يبدو أن الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر يخطط لإشعال الحرب في ليبيا مجدداً، معتمداً بشكل كبير على مرتزقة النظام السوري بشكل أساسي هذه المرة، بعدما تم تهميشه في مفاوضات التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
فلقد دعا الجيش الليبي، أمس الأربعاء، قواته إلى رفع درجة التأهب والاستعداد لصدّ أي هجوم محتمل في خطوط التماس (سرت- الجفرة)، من جانب ميليشيا حفتر، المستمرة في إجراء تحشيدات وتحصينات، وسط أنباء عن استقباله مزيداً من المرتزقة السوريين.
ويأتي ذلك في وقت أكد المفتش العام في وزارة الدفاع أن الإمارات العربية المتحدة تمول مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، وذلك بعدما أكد تقرير أممي سُلم لمجلس الأمن قبل ذلك، أن مرتزقة من مجموعة "فاغنر" الروسية ومقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق لدعم المشير خليفة حفتر في ليبيا، واعتبر الخبراء أن مشاركة هؤلاء المرتزقة "كانت بمثابة قوة مضاعفة" لقوات حفتر.
ويؤكد الخبراء أيضاً أن لديهم أدلة على نقل مقاتلين سوريين من دمشق إلى ليبيا، حسب ما ورد في موقع فرانس 24.
تركيا تتأهب
كانت تركيا قد أكدت في فبراير/شباط الماضي وجود مقاتلين سوريين مدعومين من أنقرة في ليبيا، لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، منافسة المشير حفتر.
وصادق البرلمان التركي، في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، على مذكرة تقضي بتمديد نشر عسكريين في ليبيا لثمانية عشر شهراً، بعدما أدى تدخل أنقرة إلى جانب حكومة طرابلس إلى عكس مسار النزاع، وفقاً لوكالة أنباء الأناضول.
وعرضت الرئاسة التركية المذكرة التي برّرتها باحتمال اشعال حفتر الحرب في ليبيا مجدداً واستئناف هجماته على حكومة الوفاق التي تعترف بها الأمم المتحدة.
أين عقوبات الأمم المتحدة؟
وأدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مؤخراً، ما وصفته بـ"الحملات الخطيرة" التي تستهدف ملتقى الحوار السياسي الليبي.
وسبق أن حثت ستيفاني وليامز مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا مجلس الأمن الدولي على إدراج أي شخص يعرقل جهود السلام على قائمة سوداء، بعد أن اتّفق الطرفان المتحاربان على وقف إطلاق النار، وحدد المشاركون الليبيون في المحادثات السياسية موعداً للانتخابات.
وقالت ستيفاني وليامز لمجلس الأمن "هذا المجلس لديه أدوات تحت تصرفه، بما في ذلك منع المعرقلين من تعريض هذه الفرصة النادرة لاستعادة السلام في ليبيا للخطر، أدعوكم لاستخدامها".
ولكن اللافت هو صمت البعثة الأممية عن انتهاكات حفتر الأخيرة، خاصة في مدينة أوباري الغنية بالنفط، وهو الأمر الذي عبَّر عنه المجلس الأعلى للدولة الليبي التابع لحكومة الوفاق، مؤخراً الذي أعرب عن "استغرابه لصمت البعثة الأممية إزاء الانتهاكات في أوباري، وسط تقارير من وسائل إعلام الدول المؤيدة لحفتر، تحتفي بما تقول إنه سيطرة لقوات الجنرال على المدينة.
وفي شهر أغسطس/آب 2020، اتفق طرفا النزاع الرئيسيان على وقف إطلاق النار، وحدد المشاركون الليبيون في المحادثات السياسية الأسبوع الماضي، 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، موعداً للانتخابات.
ولكن منذ إطلاق المفاوضات بعد هزيمة قوات حفتر وتراجعها عن طرابلس، فإن حفتر استبعد تقريباً من أطروحات الحل السياسي وتصدر المشهد من شرق ليبيا رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح.
ولا يمكن استبعاد أن حفتر يحاول تعزيز قوته وإشعال الحرب في ليبيا مجدداً باعتبارها وسيلته الوحيدة لتصدر المشهد الليبي، لأن التسوية السلمية لن تكون في صالحه.
وفي رد فعل استباقي على ما يبدو، قال الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، في بيان: "ندعو كافة القوات المساندة لرفع درجة التأهب والاستعداد لصدّ أي تحرك مرتقب لقوات المرتزقة"، في محور سرت (450 كلم شرق العاصمة طرابلس)، والجفرة (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، وفق المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، على حسابه بـ"تويتر".
محاولة حفتر لتكرار غزوة طرابلس قد تُفضي لإشعال الحرب في ليبيا مجدداً
وجدَّد الجيش الليبي التأكيد على دعمه لمبدأ الحوار والتوافق بين الليبيين مهما حدث، شرط إخلاء تمركزات المرتزقة وإزالة الألغام.
وأردف: "قوات المتمرد تقوم بزراعة الألغام وحفر الخنادق وجلب المرتزقة حول سرت والجفرة، بالإضافة لحشد الآليات الثقيلة والمدفعية، والتي إن دلت على شيء إنما تدل على نية حفتر إعادة الكرّة كما فعل في 4 أبريل/نيسان 2019" (وفي ذلك اليوم بدأت ميليشيا حفتر هجوماً على طرابلس).
وآنذاك استغل حفتر فرصة الاسترخاء العسكري الناجم عن تقدم جهود الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية، وهاجم طرابلس بالتزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للمدينة لوضع اللمسات الأخيرة على العملية السلمية، مما أدى إلى إشعال الحرب في ليبيا والتي قتلت الآلاف دون نتيجة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ذلك الوقت إنه يغادر ليبيا وهو "مفطور القلب" ويشعر بقلق شديد، بعد أن عقد اجتماعاً مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إثر شنه هجوماً على طرابلس.
واستمر الهجوم على طرابلس إلى أن دعمت تركيا مطلع هذا العام حكومة الوفاق بطائرات بدون طيار ومقاتلين سوريين، ما مكنها من إفشال الهجوم والتقدم نحو سرت، حيث توقفت وبدأت العملية السلمية.
الرهان على مرتزقة الأسد هذه المرة
ويبدو أن حفتر بعد هزيمته في طرابلس يراهن هذه المرة على مرتزقة النظام السوري لدعمه في حال اسئتناف الحرب في ليبيا، إذ أعلن الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، الجمعة، رصد 12 رحلة جوية تنقل مرتزقة من سوريا إلى مناطق سيطرة حفتر، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقالت ستيفاني ويليامز إن هناك ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل ومرتزق أجنبي في الدولة التي مزقتها الحرب، محذرة من "أزمة خطيرة" مع استمرار تدفق الأسلحة إلى الأراضي الليبية.
ووثقت شبكات حقوقية قيام روسيا والنظام بتجنيد الآلاف من الشبان السوريين في عدة مدن منها درعا والسويداء وحمص والحسكة وحماة ودير الزور، لإرسالهم إلى ليبيا، مستغلةً الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة الأسد.
وذكرت مصادر محلية سورية، أن حملةً جديدة أطلقتها روسيا في دير الزور لتجنيد العشرات من المرتزقة للقتال في ليبيا بعد تركهم لميليشيات الأسد.
وبحسب تقارير إعلامية، فقد وصل عدد السوريين الذين أرسلتهم روسيا للقتال في ليبيا حتى شهر يونيو/حزيران الفائت، 2700 مرتزق، براتب شهري يصل إلى 1000 دولار.
ومنذ الاتفاق على وقف إطلاق النار، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رصد الجيش تحركات عديدة مريبة لميليشيا حفتر قرب خطوط التماس، خاصة في مدينتي سرت والجفرة والجنوب الليبي.
وأجرت ميليشيا حفتر، مؤخراً، مناورات بالذخيرة الحية، جربت فيها أسلحة جديدة، وشارك فيها الطيران، ما يعطي انطباعاً بوجود استعدادات لمعارك أكبر وأوسع.
وتأتي حشود حفتر رغم أن الفرقاء الليبيين حققوا تقدماً، خلال حوار سياسي وعسكري، في مسعى لإنهاء النزاع سلمياً، برعاية الأمم المتحدة.
إلا أن هناك خلافاً نشب بين هيئة التأسيسية لمشروع الدستور مع بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بعد إعلان الأخيرة تشكيل لجنة قانونية للاتفاق على الترتيبات الدستورية المؤدية إلى الانتخابات، في حين تصاعدت من جهة أخرى الخلافات بين أعضاء مجلس النواب الليبي على الرئاسة الجديدة.
ووصفت الهيئة قرار الأمم المتحدة بأنه التفاف حول مشروع الدستور الذي وصلت إليه الهيئة، وهي المكلفة دستورياً بذلك، لإرضاء مؤيدي عقيلة صالح الذين يريدون استمراره رئيساً لمجلس النواب.