شهد 2020 أو عام كورونا ارتفاعاً كبيراً في عمليات القرصنة، وجاء خليج غينيا غرب إفريقيا كأخطر أماكن القرصنة في العالم بعد أن كان القرن الإفريقي يمثل طريق الخطر الأبرز على البحارة، فماذا حدث في مهنة يجب أن تكون انقرضت؟
"ليس من المقبول في هذا العصر ألا يتمكن البحارة من أداء وظيفتهم في ضمان الحفاظ على سلسلة إمداد حيوية لهذه المنطقة دون أن يكونوا معرضين لخطر القرصنة". بهذه الكلمات لخص مدير المعايير البحرية في شركة مايرسك ومقرها كوبنهاغن "أسلاك روس" الموقف في سواحل غرب إفريقيا. وأضاف لوكالة بلومبيرغ الأمريكية أن "مستوى الخطر وصل إلى معدل يتطلب نشر قدرات عسكرية فعالة لمواجهته".
ومايرسك هي أكبر شركة شحن بحري تجاري في العالم وتأتي استغاثتها انعكاساً للارتفاع الكبير في عمليات القرصنة التي شهدتها منطقة ساحل غرب إفريقيا وبالتحديد خليج غينيا في المحيط الأطلنطي في عام 2020. فقد زاد عدد عمليات القرصنة عالمياً بنسبة 20% ليصل إلى 195 عملية شهدت اختطاف 135 طاقماً بحرياً، بحسب تقرير أصدره يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري مركز تقارير القرصنة التابع لمكتب البحرية الدولي.
وشهد خليج غينيا وحده 95% من عمليات القرصنة التي شهدت احتجاز رهائن في 22 عملية قرصنة منفصلة، إضافة إلى 3 عمليات اختطاف رهائن من السفن التجارية في المنطقة.
عمليات القرصنة تلك أدت بطبيعة الحال إلى ارتفاع صاروخي في قيمة التأمين والتكاليف الأخرى للسفن التجارية التي تعمل في المنطقة لنقل البضائع، حيث لجأت بعض تلك السفن إلى استئجار قوارب عسكرية تحمل بحارة مسلحين بغرض الحماية، وهو ما دفع شركة مايرسك العالمية التي تنقل نحو 15% من الشحن البحري حول العالم إلى طلب تدخل عسكري دولي ملموس ومنسق لمواجهة القرصنة.
ما مساحة خليج غينيا؟
يغطي خليج غينيا مساحة شاسعة من المحيط الأطلنطي تمر منها أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً، وهو ما يجعل مهمة توفير الحماية لها من جانب حكومات الدول الإفريقية في ساحل غرب إفريقيا شبه مستحيلة، خصوصاً في ظل نقص موارد تلك الدول من الأساس.
وتتضح أهمية هذا الطريق الملاحي من كونه مطلاً على ساحل يبلغ طوله نحو أربعة آلاف ميل من الشواطئ تمتد من السنغال وحتى أنغولا، ويعتبر الممر الرئيسي لنقل صادرات النفط الخام وواردات مشتقات النفط بعد تكريرها، إضافة إلى البضائع الأخرى.
وفي عام 2013 وقّعت 25 دولة إفريقية تشمل دول الساحل على وثيقة ياوندي للعمل من أجل مكافحة القرصنة، وهدفها تسهيل تبادل المعلومات وتأسيس خمس مناطق بحرية يتم فيها تسيير دوريات مشتركة. لكن تلك الاتفاقية لم يتم تفعيلها إلا بشكل جزئي وتظل القوات البحرية لكل دولة مشغولة أكثر بتأمين مياهها المحلية.
ويقدر أستاذ إدارة المخاطر الفرنسي برتراند مونييه عدد القراصنة الناشطين في سواحل غرب إفريقيا بنحو 15 عصابة كحد أقصى تضم الواحدة منها بين 20 و50 قرصاناً، بحسب بلومبيرغ.
وعادة ما يتم احتجاز الرهائن من جانب القراصنة على الأراضي النيجيرية حتى يتم دفع الفدية، على الرغم من أن نيجيريا تتولى قيادة عمليات مكافحة القرصنة في المنطقة. وفي هذا السياق تخطط الحكومة النيجيرية لاستثمار نحو 200 مليون دولار هذا العام لتوفير معدات حديثة لمقاومة القرصنة تشمل طائرات هليكوبتر ومسيرات وقوارب سريعة لتدعيم قدرات قواتها البحرية.
ما علاقة القرصنة بكورونا؟
التقرير ربع السنوي الذي يصدره مكتب البحرية الدولي في نسخته الأخيرة التي غطت الربع الأخير من 2020 ألقى الضوء على التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا على أمن البحار، وبحسب التقرير يبدو أن هناك علاقة بين الانكماش الاقتصادي والقرصنة، حيث ترتفع عمليات القرصنة بشكل كبير خلال فترات التراجع الاقتصادي عالمياً، إذ إن الارتفاع الضخم في عمليات القرصنة في خليج غينيا ومضيق ملقة (ممر مائي يربط المحيط الهندي ببحر الصين الجنوبي)، بحسب سجلات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، يرتبط مباشرة بضعف إدارة الأمن في الموانئ والممرات البحرية وسط تفشي الوباء.
ويبدو أن هذه الزيادة الضخمة في أعمال القرصنة موجودة في أكثر من منطقة، وهذا ما تظهره مقارنة أعداد عمليات القرصنة عالمياً في عام 2020 بنظيراتها في الأعوام السابقة، حيث شهد عام 2019 انخفاضاً قياسياً في عمليات القرصنة لم يشهده العالم منذ ربع قرن، وكان ذلك امتداداً لتراجع تلك العمليات في السنوات السابقة بشكل مطرد. لكن يبدو أن وباء كورونا قد تسبَّب في عكس المنحنى بصورة كبيرة.
إذ شهدت عمليات القرصنة زيادة بداية من يناير/كانون الثاني 2020 حتى يونيو/حزيران حين تم تنفيذ إجراءات الإغلاق الاقتصادي على نطاق واسع، وارتبطت الزيادة أيضاً بتعرض السفن لعمليات الحجر الصحي، وكثير منها كان عالقاً في البحار والمحيطات.
وكان شهر مارس/آذار هو شهر الارتفاع القياسي في القرصنة، حيث كانت كثير من السفن متوقفة في البحر وفي الموانئ دون القدرة على استبدال طواقمها التشغيلية، وهو ما قلل من قدرة البحارة على مقاومة عمليات القرصنة. وشهدت تلك الفترة إعلان منظمة مكافحة القرصنة والسطو المسلح في قارة أمريكا الشمالية عن عودة عمليات القرصنة إلى خليج المكسيك، وهو مقر رئيسي لتخزين النفط.
وتزامناً مع تلك التطورات كان من الطبيعي أن تشهد مناطق القرصنة التقليدية هذه الارتفاعات الكبيرة أيضاً، وكان نصيب إفريقيا منها ضخماً، حيث وقع أكثر من ثلثي عمليات القرصنة حول العالم في النصف الثاني من عام كورونا في السواحل الإفريقية وحدها.
هل يتحرك العالم لمكافحة القرصنة فعلياً؟
نيجيريا لا تدخر جهداً في مكافحة القرصنة، وقد عبر الأدميرال أولاديل داجي قائد الأسطول الغربي في البحرية النيجيرية عن ذلك بقوله إن بلاده ملتزمة "بضمان التخلص من خطر القرصنة في مياهنا حتى يتمكن أصحاب الأعمال الشرعية في الشحن البحري والصيد والنفط والغاز من ممارسة أعمالهم دون خوف".
لكن أصحاب شركات النقل البحري يريدون جهداً دولياً أكثر قوة في صورة استجابة عسكرية فورية على غرار ما حدث في عمليات القرصنة التي شهدها القرن الإفريقي والذي كان يمثل مركز القرصنة العالمي في الفترة من 2001 وحتى 2012.
فخلال عام 2011 فقط وقعت 160 عملية قرصنة في مياه القرن الإفريقي انطلاقاً من سواحل الصومال، وكانت الأرقام أعلى بكثير في العقد السابق على ذلك، أي منذ 2001 وحتى 2010، وظل خطر القرصنة قائماً في السنوات الخمس التي تلت 2011 حيث وقعت 358 عملية قرصنة.
ففي تلك الفترة التي كانت فيها الصومال مقراً للقراصنة المنتشرين في القرن الإفريقي لم يعُد الأمن البحري لذلك الممر الحيوي إلا بعد قيام الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بتشكيل قوة بحرية ضخمة يدعمها الأسطول الأمريكي بغرض حماية السفن التي تمر من قناة السويس التي تربط أوروبا بآسيا.
وأدى نجاح ذلك الجهد المسلح الذي قادته البحرية الأمريكية إلى تراجع كبير في أنشطة القراصنة، لكن الخطر انتقل من القرن الإفريقي إلى خليج غينيا والسواحل النيجيرية، ويبدو أن القرصنة هناك تحتاج مرة أخرى لتدخل دولي عاجل.
إذ إنه حتى في حالة تركيز الحكومات على مياهها الإقليمية فقط – أي 12 ميلاً بحرياً من شواطئ كل دولة– ستظل مشكلة القرصنة في المياه المفتوحة خلف ذلك الخط قائمة وتحتاج لإرسال دوريات بحرية مزودة بطائرات هليكوبتر إلى أعماق المحيط، بحسب جيكوب لارسين رئيس الأمن البحري في المجلس البحري الدولي والبلطيق ومقره كوبنهاغن.
لكن تظل المشكلة في عدم توفر الرغبة الدولية في القيام بتسيير تلك الدوريات في الساحل الغربي لإفريقيا لأنه يفتقد للأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها الساحل الشرقي حيث القرن الإفريقي ومدخل باب المندب وصولاً إلى قناة السويس أو إلى الخليج العربي.