فرضت الصين قيوداً على أعمال جاك ما، مؤسس شركة علي بابا الشهيرة، بعدما كانت قد تسببت في إفشال خططه لطرح أكبر اكتتاب بالعالم في اللحظات الأخيرة، الأمر الذي أثار مخاوف من اتجاه بكين لفرض قيود تهدد شركاتها الكبرى.
وأمر المنظمون الصينيون الحكوميوت شركة Ant Group المالية العملاقة، التابعة لشركة جاك ما (Jack Ma)، بأن تعود إلى جذورها كمزوِّد لخدمات المدفوعات، مما يهدد بخنق النمو في أنشطتها التجارية الأكثر ربحاً من قروض المستهلكين وإدارة الثروات، وذلك حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وقال بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، في بيان، الأحد 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، إنه استدعى المديرين التنفيذيين لشركة Ant خلال عطلة نهاية الأسبوع، وطلب منهم "تصحيح" خدمات الإقراض والتأمين وإدارة الثروات للشركة. وفي حين لم يطلب مباشرةً تفكيك الشركة، شدد البنك المركزي على أن Ant بحاجة إلى "فهم ضرورة إصلاح أعمالها" ووضع جدول زمني في أقرب وقت ممكن.
تمثل سلسلة المراسيم تهديداً خطيراً لعملية توسيع إمبراطورية Ma المالية عبر الإنترنت، والتي نمت بسرعة، من عملية شبيهة بـPayPal إلى مجموعة كاملة من الخدمات على مدار الأعوان الـ17 الماضية.
إفشال أكبر اكتتاب بالبورصة في العالم
قبل تدخُّل المنظمين الحكوميين، كانت Ant تستعد لإدراجها في قائمة عامة من شأنها أن تقدَّر قيمتها بأكثر من 300 مليار دولار، فيما كان سيصبح أكبر اكتتاب في العالم، الأمر الذي أفقد شركة علي بابا أكثر من 200 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وقال البنك المركزي الصيني، إن شركة Ant استخدمت هيمنتها لاستبعاد المنافسين، مما أضر بمصالح مئات الملايين من المستهلكين، وتم فتح تحقيق في الممارسات الاحتكارية المزعومة في شركة Alibaba Group Holding Ltd التابعة لشركة Ant.
ونصحت الحكومة مؤسس شركة علي بابا، الذي يعد أغنى رجل في الصين، بالبقاء في البلاد، حسبما نقلت وكالة Bloomberg عن شخص مطلع على الأمر.
المنظمون الحكوميون، ومن ضمنهم لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، يزنون الشركات التي يجب أن تتخلى Ant عن السيطرة عليها لاحتواء المخاطر التي تشكلها هذه الخطوات على الاقتصاد، حسبما قال مسؤولون على دراية بالموضوع.
ولم يستقر المسؤولون الصينيون على ما إذا كان عليهم تقسيم خطوط عملياتها المختلفة، أو تقسيم خدماتها عبر الإنترنت وغير المتصلة بالإنترنت، أو اتباع مسار مختلف تماماً.
لماذا تضيّق الصين الخناق على مؤسس شركة علي بابا؟
انتقادات للحكومة
يُعرف مؤسس شركة علي بابا بأنه ناقد جريء نسبياً بالمعايير الصينية.
ألغت السلطات الطرح العام الأوَّلي الضخم المخطط له لشركة Ant، بعد أقل من أسبوعين من انتقاد السيد "ما" علناً المنظمين الماليين؛ لكونهم مهووسين بتقليل المخاطر.
واتهم البنوك الصينية بالتصرف مثل "مكاتب الرهونات" من خلال إقراض أولئك الذين يمكنهم تقديم ضمانات فقط.
نجم روك يفاخر بثرائه
يُعتقد أن الموقف تجاه مؤسسة شركة علي بابا محاولة من الحكومة لتقليص السخط، من جرّاء الحديث في البلاد عن فجوة متزايدة في الثروة وتناقص فرص الشباب.
وينبع التحول في الصورة العامة للسيد "ما" في جزء كبير منه، من الانتقادات المتزايدة للحكومة الصينية لإمبراطوريته التجارية.
في الصين، جاك ما مرادف للنجاح. مدرس اللغة الإنجليزية الذي تحول إلى رائد أعمال عبر الإنترنت، هو أغنى شخص في البلاد. أسس علي بابا، وهو أقرب شيء منافس أو نظير لـ"أمازون"، عملاق البيع بالتجزئة الأمريكي.
بعد انتخاب دونالد ج.ترامب رئيساً في عام 2016، كان السيد "ما" أول شخص صيني رفيع المستوى التقاه.
وقد تُرجم هذا النجاح إلى حياة على غرار نجوم الروك وأطلق عليه على الإنترنت "Daddy Ma"، لقد لعب دور سيد الكونغ فو الذي لا يُقهر في فيلم قصير عام 2017، مليء بنجوم السينما الصينيين.
لقد غنى مع فاي وونغ، مغنية البوب الصينية. وبيعت لوحةٌ رسمها مع Zeng Fanzhi، أفضل فنان صيني، في مزاد سوثبيز بمبلغ 5.4 مليون دولار.
بالنسبة لشباب الصين الطموح، كانت قصة بابا ما (Daddy Ma) قصة ملهمة، وجاكي شان الرأسمالية الصينية.
لكن في الآونة الأخيرة، توترت المشاعر العامة وأصبح Daddy Ma الرجل الذي يعبر الناس في الصين عن الكراهية تجاهه.
لقد أُطلق عليه لقب "الشرير" و"الرأسمالي الشرير" و"الشبح الدموي".
يترك عدد متزايد من الناس تعليقات مقتبسة من ماركس على أخباره: "يا عمال العالم، اتحدوا!".
تُظهر نظرة تحت السطح اتجاهاً أعمق وأكثر إثارة للقلق، لكل من الحكومة الصينية ورجال الأعمال الذين ساعدوا البلاد على الخروج من عصورها الاقتصادية المظلمة على مدار العقود الأربعة الماضية.
يبدو أن عدداً متزايداً من الناس في الصين يشعرون بأن الفرص التي تمتع بها أشخاص مثل السيد "ما"، آخذة في الاختفاء.
أظهرت جائحة كورونا عديداً من التناقضات، فعدد المليارديرات في الصين يفوق عدد المليارديرات بالولايات المتحدة والهند مجتمعين، في وقت يكسب نحو 600 مليون من سكانها 150 دولاراً شهرياً أو أقل.
وبينما انخفض الاستهلاك في الأشهر الـ11 الأولى من هذا العام بنحو 5% على الصعيد الوطني، من المتوقع أن ينمو استهلاك السلع الفاخرة في الصين بنحو 50% هذا العام مقارنة بعام 2019.
يواجه خريجو الجامعات الشباب، حتى الحاصلين على درجات علمية من الولايات المتحدة، فرص عمل محدودة وأجوراً منخفضة. أصبح السكن في أفضل المدن مكلفاً للغاية بالنسبة للمشترين لأول مرة.
الشباب الذين اقترضوا من جيل جديد من المقرضين عبر الإنترنت، مثل Mr. Ma's Ant Group، لديهم ديون يستاءون منها بشكل متزايد.
كتب أحد المعلقين عبر الإنترنت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي انتشر على نطاق واسع، مشيراً إلى شعار الإعدام العشوائي الشهير في الثورة الفرنسية، "À la lanterne!": "سيتم بالتأكيد شنق ملياردير بارز مثل جاك ما، على رأس عمود الإنارة".
نال المقال الإعجاب 122 ألف مرة على منصة Weibo الشبيهة بـ"تويتر"، وقراءته أكثر من 100 ألف مرة على تطبيق المراسلة ووسائل التواصل الاجتماعي WeChat.
يبدو أن الحزب الشيوعي الصيني مستعد للاستفادة من هذا الاستياء.
قد يعني هذا حدوث مشكلات لرواد الأعمال والشركات الخاصة في ظل حكم الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يقدر الخنوع والولاء فوق كل شيء آخر، حسب تعبير صحيفة The New York Times الأمريكية.
في اجتماع القيادة السنوي، مؤخراً، والذي حدد نغمة السياسات الاقتصادية للبلاد للعام المقبل، تعهد الحزب بتعزيز تدابير مكافحة الاحتكار ومنع "التوسع غير المنضبط لرأس المال".
يتساءل بعض رجال الأعمال عن ماهية اتجاه البلاد الجديد الذي أظهره العداء تجاه شركة Ant وجاك.
قال فريد هو، مؤسس شركة الاستثمار "بريمافيرا كابيتال جروب" في هونغ كونغ: "يمكن أن تكون لديك سيطرة مطلقة أو أن يكون لديك اقتصاد ديناميكي ومبتكر"، مستدركاً: "ولكن من المشكوك فيه أن يكون لديك كلاهما". شركته مستثمر في Ant Group، وهو عضو بمجلس إدارة Ant.
لم يخفِ الرئيس الصيني ما يجب أن تكون عليه رأسماليته المثالية، رأسماليون يوجهون التبرعات للمجتمع، أو -كما قالت الرئاسة الصينية- شخصيات الأعمال في عهد الرئيس شي يجب أن تضع أمّتهم في أولويات اهتمامات الشركات.
مؤسس شركة علي بابا لديه مشاريعه الخيرية رفيعة المستوى، مثل العديد من المبادرات بالتعليم الريفي وجائزة للمساعدة في تطوير المواهب الريادية بإفريقيا. لكن في كثير من النواحي الأخرى، يختلف رائد الأعمال التكنولوجي الملتهب اختلافاً كبيراً عن نموذج رجل الأعمال الذي يريده الرئيس الصيني.
ولكن الأمر يتعلق بالسيطرة على الإنترنت أيضاً
يشير الضغط على مؤسس شركة علي بابا إلى تحول في كيفية تنظيم الحكومة الصينية للإنترنت، فهو جزء من جهود أوسع لكبح مجال الإنترنت المؤثر بشكل متزايد. قال المنظمون إنهم سوف يكسرون "بحزمٍ"، الممارسات الاحتكارية ولن يتسامحوا مطلقاً مع أي أنشطة مالية غير مشروعة، مع الحفاظ على القدرة التنافسية العالمية لشركات التكنولوجيا المالية الصينية في المستقبل.
لقد خضع الإنترنت للرقابة منذ فترة طويلة على المحتوى، ولكن بطرق أخرى تبنَّت الحكومة نهج عدم التدخل.
اليوم، تتحكم Alibaba ومنافستها الرئيسية، Tencent، في مزيد من البيانات الشخصية وتشارك بشكل وثيق في الحياة اليومية بالصين أكثر من Google و Facebook وعمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الآخرين في الولايات المتحدة.
ومثل نظرائهم الأمريكيين، يتنمر العمالقة الصينيون أحياناً على المنافسين الصغار ويقتلون الابتكار. ليس عليك أن تكون عضواً في الحزب الشيوعي لترى أسباباً لكبح جماحهم.
بدلاً من تعطيل نظام الدولة، التزمت الشركات به. في بعض الأحيان يساعدون السلطات في تعقُّب الأشخاص. ومع ذلك، نظرت الحكومة بشكل متزايد إلى حجم شركات التكنولوجيا وتأثيرها على أنه تهديد.
من السابق لأوانه معرفة إلى أي مدى سيذهب المنظمون في كبح جماح مؤسس شركة علي بابا وغيره من أصحاب شركات التكنولوجيا الكبيرة. لكن بعض المؤيدين للسوق بالصين قلقون من أن البلاد تنجرف نحو الخط المتشدد الذي حدث في الخمسينيات، عندما ألغى الحزب الطبقة الرأسمالية، مستخدماً لغة تقارن الميول الرأسمالية بالشوائب والعيوب والضعف.
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، فإن بعض اللغة التي استخدمها مؤخراً إريك جينغ، رئيس شركة Ant، تستحضر العصر. في مؤتمر عُقد في 15 ديسمبر/كانون الأول، قال إن الشركة "تنظر في المرآة، وتكتشف عيوبنا وتجري فحصاً جسدياً".