مجدداً يبدو العالم قد تحرك متأخراً، إذ إن هناك مؤشرات بأن السلالة الجديدة من فيروس كورونا أو الفيروس المتحور المنتشر في بريطانيا قد خرج عن السيطرة عالمياً، والأسوأ أن الخطر يأتي من سلالتين جديدتين من الفيروس وليس سلالة واحدة.
فبينما تهرع أمةٌ تلو الأخرى هذا الأسبوع لإغلاق حدودها مع بريطانيا، أعادت هذه الخطوات الذكريات حول الطريقة التي تفاعل بها العالم بعد ظهور فيروس كورونا المُستجَد لأول مرة على نطاقٍ واسعٍ في ربيع العام الجاري.
جاء معظم حظر السفر الأوَّلي بعد فوات الأوان، إذ فُرِضَ بعد أن تفشَّى الفيروس المتحور بالفعل في الكثير من المجتمعات على نطاقٍ شاسع، صحيفة New York Times الأمريكية.
هذه المرة، مع محاولة الدول إيقاف انتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا، التي ربما تكون أكثر عدوى، قد يكون الأوان قد فات بالفعل. يقول خبراء إنه من غير المعروف مدى الانتشار الفعلي الذي يحققه الفيروس المتحور، ويهدِّد الحظر بالتسبُّب في المزيد من المصاعب الاقتصادية والنفسية مع تزايد الخسائر التي يسبِّبها الفيروس.
بريطانيا الأكثر تقدماً ولذلك استطاعت اكتشاف السلالة الجديدة من فيروس كورونا
تلخَّص التقييم الصريح للدكتور بيتر كريمسنر، مدير مستشفى توبنغن الجامعي في ألمانيا، حول إجراءات حظر السفر لمنع تفشي السلالة الجديدة من فيروس كورونا في أنها "كانت غبية". وقال الدكتور كريمسنر: "إذا كان الفيروس المتحوِّر موجوداً على الجزيرة فقط، عندها فقط يكون من المنطقي إغلاق الحدود مع إنجلترا وإسكتلندا وويلز. ولكن إذا انتشر، فعلينا محاربته في كلِّ مكان".
وأشار إلى أن الفهم العلمي للطفرة كان محدوداً، وأن مخاطره الفيروس المتحور غير واضحة، ووصف الفكرة القائلة بأن الفيروس المتحوِّر لم ينتشر على نطاقٍ واسع خارج بريطانيا بأنها فكرة ساذجة.
وقال الخبراء أيضاً إن بريطانيا لديها بعض من أكثر جهود المراقبة الجينومية تطوُّراً في العالم، والتي سمحت للعلماء هناك باكتشاف الفيروس المتحوِّر في حين أنه قد يمر دون أن يلاحظه أحدٌ في مكانٍ آخر في العالم.
وقال الدكتور هانز كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأوروبا، إن الدول الأعضاء ستحاول التوصُّل إلى نهجٍ متماسك تجاه أيِّ تهديد يمثِّله الفيروس المتحوِّر. وكتب على منصة تويتر أنه في الوقت الحالي "يُعَدُّ الحدُّ من السفر لاحتواء الانتشار أمراً حكيماً حتى نحصل على معلوماتٍ أفضل".
لكنه أشار إلى أن "لا أحد في أمانٍ حتى يصبح الجميع بأمان".
أمريكا لم تحظر السفر، وهذا ما يقترحه فاوتشي
ومع تزايد الدعوات المُوجَّهة للولايات المتحدة للانضمام إلى عشرات الدول التي تفرض حظراً على السفر من بريطانيا بسبب السلالة الجديدة من فيروس كورونا، حثَّ الدكتور أنتوني فاوتشي كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، على توخي الحذر.
وقال فاوتشي في برنامج PBS NewsHour مساء الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول: "لا أعتقد أن هذا النوع من النهج القاسي ضروري. أعتقد أننا يجب أن نفكِّر بجدية في إمكانية طلب إخضاع الأشخاص لاختبارٍ قبل قدومهم من المملكة المتحدة".
وقال حاكم نيويورك، أندرو كومو، إن شركة الخطوط الجوية البريطانية ودلتا إيرلاين وفيرجن أتلانتيك وافقوا على طلب نتيجة سلبية لاختبار فيروس كورونا المُستجَد من الركَّاب الذين يستقلون الرحلات من بريطانيا إلى نيويورك.
وفي ظلِّ غياب الإجراءات الفيدرالية، دعا حاكم نيويورك زعماء الولايات وغيرهم من الزعماء المحليين لاتخاذ تدابير مماثلة قبل ذروة أيام السفر في العطلات.
وتستلزم العديد من البلدان بالفعل تقديم نتيجة سلبية لاختبار فيروس كورونا المُستجَد قبل دخولها، لكن قطع جميع الرحلات بين الدول يُعَدُّ اقتراحاً أكثر خطورة.
ولكنَّ الأوروبيين مصرون على منع السفر للمملكة المتحدة
وحثَّت المفوَّضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أعضاء الكتلة على رفع الحظر الشامل عن بريطانيا حتى يمكن القيام برحلات السفر الضرورية. لكن في الوقت الحالي يبدو أن الدول تفضِّل وضع قواعدها الخاصة.
وفي وقتٍ متأخِّرٍ من أمس الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول، تراجَعَت فرنسا عن إغلاق الحدود الذي أعلنته يوم الأحد والذي قطع طريق أكثر من ألف من سائقي الشاحنات. والآن، كما تقول فرنسا، يمكن لمجموعاتٍ مُختارة من الأشخاص عبور الحدود في حال خضعوا لاختبار الإصابة بالفيروس.
ويتسبَّب الوضع الراهن في اضطرابٍ لقطاع السفر، الذي تضرَّرَ بالفعل جرَّاء الجائحة، مِمَّا أجبر الملايين على تغيير خطط عطلاتهم، علاوة على الجرعة الجديدة من القلق الشديد في نهاية عامٍ غلبت عليه الكآبة.
الفيروس المتحور في جنوب إفريقيا يثير القلق أيضاً.. لماذا؟
في الوقت نفسه، هناك نوعٌ منفصلٌ من الفيروس يثير القلق، لأنه ينتشر في جنوب إفريقيا. ومنعت خمس دول على الأقل -ألمانيا وإسرائيل والمملكة السعودية وسويسرا وتركيا- المسافرين القادمين من جنوب إفريقيا.
ومنعت السويد السفر من الدنمارك إليها بعد تقارير عن اكتشاف الفيروس البريطاني المُتحوِّر هناك. وتمادت المملكة السعودية إلى أبعد من ذلك، إذ علَّقَت جميع الرحلات الجوية الدولية إليها لمدة أسبوعٍ على الأقل.
وأصبح الفيروس في جنوب إفريقيا مثار بحث علمي مُكثَّف بعد أن وَجَدَ الأطباء هناك أن الأشخاص المصابين به يحملون حمولةً فيروسية عالية -أي تركيز أعلى للفيروس في الجهاز التنفُّسي. وفي العديد من الأمراض الفيروسية، يرتبط هذا بأعراضٍ أكثر حدة.
ورصدت بريطانيا حالتين مصابتين بسلالة جديدة مختلفة عن السلالة المتحورة المنتشرة في بريطانيا، حسبما قال وزير الصحة البريطاني، موضحاً أنهما من المخالطين لحالات جاءت من جنوب إفريقيا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ونظراً لأنه من غير المعروف مدى انتشار هذين الفيروسين، فمن المستحيل تقييم التأثيرات التي ستحدثها محاولات بريطانيا وجنوب إفريقيا على احتوائهما.
بريطانيا تجمع نصف البيانات الجينومية حول الفيروس
من خلال جهود المراقبة الجينومية المُعقَّدة، قامت بريطانيا بترتيب تسلسل حوالي 150 ألف جينوم لفيروس كورونا المُستجَد في محاولةٍ لتحديد الطفرات.
وقالت شارون بيكوك، مديرة جمعية Covid-19 Genomics UK وأستاذة علم الأحياء الدقيقة بجامعة كامبريدج، إن هذه الجهود تمثِّل حوالي نصف البيانات الجينومية حول الفيروس في العالم.
وقالت البروفيسورة بيكوك: "إذا كنت ستعثر على شيءٍ ما في أيِّ مكان، فمن المُحتَمَل أن تجده هنا أولاً في بريطانيا".
وقال توماس كونور، الأستاذ المتخصِّص في تنوُّع العوامل المُمرِضة بجامعة كارديف، إن علماء الوراثة في ويلز، التي يبلغ سكَّانها ثلاثة ملايين نسمة، قد رتَّبوا عدداً أكبر من الجينومات لفيروس كورونا المُستجَد في الأسبوع الماضي أكثر مِمَّا فحصه العلماء طيلة فترة الجائحة في فرنسا، وهي دولة يبلغ تعدادها 67 مليون نسمة.
وقال المسؤولون البريطانيون إن الحالة الأولى من النوع الذي ينتشر الآن على نطاقٍ واسعٍ في البلاد اكتُشِفَت في كِنت، جنوبيّ شرق إنجلترا، في 20 سبتمبر/أيلول. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، كان حوالي ربع الحالات في لندن مُصابة بالفيروس المتحوِّر. وبعد بضعة أسابيع فقط، قُدِّرَ أن الفيروس المُتحوِّر مسؤولٌ عن إصابة ما يقرب من ثلثي الحالات في لندن الكبرى.