أهم السيناريوهات الخاصة بعقد محاكمة ترامب بعد انتهاء رئاسته.
إليك ما تحتاج معرفته عن محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته
هل بإمكان مجلس الشيوخ إجراء محاكمة لرئيسٍ سابق؟
هل يمكن محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته؟
إنه الجدل الذي ظلَّ محتدماً في الدوائر القانونية والدستورية لمدة أسبوع: هل لمجلس الشيوخ شأنٌ لاستخدام عقابٍ ضد ترامب كمواطنٍ عادي؟
يقول جانبٌ، يمثِّله السيناتور توم كوتون (جمهوريٌّ من أركنساس): "لا يمكن محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته، فلقد صمَّمَ المؤسِّسون عملية العزل كطريقةٍ لخلع أصحاب المناصب من مناصبهم العامة، وليس لإجراء تحقيقٍ ضد المواطنين العاديين". بمعنى آخر، لا يمكنك عزل شخص تخلَّى بالفعل عن منصبه.
أما وجهة النظر الأخرى، التي عبَّرَ عنها ستيف فلاديك، أستاذ القانون بجامعة تكساس، في مقال رأي، فتقول إنه بالطبع يمكن إدانة رئيسٍ سابق؛ وبالتالي يمكن محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته.
وأضاف: "لا ينص الدستور على العزل فحسب، بل ينص أيضاً على قيام مجلس الشيوخ بمنع ذلك الرئيس السابق من تولِّي منصبٍ فيدرالي مرةً أخرى".
هل ستجري محاكمة 2021 بشكلٍ مختلفٍ عن محاكمة العام الماضي؟
هناك مرحلتان يجب أن تمر بهما محاكمة ترامب: عقد المحاكمة الذي يتضمن توجيه الاتهامات (مجلس النواب يقوم بدور الادعاء)، ثم قرار مجلس الشيوخ بالإدانة أو التبرئة أو ما بينهما.
قبل عام، برَّأ مجلس الشيوخ ترامب في المحاكمة التي أُجريت له بشأن فضيحة ابتزازه أوكرانيا بهدف إثارة الجدل حول منافسه جو بايدن.
في ذلك الوقت أمضى الكونغرس أول يومٍ بالمحاكمة في معركةٍ شرسة حول القواعد التي تملي مسار المحاكمة بالكامل.
في ذلك الوقت، كانت فرص الإدانة تكاد تكون معدومة، إذ استبعدها معظم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين منذ البداية، وكانت الأسئلة الرئيسية هي: كيف يمكن أن يتسبَّب تلديمقراطيون في إزعاجٍ للجمهوريين قبل أن يتركوا ترامب يفلت من المأزق؟
هذه المرة فإن محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته تتم في وضع مختلف.
إذ إن هناك عدداً كبيراً من أعضاء مجلس الشيوخ لم يحسموا أمرهم -ومن ضمنهم ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية المنتهية ولايته- الأمر قد يعني على الأقل احتمال المضي قدماً في عملية محاكمة ترامب بعد انتهاء فترة رئاسته، بصرف النظر عن احتمال الإدانة أم لا.
شيءٌ واحدٌ تجب مراقبته: هل سيحاول الجمهوريون، مثل السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري من كاليفورنيا الجنوبية)، الذين يعارضون المحاكمة، فرض تصويتٍ على رفض الاتهامات؟ إذا فعلوا ذلك، فمن المُحتَمَل أن تفشل المحاكمة، لأن مجلس الشيوخ سينقسم بنسبة 50 إلى 50% على أساسٍ حزبي.
ولكن اللافت أن عدداً كافياً من الجمهوريين قد أبدوا انفتاحاً يشير إلى الاقتناع بأنهم من غير المُرجَّح أن ينهوا المحاكمة قبل أن تبدأ.
كما أن هذا التصويت يمكن أن يكون أيضاً اختباراً مبكِّراً لعدد الجمهوريين الذين قد يتقبَّلون إدانة ترامب.
كيف ستجرى المحاكمة؟
بعد إبطال أيِّ محاولةٍ للإقالة، يجب على مجلس الشيوخ تحديد مقدار الوقت الذي يمنحه لكلِّ جانبٍ لطرح حججه.
في عام 2020، كانت هناك 24 ساعة لكلِّ جانب. أمضى سبعة مُدَّعين عامين في مجلس النوَّاب، وفريقٌ من محامي البيت الأبيض المخضرمين، والمحامون الدستوريون، ستة أيام في عرض قضاياهم. هذه المرة، اختارت بيلوسي تسعة مديرين لمحاكمة العزل، فيما لم يحدِّد ترامب حتى فريقاً قانونياً لتسلُّم قضيته.
لم يقدِّم جيمي راسكين (ديمقراطي من ولاية ماريلاند)، مدير محاكمة العزل الرئيسي، استراتيجياتٍ مُحدَّدة، لكنه قدَّم هذا التحذير العام: "نريد فقط أن يجري مجلس الشيوخ محاكمةً جادة يفي فيها كلُّ عضوٍ من أعضائه بيمينه الدستورية لإصدار حكمٍ محايد بصفته مُحلِّفاً".
كان كلُّ مدير محاكمة وكلُّ مُحلِّفٍ ضحية للجريمة المزعومة، ألا وهي التحريض على التمرُّد. الأشخاص أنفسهم الذين قرَّروا القضية هم الذين كانوا يتخبَّطون خلف المقاعد ويتفادون العصابات العنيفة قبل أقل من أسبوعين.
ما مدى احتمالية الإدانة؟
يواجه مديرو إجراءات العزل في مجلس النوَّاب صعوبةً شاقة أثناء محاولتهم إقناع عددٍ كافٍ من أعضاء مجلس الشيوخ بالتصويت لصالح الإدانة. في العام الماضي، لم يكن هناك أيُّ احتمالٍ تقريباً بأن يصل مجلس الشيوخ إلى عتبة الثلثين المطلوبة، ولكن هذا العام يبدو أنه يمكن أن ينضم 17 جمهورياً على الأقل إلى جميع الديمقراطيين الخمسين في التصويت لصالح الإدانة.
اتَّخَذ ميتش ماكونيل وضعيةً مختلفةً بشكلٍ ملحوظ. قبل المحاكمة الأخيرة، قال ماكونيل إنه "لا توجد فرصةٌ" لإقالة ترامب من منصبه، وكان مدافعاً رئيسياً عن الرئيس. لكن هذه المرة يحث ماكونيل زملاءه في مجلس الشيوخ على الاستعداد. وقد يعني ذلك أن السيناتور ميت رومني من ولاية يوتا، وهو الجمهوري الوحيد الذي صوَّت لإدانة ترامب في محاكمته السابقة بشأن فضيحة أوكرانيا، ستكون لديه صحبةٌ هذه المرة.
أسباب تجعل الجمهوريين يخشون محاكمة ترامب حتى بعد خروجه من البيت الأبيض
ليس من المُرجَّح أن تكون محاكمة ترامب بعد انتهاء رئاسته وخروجه من البيت الأبيض سبباً جيِّداً وحده بما يكفي لكي يشعر الجمهوريون بالراحة في التصويت لإدانته.
فعلى الرغم من أن ترامب غادر منصبه، فإنه سيظل يمثِّل قوةً داخل الحزب الجمهوري لسنواتٍ مقبلة، وقد تعهَّدَ بالاستمرار في المشاركة بالحملات. ويتمثَّل أحد الشواغل الرئيسية للجمهوريين الذين يواجهون إعادة انتخابهم في 2022 و2024، في أن ترامب قد يدعم منافساً أساسياً.
ومع ذلك، فإن إدانة ترامب ومنعه من تولِّي أيِّ منصبٍ فيدرالي يمكن أن يمهِّدا الطريق أمام عددٍ لا يُحصَى من الجمهوريين الذين يفكِّرون في السعي للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في 2024، والذين يخدم كثير منهم في مجلس الشيوخ الآن.
وإذا قرَّرَ ترامب الترشُّح مرةً أخرى في عام 2024، فقد يكون المرشَّح الأوفر حظاً لتأمين ترشيح الحزب.
هل سيحاول مديرو إجراءات محاكمة العزل استدعاء الشهود؟
في محاكمة العام الماضي، كان الديمقراطيون يضغطون بقوةٍ على مجلس الشيوخ للاستماع إلى شهاداتٍ من شهودٍ قد يسلِّطون الضوء على سوء سلوك ترامب المزعوم. لكن هذا العام، قد لا يكون من مصلحة الديمقراطيين الضغط من أجل إحضار شهود.
أثار الديمقراطيون مخاوف بشأن إجراء محاكمةٍ في الأيام الافتتاحية لرئاسة بايدن، لأنها ستؤخِّر إجراء مجلس الشيوخ جلسات بشأن تعيين موظَّفي إدارة بايدن والنظر في تشريعٍ إضافي للإغاثة من فيروس كوفيد-19.
في الوقت نفسه، ومع إبداء العديد من الجمهوريين استعداداً لإدانة ترامب هذه المرة، قد يكون من المفيد لمديري إجراءات المحاكمة في مجلس النوَّاب أن يكونوا قادرين على استدعاء الشهور، خاصةً أن مجلس النوَّاب لم يجرِ تحقيقاً رسمياً للمحاكمة قبل تصويت الأسبوع الماضي.
وفي الوقت الحالي، يظلُّ مديرو المحاكمة في مجلس النوَّاب صامتين بشأن استراتيجيتهم المتعلِّقة بالشهود. وأكَّد الديمقراطيون أن التحقيق الكامل ليس ضرورياً، لأن أدلة المحاكمة موجودة في المجال العام، وكان المُشرِّعون أنفسهم شهوداً على تمرُّد عرَّضَ حياتهم للخطر.
قالت السيناتورة ديبي ستابينو، الديمقراطية من ولاية ميشيغان، في مقابلةٍ صحفية: "آخر محاكمة عزل كانت مجرد معلوماتٍ قدَّمها لنا آخرون". وأضافت: "هذه عملية عزل تستند إلى ما شهدناه، وما قاله رئيس الولايات المتحدة بخطبه في ذلك اليوم، وهو ما صُوِّرَ على شريط فيديو. كل الأدلة أمامنا حقاً".
في الواقع، أُجبِرَ أعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم على إخلاء غرفة مجلس الشيوخ على عجلٍ وكانوا على بُعدِ أقدامٍ من الحشود العنيفة التي شقَّت طريقها في النهاية إلى قاعة مجلس الشيوخ.
خلال محاكمة العام الماضي، استخدم مديرو مجلس النواب عدة مقاطع صوتية ومرئية للمساعدة في حججهم القانونية، أما هذا العام فمن المُحتَمَل أن يستخدموا لصالحهم ساعاتٍ من مقاطع الفيديو المُقلِقة التي تُظهِر مثيري الشغب وهم يدنِّسون مبنى الكابيتول، ويضربون بعنفٍ ضباط الشرطة، ويفتِّشون قاعة مجلس الشيوخ، إضافة إلى مقاطع من تصريحات ترامب قبل اقتحام مبنى الكابيتول.
فوضى في الفريق القانوني لترامب
في السنوات السابقة، كانت فرصة تمثيل الرؤساء هي حلم المحامين الكبار، وهي تتويجٌ لإنجازٍ مهني قد يعني أيضاً فرصاً مهنية مُربِحة في المستقبل. لكن ترامب أثبت أنه عميلٌ صعب، وفي هذه الحالة عميلٌ سامّ في الواقع. يبدو أن قلةً من المحامين اصطفوا لمواجهة الاتِّهامات بشغفٍ بأن الرئيس -من خلال حملة استمرَّت لأشهر من الادِّعاءات الكاذبة والخبيثة بتزوير الانتخابات- أثار مثيري الشغب لمهاجمة مبنى الكابيتول ومطاردة بيلوسي ونائب الرئيس مايك بنس.
في عام 2020 في محاكمته بشأن فضيحة أوكرانيا، عيَّن ترامب المستشارَ المستقل السابق كين ستار، وأستاذ القانون بجامعة هارفارد، آلان ديرشوفيتز، لتقديم حججٍ قانونية شاملة، كانت فعَّالة مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ. وكان لديه محاميا البيت الأبيض المخضرمان، بات سيبولوني وباتريك فيلبين، على طاولة الدفاع، إلى جانب المستشارَين الخارجيين، جين ومارتي راسكين، والمُدَّعي العام السابق لفلوريدا، بام بوندي، والمحامي المحافظ جاي سيكولو.
هذه المرة لا يبدو أن أياً من المحامين أنفسهم مستعدٌّ للمشاركة في الدفاع عن ترامب. أشار ديرشوفيتز إلى أنه يدعم بشكلٍ عام، الرأي القائل بأن تصريحات ترامب في 6 يناير/كانون الثاني، أمام الحشد، الذي مارس العنف فيما بعد، محميَّةً بحرية التعبير.