عزز اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل فرص الأخيرة لتنفيذ وإنجاز مشروع تحلم به منذ فترة طويلة، وهو ربطها بدول الخليج العربي عبر خط سكة حديد، تحت مسمى "سكة حديد السلام"، والتي ستكون بديلة لسكة حديد الحجاز التاريخية التي دمرت مع نهاية الدولة العثمانية، التي كانت تربط مدينة حيفا بالحدود الأردنية عبر الضفة الغربية، ومنها إلى السعودية ودول الخليج.
وقبل نحو 3 أعوام، وتحديداً في أبريل/نيسان 2017، كشف وزير النقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس لأول مرة عن خطة لإنشاء ما سماه "سكك حديدية للسلام الإقليمي"، لربط إسرائيل مع ما وصفها بـ"الدول العربية المعتدلة" في الخليج العربي. ويتمثل المشروع، بحسب الوزير الإسرائيلي، في تأسيس شبكة سكك حديدية إقليمية عابرة لمنطقة الشرق الأوسط، تربط إسرائيل بدول الخليج مروراً بكل من الأردن والسعودية.
وبشكل علني، طرحت إسرائيل فكرة المشروع عام 2018، ثم جددت الحديث عنه بعد الإعلان عن اتفاق تل أبيب وأبوظبي على التطبيع برعاية أمريكية في أغسطس/آب الماضي. وتدعي تل أبيب أن المشروع يهدف إلى ربط منطقة الخليج بأوروبا والولايات المتحدة عبر إسرائيل من خلال الأردن، ما يقلل المسافة ويخفض التكاليف. لكنّ خبراء ومختصين يحذرون من أن المشروع يحمل مخاطر اقتصادية وعسكرية على المنطقة، وينذر باغتصاب حقوق الشعوب وترسيخ التبعية وتعزيز الهيمنة الإسرائيلية.
الهدف من مشروع "سكة الحديد السلام" إدماج إسرائيل بالمنطقة بشكل نهائي
يرى الكاتب والباحث اللبناني علي باكير، أن "هذا المشروع كمشروع خط أنابيب نقل النفط ومشروع الخط البحري، كلها مشاريع تستهدف بشكل أساسي إدماج إسرائيل بالمنطقة بشكل عضوي ونهائي".
وأضاف لوكالة الأناضول، أن هذا الإدماج يأتي "دون أن تضطر إسرائيل إلى تقديم أي شيء للفلسطينيين أو العالم العربي بشأن إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية أو الالتزام بقرارات الأمم المتحدة أو حتى تطبيق مبادرة السلام العربية".
واعتبر باكير أن هذا "المشروع يعكس دور أبوظبي الوظيفي في خدمة إسرائيل"، ويحمل "أضراراً هائلة على العالم العربي من جهة، وعلى دول بعينها، كمصر مثلاً، سياسياً واقتصادياً وأمنياً".
مشيراً إلى أن مشروع سكة الحديد الإسرائيلي "سيقوّض من دور مصر السياسي في العالم العربي لصالح الإمارات وإسرائيل، وسيتسبب بأضرار بالغة للاقتصاد المصري".
واستطرد: "كما سيحول دول الخليج إلى تابع لإسرائيل أو معتمد عليها اقتصادياً، وهو ما سيتسبب في مخاطر أمنية.. لو كانت نية أبوظبي حسنة لكان بإمكانها العمل على إحياء خط الحجاز، بدلاً من العمل بشكل حثيث على إدماج إسرائيل بالمنطقة دون أي مقابل". وتم تدشين خط سكة حديد الحجاز في عهد الدولة العثمانية، قبل 112 عاماً، وقد ربط وأنعش دول المنطقة.
حلم إسرائيلي قديم.. سيكون مقدمة لتطبيع السعودية مع تل أبيب
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السفير السعودي في الأردن، نايف بن بندر السديري، عما وصفه بـ"أضخم مشروع بتاريخ العلاقات بين البلدين" يتمثل بسكة حديد تربط السعودية بالأردن عبر مدينة العقبة جنوباً سيمتد إلى العاصمة عمّان، حيث يقول محللون إن هذا الإعلان هو البداية لربط دول الخليج بإسرائيل عبر المشروع الذي كانت قد أعلنت عنه تل أبيب مراراً تحت اسم "سكة حديد السلام".
ويبدو أن كلاً من إسرائيل والدول الخليجية الأخرى -وعلى رأسها السعودية- باتوا يرون أن الوقت قد حان لهذا المشروع الضخم، ففي الآونة الأخيرة وبعد توقيع اتفاقيات تطبيع رسمية بين إسرائيل من جهة، وكل من الإمارات والبحرين من جهة أخرى، برزت المملكة العربية السعودية كواحدة من أهم الدول التي تقف في "طابور طويل"، لتوقيع اتفاقات تطبيع مع إسرائيل كما تقول الإدارة الأمريكية.
وقبل يومين من الإعلان السعودي عن هذا المشروع لأول مرة من عمّان، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت صحيفة The Jerusalem Post العبرية قد قالت إن رئيس الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، كشف في محادثات مغلقة أن إعلان السعودية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بات وشيكاً، وأن هناك تطورات كبيرة قد يشهدها هذا الموضوع خلال الفترة المقبلة.
من جهته، يقول ياسر عبدالعزيز، وهو كاتب مصري، إن "خط سكة الحديد بين الخليج والبحر المتوسط هو حلم للكيان المحتل (إسرائيل) منذ زمن بعيد لربطه بالخليج، وله أبعاده الجيوستراتيجية".
وأضاف عبدالعزيز للأناضول، أن للمشروع أيضاً أبعاداً "من الناحية العسكرية والاقتصادية، وعلى مستوى التطبيع الشعبي، الذي طالما حلم به الكيان المحتل".
وتابع: "الإمارات تحاول تسويق المشروع على أنه خادم للاقتصاد الإماراتي، وهو على العكس تماماً. كان حلماً ويتحول إلى واقع من خلال اتفاق التطبيع الإماراتي مع الاحتلال.. والمشروع، لو دققنا في خط سيره هو مقدمة لتطبيع السعودية مع الاحتلال".
"سكة حديد السلام".. أضرار كبيرة وخطيرة على العالم العربي
ويرى عبدالعزيز أن "المشروع الإسرائيلي له أضرار كبيرة على الأمن القومي العربي بل والإسلامي، فبنظرة بسيطة للأهمية الجيوستراتيجية والجيوسياسية للأمة العربية والإسلامية نجد أن إطلالتها على أهم المضائق والبحار يعطي لها ميزة كبيرة على عكس الكيان المحتل، الذي أخذ منفذاً على البحر المتوسط".
وأردف: "وعليه فإن المضائق والممرات المائية التي تمر منها نسبة كبيرة من تجارة العالم ونسبة كبيرة أيضاً من الطاقة، وقناة السويس، التي ستنتهي للأبد، ستكون بيد تل أبيب حكماً".
واستطرد: "المشروع يمنع الربط بين الدول العربية، على عكس سكة حديد الحجاز، التي كانت تهدف لتوحيد الأمة الإسلامية. ومن ناحية أخرى هو مشروع الإمارات وإسرائيل، ويجعل مقدسات المسلمين في فلسطين والحجاز رهن قرار تل أبيب الأكثر قوة تقنياً وعسكرياً واقتصادياً".
"التطبيع العربي مع إسرائيل لا يكتمل إلا بمشاريع ضخمة"
وذهبت عايدة بن عمر، كاتبة وصحفية تونسية، في حديث للأناضول، إلى أن "هذا المشروع هو جزء صغير مما تُسمى صفقة القرن، وشعارها التطبيع مقابل الازدهار".
وأوضحت: "بمعنى تحقيق أرضية ازدهار اقتصادي مقابل الاعتراف الكامل بالكيان الصهيوني، لذلك يتزامن إعلان التطبيع مع إبرام صفقات لمشاريع ضخمة". ورأت أن تلك المشاريع "قد تكون مضخمة لممارسة نوع من الإرهاب النفسي للضغط على الدول التي ما زالت تمانع التطبيع"، حسب تعبيرها.
وحذرت من أن المشروع الحديدي "يعزز مصالح إسرائيل في المنطقة، ولا يمكن لمن يقف وراءه أن يستشير أنظمة هذه الدول، فهي أنظمة وظيفية غير شرعية لا تملك قرارها".
ورأت "بن عمر" أنه "لا مانع لدى الرياض من إقامة علاقات علنية مع إسرائيل لولا الحرج الأخلاقي والبعد الروحي لبلاد الحرمين والأماكن المقدسة للمسلمين، وأيضاً خشية فقدانها ما تُسمى بمرجعيتها الإسلامية".
مشيرة إلى "التوافق بين محمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) ومحمد بن سلمان (ولي عهد السعودية) كفيل بحل هذا الإشكال، ولا خوف من أي خطر عسكري أو إرهابي على هذا الخط، فستتوفر له حماية شديدة وسيصبح المساس به كالمساس بالأمن القومي".
و"بحجة الحفاظ على أمن المشروع ربما تتمادى إسرائيل في الهجوم على ما تعتبرها أهدافاً معادية لها، وربما تضع حقوق الفلسطينيين ضمن تلك الأهداف، وحتى الأمن القومي للدول التي تستضيف المشروع، قد يكون في خطر أكبر".
وختمت بن عمر بالقول أن "المنطقة بحاجة لمشروع مثالي يعزز أمنها ويربطها اقتصادياً ويعزز وحدتها الإسلامية والعربية، كما كان مشروع خط الحجاز.. كانت أهدافه مثالية لشعوب المنطقة، وهو ما جعل القوى الاستعمارية تدمره خلال الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، بدلاً من المشروع الإسرائيلي الذي يحمل أخطاراً متعددة".