أصبحت المواجهة علنية بين رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي وميليشيات الحشد الشعبي، ووصلت إلى حد تهديد مسؤول أمني بـ"قطع أذنَي" رئيس الوزراء، فهل يتمكن الكاظمي فعلاً من تحرير العراق من قبضة إيران؟
كيف ردَّ الكاظمي على تهديده؟
الأحد 27 ديسمبر/كانون الأول الجاري، صدرت مذكرة اعتقال بحق المسؤول الأمني في كتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، بعد ساعات من تهديداته لرئيس الوزراء.
ووجهت محكمة تحقيق الكرخ المختصة بنظر قضايا الإرهاب في العراق، أعضاء الضبط القضائي وأفراد الشرطة كافة بالقبض على المتهم حسين مؤنس فرج العبودي، المدعو أبو علي العسكري. وذكرت أن الاعتقال يأتي على خلفية الإرهاب.
وتزامن ذلك التصعيد من جانب رئيس الوزراء مع انتشار قوات الأمن العراقية بكثافة في أحياء متفرقة من العاصمة بغداد، في مواجهة تهديد ميليشيات مسلحة بالنزول الى الشارع، في حال لم تستجب الحكومة لمطالبها بإطلاق سراح المعتقلين من عناصرها.
ومن الواضح أن الأمور تتجه سريعاً نحو مزيد من التصعيد، في ظل إصرار الكاظمي على تقليص نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي التي تدعمها إيران، وهي المهمة التي فشل في تحقيقها رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.
فقد أرسل الكاظمي مبعوثاً خاصاً إلى طهران، حاملاً رسالة احتجاج بشأن تصريحات "العسكري" التي هدد فيها رئيس الوزراء. ويُعتبر حزب الله العراقي من أبرز ميليشيات الحشد الشعبي، التي وإن انضويت تحت القوات العراقية بقرار من رئيس مجلس الوزراء، فإنها تدين بالولاء التام لطهران.
ماذا يمتلك الكاظمي من أوراق؟
وكان "العسكري"، المسؤولُ الأمني في حزب الله العراقي، قد كتب على حسابه بموقع تويتر، مساء السبت الماضي: "ندعو الكاظمي الغدار ألا يختبر صبر المقاومة بعد اليوم، فالوقت مناسب جداً لتقطيع أذنيه كما تُقطع آذان الماعز".
لكن مذكرة اعتقال "العسكري" لم تصدر بسبب تهديداته لرئيس الوزراء، فـ"العسكري" يعتبر المشتبه به الرئيسي في اغتيال الخبير الأمني والمحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي في يوليو/تموز الماضي، بحسب مصادر أمنية عراقية.
وقد أجمع المراقبون وقتها على أن اغتيال الهاشمي- وهو معارض شرس للنفوذ الإيراني بالعراق- كان في حد ذاته رسالة إلى الكاظمي، الذي يخوض منذ توليه منصبه معركة مع الميليشيات الشيعية الموالية لطهران بمنطق حصر السلاح بيد الدولة والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية والحيلولة دون تحوُّل الساحة العراقية إلى ساحة تصفية حسابات بين الخصوم الإقليميين والدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وإيران.
ومع اقتراب الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ونائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في ضربة أمريكية قرب مطار بغداد مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، ترتفع وتيرة التصعيد، ويشدد الكاظمي محاولاته لاحتواء الميليشيات الشيعية، خصوصاً حزب الله العراقي.
وفي ظل حالة القلق التي تعيشها إيران وأذرعها في المنطقة هذه الأيام؛ من إقدام الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، على شن هجوم مفاجئ على إيران، يتحرك الكاظمي بصورة أكثر جرأة في مواجهة ميليشيات الحشد داخل العراق؛ حتى يجنب البلاد الوقوع فريسة لمثل هذا التطور.
وفي هذا السياق، كتب "العسكري" على حسابه بموقع "تويتر": "إن المنطقة اليوم تغلي على صفيح ساخن، وإن احتمال نشوب حرب شاملةٍ قائمٌ، وهو ما يستدعي ضبط النفس؛ لتضييع الفرصة على العدو، بألا نكون الطرف البادئ بها"، في إشارة إلى التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن.
وقال: "لعل عمليات القصف في الأيام الماضية لا تصب إلا في مصلحة عدونا ترامب. وهذا يجب ألا يتكرر".
مذكرة توقيف "العسكري" خطوة كبيرة
ولا شك في أن صدور أمر اعتقال بحق "العسكري" خطوة ضخمة بالاتجاه الذي يريده الكاظمي، لكن يظل تنفيذها والإصرار عليها هما المحك الحقيقي. إذ شهد العراق أكثر من مرة، القبض على بعض أعضاء "الحشد"، خصوصاً من حزب الله العراقي، متهمين بالمسؤولية عن إطلاق صواريخ وقذائف أخرى تستهدف المنطقة الخضراء بشكل عام والسفارة الأمريكية بشكل خاص، لكن في كل مرة كان يتم إطلاق سراحهم بعد نزول الميليشيات إلى الشوارع.
فمنذ وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء، وضع على رأس أولويات حكومته حصر السلاح بيد الدولة رغم كونها مهمة محفوفة بالمخاطر، حيث ترفض الميليشيات الموالية لإيران رفضاً قاطعاً التخلي عن سلاحها، بدعوى أنه سلاح المقاومة.
وعندما قام الكاظمي بزيارة واشنطن وبعض الدول الأوروبية قبل عدة أشهر، هاجمته وكالة الأنباء الإيرانية "مهر" بشدة واتهمته باستهداف فصائل الحشد الشعبي إرضاءً لواشنطن. كما أن الميليشيات تتهم الكاظمي الذي كان مديراً لجهاز المخابرات قبل توليه رئاسة الحكومة، بالتورط في اغتيال سليماني والمهندس.
ومن ثم فإن ملاحقة المسؤول الأمني في ميليشيات حزب الله العراقي بمثابة تتويج لما شهده العام الجاري، من توتر في العلاقة بين الكاظمي وميليشيات حزب الله العراقي، فبعد كل مداهمة لخلايا مرتبطة بالميليشيات، ضمن حملة فرض القانون، تستعرض الأخيرة قوتها في الشارع وتطلق سيلاً من التهديدات. وهذا ما يطرح السؤال بشأن مدى قدرة حكومة الكاظمي على تنفيذ هدفها؛ ومن ثم تحرير العراق من قبضة إيران، المتمثلة في ميليشيات الحشد الشعبي.