تمثل انعكاسات المصالحة الخليجية على إيران، واحداً من أهم شواغل الخبراء الاستراتيجيين المعنيين بالملف، كما أنه يعتقد أنه واحد من الدوافع التي تقف وراء سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإتمام هذه المصالحة في أيامه الأخيرة.
واتخذت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، ومعها مصر، قرارات خلال القمة الخليجية الحادية والأربعين، بتقليل التوترات التي بدأت مع قطر في منتصف عام 2017، وهي خطوة اعتبرها خبراء تدبيراً مهماً لتعزيز الأمن في الخليج، وتقليص نفوذ إيران في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Voice of America الأمريكي.
وكانت القمة الخليجية التي عُقدت يوم الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني في مدينة العُلا شمال غربي السعودية قد شهدت حضوراً لافتاً لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أول زيارة له للسعودية منذ عام 2017. وأظهرت لقطات نشرتها وسائل إعلام سعودية وليَّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو يحيي بحرارة آل ثاني في المطار، قبل أن يصطحبه في وقت لاحق في جولة حول بلدة قديمة.
في بيانه الافتتاحي للقمة، قال محمد بن سلمان: "نحن اليوم أحوج ما نكون إلى توحيد جهودنا للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، خاصة التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية ومشروعاته التخريبية الهدامة التي يتبناها ووكلاؤه من أنشطة إرهابية وطائفية هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة".
انعكاسات المصالحة الخليجية على إيران تبدأ من الطيران
التقارب خطوةٌ معتبرة نحو التوافق بين دول مجلس التعاون الخليجي وخلق المزيد من الضغط على إيران، لا سيما عن طريق إنهاء الأرباح التي تجنيها إيران من استخدام قطر للمجال الجوي الإيراني جراء الحصار الذي فُرض عليها، حسبما يقول بعض الخبراء الإقليميين.
ويذهب سينا أزودي، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي، إلى هذا الرأي، قائلاً: "عندما يكون لديك مجلس تعاون خليجي منقسم، يستفيد الإيرانيون من ذلك بأن هذا التقسيم يجعل من الصعب على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ قرارات جماعية ضد إيران".
وبحسب أزودي، فإن إيران استغلت على مدار ثلاث سنوات الخلافَ الخليجي، لتحاول الاقتراب أكثر من قطر، في مواجهة العزلة التي كانت تعانيها في المنطقة. وقال إن إنهاء الصراع، سيخلق جبهة أوثق اتحاداً ضد طهران.
أما من جانب إيران، فيقول أزودي إن هذه التطورات "تطورات غير مرغوب فيها على حدود إيران الجنوبية، والتي يعتبرها قادة طهران نقطة ضعفها الأبرز.
وقد تدفع إيران إلى التصور على نحو أشد عدوانية، أو بصرامة، لمواجهة التهديد الذي تتعرض له في الخليج".
وتعليقاً على المصالحة الخليجية اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن اتفاق إنهاء الخلاف بين قطر وبين السعودية وحلفائها كان نتيجة "مقاومة قطر الشجاعة للضغط والابتزاز"، حسب تعبيره.
وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في حديث إلى صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن علاقات الدوحة بطهران لن تتأثر عقب إتمام المصالحة الخليجية مؤخراً.
وأشار الوزير القطري إلى أن علاقات بلاده مع تركيا وإيران لن يطرأ عليها أي تغيير، في إشارة إلى أن قطر لم تقدم تنازلات كبيرة لعقد الصلح مع الدول الأربع "السعودية ومصر والبحرين والإمارات".
موقف الولايات المتحدة
أما عن الموقف الأمريكي بشأن انعكاسات المصالحة الخليجية على إيران، فيقول مسؤولون في واشنطن إن إنهاء الأزمة كان أحد أهداف السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية لتعزيز الأمن في المنطقة وممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران.
وقام كبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر، بزيارات إلى المنطقة في الماضي للتوصل إلى اتفاق، ويقال إنه كان في صدارة الجهود الأخيرة.
ويشير تيموثي ليندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الخليج، إن الخلافات الخليجية خلقت شقوقاً في "جدار المعارضة القوي" لإيران.
كان الحصار قد منع الطائرات المسجلة في قطر من التحليق فوق الأجواء السعودية والمصرية، إلى إفريقيا وأوروبا. في المقابل، اضطرت قطر إلى استخدام أجواء إيران، من خلال شركة طيرانها، الخطوط الجوية القطرية.
في ظل الحصار، كانت قطر تدفع ملايين الدولارات لإيران رسوماً للعبور. ويقول نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر، إنه بعد أن تصالحت الدوحة والرياض جزئياً، ستطير الخطوط الجوية القطرية فوق السعودية.. ومن ثم حُرمت إيران من الإيرادات التي هي في أشد الحاجة إليها في ظل العقوبات الأمريكية عليها.
التوترات ما زالت قائمة
كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد اشترطت لإنهاء الحصار في البداية (يونيو/حزيران 2017) تلبيةَ قطر لقائمة من 13 مطلباً في غضون 10 أيام. وتضمنت القائمة وضع حدٍّ لعلاقاتها مع إيران، وإغلاق قناة الجزيرة وبعض القنوات التلفزيونية الأخرى، وإنهاء الوجود العسكري التركي، ووقف دعمها لحركات المعارضة السياسية العربية، وتسليم من تعتبرهم تلك الدول "شخصيات إرهابية".
ومع ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت قطر قد لبّت أياً من تلك المطالب عندما وقّع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بيانَهم الختامي الذي أعلن وقوفهم متحدين لتحقيق المصالح المشتركة ومواجهة التحديات الأمنية.
ولكن اللافت قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في مؤتمرٍ صحفي عُقد في ختام القمة، إن الاتفاق "يطوي صفحة جميع الخلافات".
غير أن بعض الخبراء، مثل مارتن ريردون، من أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية (قياس) في الدوحة، قال إن وقفاً كاملاً للعلاقات مع إيران سيكون قراراً باهظ التكلفة، لا سيما إذا استحضرنا التعاون الوثيق بين البلدين في قطاع الغاز الطبيعي.
وأشار ريردون إلى أن "الاقتصاد القطري يعتمد كلياً على الغاز الطبيعي، والغاز الطبيعي الواقع في الحقل الشمالي ملكيته مشتركة في المياه التي تسيطر عليها كل من إيران وقطر".
ويحتوي الحقل على 900 تريليون قدم مكعبة من الاحتياطي القابل للاستخراج، أو ما يقرب من 10% من احتياطيات الغاز المعروفة في العالم، وفقاً لشركة "قطر غاز" المملوكة للدولة، والتي تتولى إدارة الحقل.
الموقف من جماعة الإخوان المسلمين
يلفت ريردون النظر إلى خلاف آخر عالق بين الدول العربية، وهو وجود بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في قطر، حيث يديرون توجيه المعارضة السياسية ضد النظام المصري الحالي.
ويقول ريردون: "القطريون ينظرون إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها تنظيم سياسي، في حين تعتبرها الإمارات والسعودية منظمةً إرهابية" (علماً بأن الملك سلمان سبق أن استقبل الشيخ يوسف القرضاوي الذي ينظر إليه على أنه المرجع الديني للجماعة).
ومنذ الحملة القمعية التي قادها الجيش المصري في عام 2013 ضد الجماعة، تستضيف قطر عدداً من قادتها، مثل الشيخ يوسف القرضاوي (مقيم في قطر منذ عقود)، كما استخدم قادةُ الجماعة منصات إعلامية في الدوحة للتواصل مع مؤيديهم في مصر وجميع أنحاء العالم.
العلاقات مع تركيا
قال الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى أوزجان إن "العلاقات التركية مع دول الخليج سوف تتسع في الفترة المقبلة لأن انحصار العلاقة بين قطر وتركيا فقط لا يفيد الطرفين".
وأوضح أنه "ستكون هناك فائدة في العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون وتركيا خاصة السعودية على أساس الانفتاح المتبادل بين الجانبين في الآونة الأخيرة".
ولفت إلى "وجود ظروف جديدة في النظام العالمي خاصة من جهة الإدارة الأمريكية الجديدة ربما يكون لديها تحفظات مع البلدين، حتى وإن كان ببطء، ولذلك يسعى الطرفان لتطبيع العلاقات مجدداً كما مع قطر".
ويمكن توقع أن المصالحة الخليجية لن تؤثر على العلاقات التركية القطرية، بل العكس فقد تتحسن العلاقات التركية الخليجية ولا سيما السعودية، التي شهدت انفراجة عشية قمة العشرين التي شهدت اتصالاً بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وحتى علاقات أنقرة الأكثر توتراً مع الإمارات شهدت مؤشرات إيجابية من قبل أبوظبي مؤخراً.
وكذلك العلاقات التركية المصرية، تشهد تبريداً للتوترات على الأقل، وهو ما ظهر قبل المصالحة الخليجية في ليبيا.
وقد يعني ذلك تقليل الخلاف التركي الخليجي، خاصة أن تركيا وقطر تعتبران محوراً منافساً للمحور الإيراني لا سيما في الملف السوري، حيث تؤيد إيران نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتؤيد أنقرة والدوحة المعارضة السورية.
وقد يعني ذلك عودة جزئية لمرحلة ما قبل الحصار على قطر حيث كان لمحور أنقرة والدوحة مواقف متقاربة مع المحور السعودي في رفض استخدام إيران للجماعات الشيعية في العالم العربي لفرض نفوذها في المنطقة، بطريقة طائفية تضعف المكون السني.
ورغم انتصار النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا، فإنه ما زال هناك وجود للمعارضة في شمال سوريا يحظى بتأييد تركي، والإشكالات بين النظام والمعارضة تتجدد أحياناً.
لا يعني ذلك إعادة تكرار شكل المواجهة السنية الشيعية في المنطقة أو تشكيل تحالف سعودي قطري تركي ضد الدور الإيراني كما كان الأمر في سوريا في ذروة الثورة السورية.
ولكن على الأقل تقليل الاندفاعة التي كانت تقودها الإمارات وبصورة أقل مصر لتطبيع العلاقة بين الأسد والثلاثي العربي مصر والسعودية والإمارات، وهي المحاولات التي لم تتجاوب معها الرياض كثيراً، حتى في ذروة خلافها مع أنقرة والدوحة.
في المقابل فرغم انسحاب الدوحة مضطرة من التحالف العربي في اليمن، فإنها لم تقترب من المواقف الإيرانية في اليمن، وظلت وسائل الإعلام المحسوبة عليها، وعلى تركيا، تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم متمردين على السلطة الشرعية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية.
وقد يعني ذلك مزيداً من التقارب في المواقف القطرية التركية والسعودية في سوريا واليمن دون تطابقها، مع استمرار احتفاظ قطر وتركيا بخطوط تواصل وتهدئة مع إيران، وهي خطوط لعبت دوراً في التهدئة في سوريا بعد هزيمة المعارضة، وقد تلعب خطوط الاتصال هذه دوراً خاصة من قبل الدوحة في التهدئة بين ضفتي الخليج العربي والإيراني أو منع التصعيد على الأقل (وهو دور قامت به الإمارات أيضاً من قبل عبر خطوط اتصالها مع طهران).
تبقى الجبهة اليمنية التي يصعب التكهن باحتمالات التهدئة فيها باعتبارها بطاقة رابحة للإيرانيين، كما أن الحوثيين يصعب السيطرة عليهم حتى من قبل طهران، والأصعب هو إمكانية التوصل لتفاهمات أو تسويات معهم خاصة في ظل صعوبة تقدير مقدار فعالية التسوية بين الانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات والحكومة الشرعية المدعومة من السعودية.