رغم أن التفاصيل لم تكشف كلها بعد، فإن قائمة أبرز المستفيدين من المصالحة الخليجية تتضح تدريجياً.
وستُعرف شروط الصفقة بالكامل، فقط عند استكمال تنفيذها. لكن الاتفاق -القائم على إعادة التقارب التكتيكي بدلاً من المصالحة- يبدو حتى الآن كأنه تعادلٌ لقطر رغم أن الموازين لم تكُن في صالحها، حسب وصف تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
إذ يعيد الاتفاق الروابط الجوية والبرية والبحرية إلى قطر بعد قطعها في يونيو/حزيران عام 2017، ويرفع الحظر التجاري.
وفي البداية، كان الحصار يُنذر بالخطر الشديد. إذ حظي بدعمٍ أوَّلي وجيز من الرئيس دونالد ترامب. وبدا أن دول الحصار تُخطط لعمل عسكري.
لكن ذلك التهديد تراجع بعد أن ذكَّر البنتاغون ترامب بأنّ قطر تستضيف قاعدة العديد، أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، والتي تفرض النظام على الأزمات القائمة من اليمن وحتى أفغانستان.
وبدلاً من ذلك، خرج أصحاب الحملة على قطر بقائمةٍ من المطالب غير الواقعية. وشملت: إغلاق قناة الجزيرة القطرية، وإنهاء الدعم للحركات الإسلامية، وقطع قطر علاقاتها مع إيران وإنهاء تحالفها مع تركيا التي تمتلك قاعدةً عسكرية في قطر، والخضوع لرقابة جيرانها لفترة.
ولكن قبل المصالحة ساد شعور بين المجموعة الرباعية بأن الحظر فشل في تحقيق هدفه، وهو إخضاع الدوحة، أو على الأقل موافقتها على مواقف هذه الدول بشأن قضايا تتراوح من الإسلام السياسي إلى التهديد الذي تشكله إيران وطلب إغلاق قناة الجزيرة.
لم تحُل نزاعات قطر بالكامل مع الدول الأربع، ورغم أن مراسم عملية المصالحة كانت خافتة باستثناء ما جرى مع السعودية، فإن الدوحة خرجت أقوى من التجربة، حسب وصف وكالة Bloomberg الأمريكية.
إذ لم يتم ترديد المطالب الـ13 عند إبرام المصالحة الخليجية. ولكن يبدو أن التنازل الرئيسي الذي قدَّمته قطر هو أنها وافقت فقط على التخلّي عن الدعاوى القضائية ضد خصومها أمام منظمة الطيران المدني الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
وقال الطرفان إنهما سيُوقفان التصعيد في وسائل الإعلام. وقد قلّصت قطر بالفعل التزامها تجاه الإسلاميين من ليبيا وحتى سوريا. لكنها حافظت، إلى جانب تركيا، على دعمها لجماعة الإخوان المسلمين التي تكرهها السعودية والإمارات.
ويُقر جميع أطراف الخلاف بأنّهم دفعوا قطر إلى التقارب أكثر مع تركيا وبصورةٍ أقل إيران، وأنّ الدولة الصغيرة لن تُفكِّك خطوط الإمداد البديلة التي أُجبِرَت على بنائها بالفعل في ظل الحصار.
ولا يُمكن أن تحل قطر، بأي حالٍ من الأحوال، روابطها مع إيران، إذ تتشارك الدولتان أكبر حقل غاز طبيعي في العالم. وخصومها يُدركون ذلك. إذ إن أبوظبي مثلاً جدّدت امتياز حقل البندق النفطي المشترك مع قطر في عام 2018 رغم الحصار. وما تزال دبي تُؤدّي دور الرئة الإضافية لإيران رغم الحصار الاقتصادي عليها.
مكاسب قطر
يُعتقد أن قطر هي التي خرجت بأكبر المكاسب، حسب وصف تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
فلقد انتهى الحظر بشروطها إلى حد ما، مع احتفاظ الدوحة بالقدر نفسه من السيطرة على سياساتها، في الداخل والخارج ، كما كانت قبل بدء الحصار.
ويمكن القول إن قطر أصبحت أقوى خلال السنوات القليلة الماضية، وفقاً لتقرير Bloomberg .
فعلى صعيد السياسة الخارجية، تمكنت قطر من تعميق علاقاتها مع تركيا وإيران خلال الحظر، حيث وفّر كلا البلدين الإمدادات الحيوية وخطوط النقل، للدوحة دون إضعاف علاقاتها مع الولايات المتحدة أو القوى العالمية الكبرى.
واستخدمت الدوحة ثروتها الهائلة لبناء قواتها المسلحة، وحصلت على مجموعة من أنظمة الأسلحة من الولايات المتحدة وأوروبا.
كما طورت قطر أمنها الغذائي من خلال تشجيع الشركات المحلية في الأعمال التجارية الزراعية.
والآن بعد المصالحة، ستتاح لبعض هذه الشركات الفرصة للمنافسة في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والأسواق المصرية ضد الشركات السعودية والإماراتية.
والسؤال المطروح الآن، حسب الوكالة الأمريكية، هو ما إذا كان باستطاعة الشيخ تميم استغلال هذه المكاسب في دور أكبر للدوحة بالشؤون الإقليمية، وهو الدور الطموح الذي أثار غضب أقرانه العرب في المقام الأول.
ترى الوكالة الأمريكية أن قطر قد تكون قادرةً الآن على تقديم نفسها لإدارة جو بايدن القادمة باعتبارها أفضل وسيط للدبلوماسية مع طهران، خاصة بعد أن توفي كل من كبار رجال الدولة العرب الذين لعبوا هذا الدور تقليدياً، (وهما سلطان عمان قابوس بن سعيد والشيخ الكويتي صباح الأحمد الجابر الصباح، في العام الماضي)، وقد تتمكن من لعب الدور ذاته في عملية محاولة ترميم العلاقات التركية الأمريكية.
كما أن المصادر الخليجية تقول إن قطر يُطلب منها التدخل ضمن الصفقة من أجل الوساطة بين السعودية وتركيا.
وفي الوقت ذاته، تزيد قطر جهودها للضغط السياسي بواشنطن، وها هي تستعد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022.
وبصرف النظر عن تطور علاقتها مع دول الخليج ، يبدو أن التجربة أثبتت أن الدوحة تعرف كيف تتكفّل بأمورها جيداً، وفي الأغلب أن الأسوأ قد مر بالنسبة لها.
أبرز المستفيدين من المصالحة الخليجية
الإماراتيون، الذين كانوا المحركين الرئيسيين للحظر حسب وصف الوكالة الأمريكية، يقولون الآن إن قائمة المطالب الثلاثة عشر لم تكن أكثر من "موقف تفاوضي أقصى".
والتزم الزعيم الفعلي لدولة الإمارات، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يقود تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، الصمت بشأن موضوع المصالحة مع قطر. (مما قد يشير إلى عدم الرضا عنه).
في المقابل، بدا أن المملكة العربية السعودية هي التي تقود المصالحة مع قطر من الجانب الرباعي، حيث تصدَّر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهما الزعيمان الأكثر شباباً بالمنطقة، المشهد في القمة الـ41 لمجلس التعاون الخليجي.
ويمكن القول إن الرياض من أبرز المستفيدين من المصالحة الخليجية.
لقد وفَّرت المصالحة نجاحاً دبلوماسياً للأمير محمد بن سلمان، واستراحة من مشكلات السياسة الخارجية التي تشمل التدخل في الحرب الأهلية اليمنية، ومقتل خاشقجي والحصار نفسه، حسب وصف الوكالة الأمريكية.
كما سمحت المصالحة للأمير محمد بن سلمان بإعادة تأكيد التفوق السعودي في الشؤون العربية.
ففي السنوات الأخيرة، غالباً ما كان الإماراتيون هم رأس الحربة في الشؤون الإقليمية.
ولقد انتهجوا استراتيجية عدوانية للتواصل الاقتصادي والدبلوماسي تُوِّجت بإنهاء مقاطعة الخليج العربي لإسرائيل.
كانت الإمارات بالمقدمة في كثير من هذه السياسات، ولكن في ما يتعلق بالمصالحة الخليجية، قرر الأمير محمد بن سلمان إنهاء عزلة قطر، لم يكن أمام الإماراتيين خيار سوى أن يحذوا حذوه.
إن إعادة ضبط الأوضاع السعودية في عهد جو بايدن ستكون مهمةً شاقة.
إذ وضع الأمير محمد جميع البيض السعودي تقريباً في سلة ترامب، وأثار غضب الكونغرس باغتيال الصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن وإغراق السوق بالنفط الرخيص. بينما تحدّث بايدن عن إعادة النظر في التحالف الممتد منذ 75 عاماً مع السعودية.
ولذا فإن المصالحة مع قطر ستكون إشارة إيجابية للإدارة الأمريكية الجديدة.
ولن تكون صفقة قطر بمثابة المحاولة السعودية الوحيدة لتحسين العلاقة مع إدارة بايدن. إذ سيخفض السعوديون إنتاجهم من النفط بمقدار مليون برميل يومياً في فبراير/شباط ومارس/آذار، مما سيُساعد شركات النفط الصخري الأمريكية. وربما تُفرج السلطات السعودية قريباً عن الناشطة لُجين الهذلول.