بقي على رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن السلطة 13 يوماً، لكن يبدو أن الرئيس المنتهية ولايته كان يحلم بإطالة أمد بقائه في البيت الأبيض أو عرقلة تسليم السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن، من خلال نشر الفوضى بعد مطالبته لأنصاره بالخروج للتظاهر يوم تصديق الكونغرس على فوز بايدن، و"الحرب من أجله" بالعمل على "قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية"، مدعياً أنه قد جرى تزويرها لضمان فوز بايدن.
لكن ما حصل يوم "الأربعاء الأسود" جاء صادماً للجميع، إذ اقتحم مئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس، واحتلوا رمز الديمقراطية الأمريكية وأجبروا الكونغرس على تأجيل جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، مؤقتاً، فيما شهد مبنى الكابيتول هيل أعمال تخريب ونهب، وقتل 4 أشخاص في هذا الحدث غير المسبوق.
كل ذلك دفع للمطالبة بعزل ترامب عن الحكم على الفور، وأفادت وسائل إعلام أمريكية مساء الأربعاء بأنّ عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس المنتهية ولايته ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أحداث اقتحام الكونغرس، من خلال التعديل 25 من الدستور الأمريكي. فهل يمكن عزل ترامب قبل أيام أصلاً من انتهاء ولايته؟ وما هو التعديل 25؟ وهل يسمح بعزله على الفور؟
هل يمكن عزل ترامب؟
ثلاث شبكات تلفزيونية أمريكية هي "سي إن إن" و"سي بي إس" و"إيه بي سي" نقلت عن مصادر لم تسمّها أنّ الوزراء في حكومة ترامب بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة بأن يُقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنّه "غير قادر على تحمّل أعباء منصبه".
ويتطلّب تفعيل هذا التعديل أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب. ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين جمهوريين لم تسمّهم قولهم إنّ الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الـ25 بعدما اعتبروا أنّ ترامب أصبح "خارج السيطرة".
بدورها نقلت شبكة "إيه بي سي" عن "مصادر متعدّدة" أنّ مناقشات جرت بشأن هذه "الخطوة غير المسبوقة" في تاريخ الولايات المتّحدة. لكنّ شبكة "سي بي إس" أكّدت أنّ الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنّه لم يتمّ تقديم "أيّ شيء رسمي" إلى مايك بنس.
وفي وقت سابق طالبت كاثرين كلارك، مساعدة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، بإقالة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وعزله قبل انتهاء ولايته رسمياً. واتهمت كلارك ترامب "بخيانة البلاد والدستور" ، داعية إلى "ضرورة عزله من منصبه ومنعه من تعريض الولايات المتحدة لمزيد من الخطر".
ما هو التعديل الـ25 من الدستور الأمريكي الخاص بعزل الرئيس؟
يعتبر التعديل الخامس والعشرون الطريقة الأسرع لتجريد ترامب من السلطة، حيث يمكن أن يعلن نائب الرئيس مايك بنس ومجلس الوزراء أن ترامب "غير قادر" على الخدمة وتحمل أعباء المنصب، لكن هناك بعض التعقيدات.
وبموجب هذا التعديل، إذا خلص نائب الرئيس وأغلبية أمناء مجلس الوزراء إلى أن الرئيس "غير قادر على القيام بصلاحيات وواجبات منصبه"، فيمكنهم كتابة ذلك وإرساله إلى قادة الكونغرس. بمجرد حدوث ذلك، يصبح نائب الرئيس على الفور رئيساً بالنيابة. وإذا عارض الرئيس ذلك، يقرر الكونغرس في الأمر، بأغلبية ثلثي أصوات مجلسي النواب والشيوخ اللازمة لإبقاء نائب الرئيس في السلطة.
ولم يتم التذرع بهذه المادة قبل ترامب، وكانت المناقشات حولها في الغالب تتمحور حول أن الرئيس أصبح مريضاً جسدياً أو عقلياً (في العقود التي سبقت التصديق عليه في عام 1967، واجه العديد من الرؤساء مشاكل صحية خطيرة). ولكن بسبب حكم ترامب المتهور وغير المنتظم، فقد برزت فكرة المناداة بالعزل كثيراً أثناء رئاسته، على سبيل المثال، ناقش نائب المدعي العام السابق رود روزنشتاين الاستناد إلى هذه المادة بعد أن أقال ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي في عام 2017.
ومنذ أن بدأت الأزمة في مبنى الكابيتول في وقت سابق يوم الأربعاء، تجدد الاهتمام بالفكرة. وغرد حاكم ولاية فيرمونت الجمهوري، فيل سكوت، على تويتر، أنه يجب على ترامب إما الاستقالة أو "عزله من منصبه من قبل مجلس وزرائه". وقال جاي تيمونز، النائب الجمهوري السابق، إن على مايك بنس أن "يفكر بجدية" في اللجوء إلى التعديل الـ25 من الدستور الأمريكي.
ودعا بعض أعضاء الكونغرس إلى مساءلة ترامب مرة أخرى كطريقة لعزله من الرئاسة قبل 20 يناير/كانون الثاني، ولإبعاده عن تولي منصب فيدرالي في المستقبل. لكن قواعد الكونغرس الخاصة بعمل إجراءات العزل يمكن أن تبطئ الأمور. وإذا كان مجلس النواب ومجلس الشيوخ متحدين في أزمة ما، فيمكنهما تغيير هذه القواعد أو تجاهلها. لكن من المحتمل أن يكون التعديل الخامس والعشرون هو الحل الأسرع، إذا وافق عدد كافٍ من أعضاء حكومة ترامب على ذلك، وهو أمر بعيد عن أن يكون أمراً مؤكداً، كما يقول موقع VOX الأمريكي.
ما هي آلية عمل التعديل الـ 25 من الدستور؟
يمنح التعديل الدستوري بعض كبار المسؤولين الحكوميين القدرة على إجراء تقييم بأن الرئيس "غير قادر على أداء سلطات وواجبات منصبه"، وأول شخص يجب أن يشارك في هذا الإجراء هو نائب الرئيس مايك بنس، الذي سيحتاج إلى انضمام أغلبية من "كبار المسؤولين في الإدارات التنفيذية" إليه.
لذلك، سيتعين على مايك بنس وأغلبية تلك المجموعة من الوزراء (8 من أصل 15 شخصاً على الأقل) أن يوقعوا على "إعلان مكتوب" بأن ترامب غير قادر على تحمل المهام الموكلة إليه. وإذا فعلوا ذلك، وأرسلوا هذا الإعلان إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت تشاك غراسلي، يفقد ترامب سلطاته، مما يجعل بنس رئيساً بالنيابة بشكل مباشر.
وسيظل ترامب من الناحية الفنية يحمل لقب الرئيس، لكنه لن يتمتع بالسلطة القانونية لفعل أي شيء بعد الآن. وإذا جرد ترامب من صلاحياته، فإن التعديل الدستوري سيوفر له أيضاً طريقة لمحاولة استعادة صلاحياته.
إذ سيتعين على ترامب إرسال إعلانه المكتوب إلى بيلوسي وغراسلي بأنه "لا يوجد لديه عجز عن أداء المهام الموكلة إليه". وبعد ذلك، سيكون أمام نائب الرئيس ومجلس الوزراء أربعة أيام يمكنهم خلالها إعادة تأكيد إعلانهم أن ترامب غير قادر على الخدمة، وعند ذلك يبتّ الكونغرس في القضية في اجتماع يعقده في غضون 48 ساعة لذلك الغرض إذا لم يكن في دورة انعقاد.
وإذا قرّر الكونغرس، في غضون 21 يوماً من تسلُّمه التصريح الخطي الثاني، أو في غضون 21 يوماً من الموعد الذي يجب فيه انعقاد المجلس، إذا لم يكن في دورة انعقاد، وبأكثرية ثلثي أصوات مجلسي الشيوخ والنواب، أن الرئيس عاجز عن القيام بسلطات ومهام منصبه، يستمر نائب الرئيس في تولي السلطات والواجبات كرئيس بالوكالة، أما إذا كان الأمر خلاف ذلك فيستأنف الرئيس القيام بسلطات وواجبات منصبه.
ومن المثير للاهتمام أن تحديد 21 يوماً يعني أنه في الوضع الحالي، لن يضطر الكونغرس إلى فعل أي شيء على الإطلاق، إذ تنتهي ولاية ترامب في المنصب بعد 13 يوماً، أي ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني.
لذا فإن مايك بنس، بالإضافة إلى ثمانية وزراء في الحكومة، لديهم السلطة الكاملة لتجريد ترامب من صلاحياته لبقية المدة، إذا كانوا يريدون ذلك بالفعل.
هل سيفرق كثيراً قرار عزل ترامب الآن إذا كان سيرحل عن السلطة بعد أسبوعين؟
أعمال العنف التي جرت يوم الأربعاء وطريقة تعامل ترامب معها، وتمسّكه بمزاعم لا أساس لها من الصحّة بأنّه خسر الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر بسبب عمليات تزوير واسعة النطاق لم يقدّم أيّ دليل على حدوث أي منها، وغير ذلك من السلوكيات الغريبة، لا تزال تثير التساؤلات حول القدرات الذهنية للرئيس الأمريكي على إكمال حتى آخر أسبوعين متبقيين له من ولايته، فخلال أسبوعين يمكن أن يحدث الكثير أيضاً ولم يعد أحد يتنبأ بأفعال الرئيس ترامب حتى أقرب الناس إليه.
وعقب أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تخلّلها مقتل 4 متظاهرين، دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف اليومية إلى اللجوء لهذا الخيار الدستوري حتّى وإن لم يتبقّ سوى أسبوعين لترامب في البيت الأبيض.
وأرسل جميع النواب الديمقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى مايك بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الـ25 من الدستور "دفاعاً عن الديمقراطية". واعتبر النواب في رسالتهم أنّ الرئيس المنتهية ولايته "مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها".
والفكرة نفسها تكرّرت في افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست". وقالت الصحيفة الواسعة الانتشار إنّ "المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أنّ بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية الأمريكية. يجب عزله".
وأضافت أنّ "الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه للأيام الـ14 المقبلة. كلّ ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي".
فيما أعلن برلمانيون آخرون من أمثال النائبة إلهان عمر أنّهم بصدد تقديم طلب لمحاكمة ترامب في الكونغرس بهدف عزله، لكنّ هذه الآلية تستغرق وقتاً طويلاً، ومن غير المرجّح أن تنتهي قبل 20 كانون الثاني/يناير حين سيتسلّم جو بايدن مقاليد السلطة.