تعد جماعة "حراس القسم" اليمينية المتطرفة الأمريكية واحدة من الميليشيات المناهضة للحكومة، والتي تتبنى بشكل كبير نظريات المؤامرة، وتعد من أخطر العناصر التي شاركت في الهجوم على مبنى الكونغرس يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني 2021. فما حكاية هذه الجماعة وكم عدد أعضائها، وما هي الأفكار التي تتبناها؟
ما هي جماعة "حراس القسم"؟
تعتبر جماعة "حراس القسم" أكبر حركة يمينية مناهضة للحكومة في الولايات المتحدة، ويوصفون بأنهم الوجه الأكثر ظلامية وعنفاً لأنصار دونالد ترامب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني. وهم مجموعة من المتطرفين يفضلون ارتداء الملابس العسكرية والخوذات القتالية بدلاً من الملابس الفولكلورية التي يرتديها بعض أنصار اليمين.
و"حراس القسم" ليسوا مجرد حركة راديكالية أخرى، مثل حركات "كيو-آنون" أو "بوجالو بويز" أو حتى "براود بويز"، التي ذاع صيتها خلال فترة حكم دونالد ترامب. فهي تبرز أكثر في المشهد المكتظ بالجماعات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة وذلك بسبب تاريخها وخلفيات أعضائها وأيديولوجيتهم، كما يقول تقرير لفرانس برس.
تأسست جماعة "حراس القسم" عام 2009 كرد فعل على انتخاب الديمقراطي باراك أوباما رئيساً، ومذئذ فرضت هذه الميليشيا المسلحة نفسها على مر السنين باعتبارها "أكبر حركة راديكالية مناهضة للحكومة في الولايات المتحدة"، كما يؤكد المركز القانوني "فقر الجنوب" (SPLC)، وهو إحدى المنظمات غير الحكومية الرئيسية التي تراقب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
ويدَّعي "حراس القسم" أن مجموعتهم تضم أكثر من 30 ألف عضو، لكن مركز (SPLC) يقدر عددهم الحقيقي بنحو ألفين إلى ثلاثة آلاف عضو نشط، فيما تقدر قاعدة بيانات مسربة قوامهم بحوالي 25000 عضو حالي أو سابق، ثلثاهم من خلفيات عسكرية أو قوات إنفاذ القانون.
ما دور ميليشيا "حراس القسم" في اقتحام الكونغرس؟
يكتسب دور جماعة "حراس القسم" في نهب مبنى الكونغرس أهمية كبيرة مع تكشف بعض الحقائق عن استعداداتهم للهجوم وتصميم هؤلاء المقاتلين شبه العسكريين على إلحاق الخراب بذلك المبنى الذي يعد "معقل الديمقراطية الأمريكية".
ويقول موقع ABCNews الأمريكي الذي اطلع على الملفات الشخصية لثمانية وستين شخصاً من مثيري الشغب تم اعتقالهم الأسبوع الماضي، إن "عدداً كبيراً من المعتقلين لهم صلات بهذه الميليشيات اليمينية المتطرفة التي جلبت أسلحة وحتى متفجرات لموقع الهجوم".
ولفتت إحدى مجموعات هذه الحركة الانتباه بشكل خاص، لأن أعضاءها كانوا من بين الأوائل والأكثر تصميماً على اقتحام مبنى الكونغرس. يطلق عليهم اسم "حراس القسم" ويمكن رؤيتهم في العديد من مقاطع الفيديو وهم يشقون طريقهم عبر الحشد للوصول إلى الباب الأمامي للمبنى الفيدرالي، ويتقدمون بطريقة منضبطة وعسكرية للغاية.
يسهل التعرف عليهم – فهم نقشوا اسم مجموعتهم على ستراتهم أو على ظهر خوذاتهم – ويظهرون في عدة صور التقطت داخل المبنى الفيدرالي أثناء الهجوم. في غضون ذلك، فضل زعيمهم، ستيوارت رودس، البقاء في الخارج لتحفيز الحشود ودعوتهم إلى "إيقاف" المسؤولين المنتخبين عن التصويت على المصادقة على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة.
مم تتكون هذه الجماعة المتطرفة، وكيف شكلت نظريات المؤامرة فكرها؟
يعود السبب الأساسي في انتشار هذه المجموعة إلى شخصية مؤسسها، ستيوارت رودس، وهو جندي سابق، أجازته جامعة ييل للقانون المرموقة، والذي دعم، في عام 2008، المرشح التحرري رون بول قبل أن يقع في "فخ التطرف والتآمر".
هذا المتعصب لحمل السلاح، الذي فقد إحدى عينيه في التسعينيات عندما كان يعبث بمسدس، رأى في منظمته ملاذاً لأفراد إنفاذ القانون المحبطين لعدم قدرتهم على الدفاع علانية عن أيديولوجيتهم المتطرفة داخل المؤسسات.
تقول صحيفة "ذي أتلانتك" في دراسة استقصائية خصصت لهذه الحركة نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن ما يميز أعضاء "حراس القسم" عن الميليشيات اليمينية المتطرفة الأخرى هو الوجود القوي لأفراد سابقين في مختلف أفرع القوات المسلحة، كما تضم المجموعة بين أعضائها ضباطاً من الشرطة وحرس الحدود وعميلاً واحداً على الأقل من الخدمة السرية وعدة أعضاء من (SWAT) "قوة التدخل السريع للشرطة" ورئيس شرطة مدينة، وذلك حسب الموقع الذي استطاع الحصول على ملف الأعضاء والمتعاطفين مع "حراس القسم".
للانضمام لهذه الحركة، من الضروري أيضاً أداء القسم "للدفاع عن الدستور" (ومن هنا جاء اسم "حراس القسم") خلال احتفال على غرار حفل دخول كلية الشرطة. لكن بالنسبة إلى ستيوارت رودس وأتباعه، يتلخص الدستور، بصورة أو بأخرى، في التعديل الثاني الشهير الذي ينص على الحق في امتلاك سلاح ناري.
والعدو الذي يجب الدفاع ضده عن هذا النص المقدس هو الحكومة المشتبه في سعيها لمصادرة كل الأسلحة المتداولة حتى تتمكن من إقامة دكتاتورية بسهولة أكبر. هذيان تآمري يمثل أيضاً جزءاً من الحمض النووي لأعضاء "حراس القسم". إنهم مؤيدون أقوياء لأطروحة مؤامرة "النظام العالمي الجديد" القائلة بأن معظم دول العالم تقع بالفعل تحت نير حكومة عالمية تستوحي مبادئها من "الاشتراكية" وأن الولايات المتحدة هي واحد من آخر معاقل "الحرية".
ووضع "حراس القسم" مبادئهم تلك موضع التنفيذ في العديد من المناسبات اعتباراً من العام 2013. ويتلخص تخصصهم في القدوم بأعداد كبيرة أثناء الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات الاجتماعية "لمساعدة" السكان أو "حماية" الأعمال التجارية، بحجة أنه لا ينبغي الوثوق بالسلطات. خلال أعمال الشغب التي اندلعت بفيرغسون، بعد مقتل صبي أسود على يد ضابط شرطة في عام 2014، احتلوا مركز الصدارة في وسائل الإعلام. وطافت العالم صور عناصر الميليشيات هذه وهم يحملون أسلحة على أسطح المباني في المدينة ويهددون بإطلاق النار على المتظاهرين.
أنصار ترامب الذين يريدون حمايته والدفاع عنه بأي ثمن
مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في عام 2016، اعتقد حراس القسم "أن واحداً منهم قد نجح أخيراً في الوصول للبيت الأبيض"، حسب تحليل "رابطة مكافحة التشهير" (ADL)، وهي منظمة أمريكية أخرى مناهضة للتطرف. كما رافق أعضاء هذه الميليشيا الرئيس ترامب بشكل منهجي في معظم اجتماعاته الرئيسية، مقدمين أنفسهم على أنهم أفراد أمن احتياطيون.
فهم يعتقدون، في واقعهم البديل، أنهم وحدهم القادرون على حمايته من "العدو الذي في الداخل" والذي يعتبر دونالد ترامب عقبة أمام إقامة "النظام العالمي الجديد". بالنسبة لهم، فإن حركة "حياة السود مهمة" صنيعة "الماركسيين" لزعزعة استقرار الرئيس، وحركة "أنتيفا" ما هما إلا عملاء "للنظام العالمي الجديد".
لا عجب في مثل هذه الظروف أن يكون "حراس القسم" من بين أسرع الناس الذين أرادوا اقتحام مبنى الكونغرس. في عام 2016، كان ستيوارت رودس قد أشار بالفعل إلى أن حركته مستعدة للمشاركة في "حرب أهلية ثانية" إذا ما قام الديمقراطيون "بسرقة" الانتخابات الرئاسية، وذلك وفقاً لرابطة مكافحة التشهير. ففي أذهانهم، تشبه هزيمة بطلهم في عام 2020 حيلة من قبل القوى المتسترة في الكواليس. وأوهام معسكر ترامب بشأن تزوير الانتخابات لم تؤجج إلا خيالهم تجاه هذا الموضوع.
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) أبدى قلقه يوم الإثنين 11 يناير/كانون الثاني 2020 من اندلاع المزيد من أعمال العنف في الفترة المقبلة، التي تسبق تنصيب الديمقراطي جو بايدن كرئيس جديد في 20 يناير/كانون الثاني، فالمجموعات المتطرفة مثل "حراس القسم"، التي تمتلك أسلحة وخبرة عسكرية كبيرة، تعتقد أن الوضع قد بات حرجاً وأن الكثير من الأشياء أصبحت على المحك.