مرر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون إنفاق ضخم بواقع 2.3 تريليون دولار، يضم حزمة إغاثة تخص أزمة كورونا موجهة إلى الأفراد والشركات كذلك، إضافة إلى التمويلات المخصصة إلى جوانب الإنفاق الحكومية الأخرى في 2021، بما في ذلك مساعدات أجنبية بمليارات الدولارات، موجهة إلى إسرائيل.
في وقت متأخر من مساء الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول، تسببت منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تقول إن إسرائيل كانت ستتلقى أموالاً للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا، في إثارة حالة من الاستياء، ولاسيما نظراً إلى أن الأمريكيين العاديين سوف يحصلون على مبلغ زهيد فقط من المساعدات، وهو 600 دولار، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
برغم أن المساعدات المرسلة إلى إسرائيل نُصّ عليها في التشريع، فإنها في واقع الأمر جزءٌ مما يطلق عليه مشروع "قانون الإنفاق الجامع"، الذي يغطي الموارد المالية المخصصة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، لذا فإن هذه المساعدات المالية ليست مرتبطة بأزمة كورونا.
انتقادات تطال حجم الانفاق الأمريكي على إسرائيل
ومع ذلك، يمنح مشروع القانون مجموعة من الهدايا المالية والسياسية إلى إسرائيل في وقت يتعاظم فيه التدقيق والرقابة داخلياً ودولياً على سجل إسرائيل المتعلق بحقوق الإنسان. وذلك في ظل تصاعُد الأصوات خلال السنوات الأخيرة باتجاه دعم حقوق الإنسان للفلسطينيين والضغط لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، بما في ذلك جعل المساعدات مشروطة بل ودعم المقاطعة، حتى بين النواب الأمريكيين.
فضلاً عن أن نقاد إسرائيل يسلطون الضوء على تجاور المساعدات العسكرية إلى إسرائيل في نفس التشريع مع حزمة الإغاثة الخاصة بأزمة كوفيد-19، التي واجهت انتقادات شديدة ووُصفت من جانب بعض المحافظين بأنها "غير كافية على نحو مؤسف".
فقد قال الصحفي الأمريكي جلين غرينوالد في تغريدة له: "الـ500 مليون دولار الموجهة إلى إسرائيل تقنياً ليست جزءاً من تشريع كوفيد، بل إنها تشريع منفصل جرى تمريره مع المساعدات الأجنبية. ومع ذلك قال الكونغرس في نفس الوقت إنهم لا يستطيعون تحمل أكثر من 600 دولار تُدفع مرة واحدة إلى الأمريكيين".
وكتب عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز على تويتر، الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول: "الجمهوريون وبعض الديمقراطيين المحافظين اعتقدوا أن شيكاً من أجل المساعدة على النجاة بقيمة 1200 دولار للطبقة العاملة، كان مكلفاً للغاية. ولكن ليس لديهم مشكلة في منح البنتاغون المتضخم 740 مليار دولار من أجل السلاح والحرب". وأضاف: "ربما، فقط ربما، حان الوقت لإعادة التفكير بصورة جوهرية في أولوياتنا الوطنية".
برغم أن بعض البنود المؤيدة لإسرائيل في تشريع الإنفاق لعام 2021 ظهرت في تشريعات سابقة، فإن الحقيقة التي تشير إلى أنه جرى تمريرها بلا تعديل تلمح إلى الدعم القوي الراسخ الذي لا تزال إسرائيل تتمتع به في الكونغرس، قبيل تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن في الشهر القادم.
تعرض السطور التالية خمس مكافآت مُنحت إلى إسرائيل في مشروع قانون الإنفاق.
1- المساعدات العسكرية لإسرائيل
من خلال تفويض المساعدة السنوية المعتادة بدون ربطها بأي قيود، يخصص مشروع القانون 3.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، توزع خلال الـ30 يوماً القادمة. ويحدد القانون أن التمويلات يجب إنفاقها على شراء أسلحة وأنظمة دفاعية تبيعها لها الحكومة الأمريكية.
وتُخصَّص 500 مليون دولار إضافية إلى برامج التعاون الإسرائيلي، وهي مبادرة يدعمها البنتاغون لتعزيز قدرات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، بما في ذلك القبة الحديدية.
تأتي الموافقة على المساعدات برغم أن أكثر من عشرة مشرعين يهددون بأن تكون المساعدات المرسلة إلى إسرائيل مشروطة بخططها الرامية إلى ضم أجزاء كبرى من الضفة الغربية، واحتلالها المستمر، وتوسع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.
2- قطع التمويل عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
يدعو التشريع إلى حجب التمويلات الأمريكية عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "إلا إذا قرر وزير الخارجية أن المشاركة في المجلس مهمة للمصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وأن مثل هذا المجلس يتخذ خطوات كبيرة لإزالة إسرائيل من الموضوعات الدائمة في أجندته".
طالما ظهر هذا البند المحدد في تشريعات الإنفاق الجامعة. لكن الرئيس دونالد ترامب انسحب ببلاده من مجلس حقوق الإنسان في 2018، مستشهداً بما وصفته إدارته بـ"التحيز ضد إسرائيل".
وتعهد الرئيس جو بايدن بإعادة بلاده إلى المشاركة في الاتفاقيات متعددة الأطراف والهيئات الدولية التي تركها ترامب. وفي الوقت ذاته، قال توني بلينكين، الذي كلفه بايدن بتولي منصب وزير الخارجية في إدارته، هذا العام إن الإدارة سوف تعارض "استهداف" إسرائيل في الأمم المتحدة.
3- تشجيع التطبيع مع إسرائيل
يكلف التشريع الرئيس ووزير الخارجية بالعمل على التأكد من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. إذ يقول: "يجب أن تطبع جميع البلاد العربية العلاقات مع جارتها إسرائيل".
ويدين كذلك مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل، يذكر التشريع: "يجب على الرئيس ووزير الخارجية أن يواصل معارضته القوية لمقاطعة الجامعة العربية لإسرائيل ويعثر على الخطوات الملموسة التي تُظهر معارضته عن طريق الأخذ في الحسبان، على سبيل المثال، مشاركة أي دولة في المقاطعة عند تقرير بيع الأسلحة إلى هذه الدولة".
يأتي التشريع في وقت وافقت خلاله الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. كوفئت الإمارات مقابل التطبيع بصفقة أسلحة ضخمة، تضمنت طائرات قتالية مسيرة ومقاتلات إف-35، برغم سجلها المتعلق بحقوق الإنسان، وكذلك تورطها العسكري في اليمن وليبيا.
سار المشرعون كذلك على نفس نهج خطة "السلام من أجل الازدهار" الخاصة بترامب، التي تسلط الضوء على المزايا الاقتصادية من التطبيع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إذ تقول: "يشجع الكونغرس التعاون بين قطاعات الأعمال الفلسطينية والأمريكية والإسرائيلية من أجل تحقيق مزايا للشعب الفلسطيني والأمريكي والإسرائيلي وأنظمتهم الاقتصادية".
4- شروط أمام تقديم مساعدات للفلسطينيين
التشريع الذي يمنح إسرائيل مليارات الدولارات بدون أي ذكر لسياسة إسرائيل، هو نفسه ما يفرض شروطاً صارمة على المساعدات الممنوحة إلى السلطة الفلسطينية.
يحظر التشريع منح المساعدات إلى الفلسطينيين إذا بذلوا مساعي أحادية للحصول على وضع دولة عضو في هيئات الأمم المتحدة، أو اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
علاوة على ذلك، يكلف التشريع الإدارة بالعمل على منع ما يوصف بـ"تحريض" الفلسطينيين ضد إسرائيل. وذكر كذلك: "خلال مدة لا تتجاوز 90 يوماً من سريان هذا القانون، يجب على وزير الخارجية تقديم تقرير إلى اللجان الملائمة في الكونغرس، على أن يذكر تفاصيل الخطوات التي اتُّخذت من جانب السلطة الفلسطينية للتصدي للتحريض على العنف ضد الإسرائيليين ولتعزيز السلام والتعايش المشترك مع إسرائيل".
5- وضع شروط على تمويلات الأونروا
برغم أن ترامب أوقف التمويلات الموجهة إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ أكثر من عامين، انطوى مشروع قانون الإنفاق 2021 على فقرة متكررة من الأعوام الماضية، تدعو إلى وضع شروط على تمويل وكالة الأمم المتحدة المعنية باللاجئين الفلسطينيين.
يطالب مشروع القانون بتقرير من وزير الخارجية يؤكد على أن الوكالة وموظفيها، وأغلبهم من الفلسطينيين، ملتزمون بـ"سياسات الحيادية والنزاهة".
ويجب أن ينص التقرير كذلك على أن الوكالة "تتخذ خطوات لضمان أن محتوى جميع المناهج التعليمية التي تقدمها حالياً في المدارس والمعسكرات الصيفية التي تديرها الأونروا متسقة مع مبادئ حقوق الإنسان، والكرامة، والتسامح، ولا تحث على التحريض".
وقد تعهد بايدن بإعادة تقديم المساعدات الأمريكية إلى الفلسطينيين، بما في ذلك المساعدات الموجهة إلى الأونروا.
يمكن للرئيس الحالي أن يصدر استثناءات ليتجاوز البنود الموجودة في مشروع قانون الإنفاق، التي ظهرت في تشريعات سابقة عندما كانت المساعدات جارية. لكن اللغة التي صيغ بها القانون تسلط الضوء على التحديات السياسية التي قد يواجهها بايدن لإلغاء سياسات ترامب تجاه إسرائيل.