عالم الأحياء جاستن فندوس يشرح أن بعض الناس قد يموتون بعد حصولهم على جرعة لقاح كورونا، دون أن تكون لنسبة الفاعلية في اللقاح علاقة مباشرة بوفاتهم، وكيف أن ذلك يعتبر حتمية إحصائية.
وتكمن أهمية ما شرحه فندوس في قصة لقاحات كورونا والوفيات، خصوصاً في فئة كبار السن، في تصاعد الجدل الحاصل حول اللقاحات ومدى فاعليتها، وانتشار نظريات المؤامرة بصورة تجعل أعداداً متنامية من الناس حول العالم يشعرون بالقلق، بغض النظر عن المستوى العلمي أو الثقافي، سواء الفردي أو المجتمعي.
وشرح فندوس بمقال بمجلة National Interest الأمريكية، كيف أن بعض الناس سيموتون بعد حصولهم على لقاح فيروس كورونا، حتى وإن كان آمناً بنسبة 100%، وهذا ليس تخميناً بقدر ما هو حتمية إحصائية.
وفيات طبيعية قد ترتبط باللقاح
ويشرح فندوس أنه في الولايات المتحدة، قبل الجائحة، مات في المتوسط مليونا شخص فوق سن الخامسة والستين سنوياً. وجاءت وفياتهم بالطبع لأسباب عدة، من بينها أمراض القلب والسرطان والتقدم في السن. ونظراً لأن الولايات المتحدة بها 51 مليون مواطنٍ فوق الخامسة والستين، يعني هذا أن 4% منهم يموتون كل عام، بعيداً عن فيروس كورونا.
إذن، ماذا سيحدث ما إن يبدأ الجميع في تلقي لقاح فيروس كورونا؟ هل ستتوقف هذه الوفيات فجأة؟ بالطبع لا. في الواقع، بافتراض أن كل من هم فوق سن الخامسة والستين يحصلون على اللقاح على مدار عام، يمكن توقع بعض الأمور المهمة بعمليات إحصائية بسيطة.
أولاً، يمكننا توقع أن وفاة واحدة من بين كل 365 وفاة من المليوني وفاة المذكورة سابقاً ستحدث في غضون 24 ساعة من الحصول على اللقاح. ويمكن أن نتوقع أيضاً أن وفاة من كل 52 وفاة ستقع في غضون أسبوع. وهذا عدد كبير من الوفيات في السنة: نحو 5500 وفاة في غضون 23 ساعة و38,500 في غضون أسبوع. وتذكر أن هذه الوفيات ستحدث بغض النظر عن إسهام اللقاح فيها من عدمه، فالمتوقع أن ترتبط عشوائياً بزمن التلقيح.
"مات بعد يومين من أخذ اللقاح"
ويتساءل فندوس، ماذا سيحدث حين يبدأ الأمريكيون، وخاصة غير المتبحرين في العلوم أو الطب، في قول إن أباً أو جداً مات بعد يومٍ أو بضعة أيام من تلقي لقاح فيروس كورونا؟ من الطبيعي حينها أن يفترض الناس أن اللقاح تسبب في الوفاة. ونظراً لفيض المعلومات المغلوطة المسببة للارتباك الذي نشهده بالفعل منذ بداية الجائحة، ستصبح عملية التلقيح أصعب بكثير.
وفي هذا السياق، أقدم عدد كبير من قادة الحقوق المدنية والرموز الرياضيين من الأمريكيين السود على تلقي لقاح كورونا أمام العدسات، بغرض تشجيع الأمريكيين الأفارقة على أن يحذو حذوهم، بعد أن تسببت المعلومات المغلوطة والشائعات ونظريات المؤامرة المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي في إشاعة جو من عدم الثقة بينهم في لقاحات كورونا.
وألقى تقرير لموقع Axios الضوء على مدى أهمية تخفيف حدة المعلومات المغلوطة بشأن اللقاحات، لأنه بدون تلك اللقاحات سيستمر وباء كورونا في حصد مزيد من الأرواح. ولا يقتصر الأمر على فيروس كورونا في ارتباطه الظاهر بالوفيات، فلقاحات الإنفلونزا مرتبطة عشوائياً بالوفيات بالفعل.
ففي 2013، وجدت دراسة أمريكية أن 0.011% من الحاصلين على لقاح الإنفلونزا بين سن الخامسة والستين والرابعة والسبعين، و0.023% منهم فوق سن الرابعة والسبعين، وماتوا في غضون أسبوع من الحصول على اللقاح. واستنتج القائمون على الدراسة أن الوفيات تأتي في النطاق المتوقع إحصائياً لكل مجموعة عمرية، ما ينفي أن التلقيح يُسهم إسهاماً ملموساً في حدوث الوفيات.
وتُظهر وقائع في كوريا الجنوبية مدى سهولة أن يعتنق الناس فكرة خاطئة عن اللقاحات بسبب الوفيات العشوائية بعد التلقيح، حتى في بلدٍ من بين أعلى بلدان العالم في الثقافة العلمية. منذ أوائل سبتمبر/أيلول، بدأت الحكومة الكورية حملة شرسة للتطعيم ضد الإنفلونزا، تهدف لتلقيح أكبر عدد ممكن من السكان استعداداً للشتاء. وخصصت الحكومة صندوقاً لتوفير اللقاحات مجاناً للشرائح الأكثر عرضة للخطر: الأطفال، والحوامل، وكبار السن. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول، لقحت الحكومة ما يزيد قليلاً عن 10 ملايين من بين 51 مليون كوري.
في ذلك الشهر نفسه، تم الإبلاغ عن مجموعة من الوفيات التي يُحتمل ارتباطها بالتلقيح، وعددها الإجمالي 72 وفاة، حدث كثير منها في غضون 48 ساعة أو أسبوع بعد التلقيح. ودب الخوف في الشعب الكوري، ما أدى إلى توقف المشاركة في حملة التلقيح. هذا مع أن 89% من هذه الوفيات وقعت لأشخاص فوق الستين، وإعلان وسائل الإعلام وخبراء الحكومة بالإجماع أن هذه الوفيات يمكن تفسيرها بالأنماط العادية للوفيات المتوقعة. وفشلت المحاولات العديدة لاستعادة ثقة العامة، ولم تعد معدلات المشاركة في الحملة إلى مستوياتها السابقة قط.
سيموت الآلاف، وخاصة من كبار السن، في غضون أسبوع من الحصول على لقاح فيروس كورونا، وهذا ليس تخميناً، بل نتيجة حتمية. وسيُنصح العاملون بمجال الرعاية الصحية، كما يُنصحون عادة عند إعطاء لقاحات الإنفلونزا والأمراض الأخرى بالامتناع عن تلقيح مَن صحتهم متدهورة بالفعل.
سيسهم هذا في تقليل الوفيات المربوطة باللقاحات، لكنه لن يقضي عليها. وبما أن الشعب الأمريكي لم يحذره أحد بشأن هذا الأمر، فستغذي الوفيات على ما يبدو الشكوك في أمان اللقاح. الولايات المتحدة بحاجة إلى حملة استباقية لطمأنة العامة قبل العاصفة.