رغم الأثر المدوي لكشف فضيحة تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي قبل عامين، مازالت مساعي بكين لاختراق المنظمة التي يقع مقرها بإثيوبيا مستمرة، وسط تحذيرات أمريكية من أنها تجمع معلومات لابتزاز القادة الأفارقة.
وخرجت الشكوك حول تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي إلى العلن في عام 2018، عندما ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن موظفي الاتحاد الإفريقي وجدوا أن الخوادم المصنعة من قبل شركة هواوي الصينية في مركز المؤتمرات الجديد ترسل نسخاً من محتوياتها إلى شنغهاي كل ليلة.
ورغم إنكار الصين ذلك مراراً، كُشف مؤخراً عن عملية جديدة تشير إلى استمرار تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي عبر الاستفادة من بنية الاتصالات بمقر الاتحاد التي بنتها هواوي (المقر الفخم كله مبني من قبل الصين، وتبين أن جدرانه كانت مليئة بأجهزة الاستماع)، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
فضيحة تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي.. كلاكيت ثاني مرة
ففي الأسبوع الماضي، ظهر تقرير مفاده أن قراصنة، يعتقد أنهم من الصين، قاموا بتصوير لقطات كاميرا أمنية من داخل مبنى مقر الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا.
فمع تجمع الدبلوماسيين في مقر الاتحاد الإفريقي في وقت سابق من عام 2020 للتحضير لقمة زعمائه السنوية، توصل موظفو المنظمة الدولية إلى اكتشاف مقلق، كان شخص ما يسرق لقطات من كاميرات المراقبة الخاصة به.
وبناءً على نصيحة من باحثي الإنترنت اليابانيين، اكتشف موظفو التكنولوجيا في الاتحاد الإفريقي أن مجموعة من المتسللين الصينيين المشتبه بهم قد زوروا مجموعة من الخوادم في الطابق السفلي من ملحق إداري لسحب مقاطع فيديو المراقبة بهدوء من جميع أنحاء الحرم الجامعي المترامي الأطراف للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا.
تم تنفيذ الخرق الأمني من قبل مجموعة قرصنة صينية تسمى "الرئيس البرونزي"، وفقاً لمذكرة داخلية اطلعت عليها وكالة رويترز.
وتابعت المذكرة: "لا يمكننا تقدير كمية وقيمة البيانات المسروقة"، مضيفة أنه بينما تمكن فنيو الاتحاد الإفريقي من مقاطعة تدفق البيانات، يمكن للقراصنة استعادة اليد العليا بسهولة.
الهدف قد يكون قادة القارة السمراء
إنها طريقة غريبة بالنسبة لبكين للتعامل مع قارة ظهر حكامها كداعمين رئيسيين لأجندتها الدولية.
ومع ذلك، فإن تجسس الحكومة الصينية يمتد بشكل شبه مؤكد إلى ما هو أبعد من مقر الاتحاد الإفريقي، حسب مجلة The National Interest الأمريكية.
وتعلق المجلة الأمريكية على هذا الحدث معتبرة أنه بناء على تجربة الصينيين مع أعضاء بالكونغرس الأمريكي، فإن الصين تستخدم المعلومات التي لديها حول قادة إفريقيا لجعلهم أكثر انصياعاً لها، ودعم أهدافها الدولية.
وترى أن هذا السيناريو قد يكون في الواقع أحد الأسباب التي تجعل الحكام الأفارقة على استعداد بشكل متزايد للدفاع عن تصرفات بكين التي لا يمكن الدفاع عنها.
كيف تتجسس الصين على إفريقيا؟
فرص بكين للتنصت في إفريقيا هائلة، إذ قامت الشركات الصينية – والعديد منها مملوكة للدولة، وكلها ملزمة قانوناً بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني في المسائل الاستخباراتية – ببناء ما لا يقل عن 186 مبنى حكومياً في إفريقيا، بما في ذلك المساكن الرئاسية ووزارات الخارجية ومباني البرلمان.
وقامت شركة هواوي ببناء أكثر من 70% من شبكات 4G في قارة إفريقيا وما لا يقل عن 14 شبكة من شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحكومية، بما في ذلك مراكز البيانات في كينيا وزامبيا التي تضم جميع سجلات تلك الحكومات.
فضيحة تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي التي اكتشفت مؤخراً وأكدتها عدة وسائل إعلام، توضح ما يمكن أن تفعله بكين بهيكل تبنيه إحدى شركاتها.
إذ إن نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي تم اختراقه في الاتحاد الإفريقي تم بناؤه من قبل شركة هواوي، التي غالباً ما تكون أجهزتها مشجعة لنقاط الضعف الأمنية، الأمر الذي يجعلها قابلة للاستغلال بسهولة، نظراً لارتباط هواوي بوزارة أمن الدولة الصينية، فإن هذا يشير إلى معرفة بكين كيف تصل إلى الأبواب الخلفية.
ولماذا تفعل ذلك رغم الصداقة مع القارة السمراء؟
لدى بكين العديد من الأسباب للاستفادة من فرص التجسس التي توفرها أنشطة شركاتها في إفريقيا.
يمكنها التنصت على المحادثات الحساسة التي يجرونها مع نظرائهم من غير الأفارقة، وقد تتمكن الحكومة الصينية من جمع معلومات اقتصادية مفيدة يمكنها نقلها إلى العديد من الشركات العاملة في القارة.
ومع ذلك، نظراً لأن الحكومة الصينية أصبحت أكثر جرأة على المستوى الدولي حسب وصف The National Interest، فمن المرجح أنها تقدر بشكل متزايد المعلومات التي تجمعها في إفريقيا لاستخدامها في الحفاظ على دعم صانعي القرار الأفارقة لأجندة بكين العالمية وتوسيعها.
إن الدول الإفريقية تجاهلت باستمرار عن اضطهاد النظام الصيني للأقليات العرقية والدينية، وتصوت بشكل متكرر مع بكين في الأمم المتحدة (غالباً في معارضة الولايات المتحدة)، وعادة ما تدعم المرشحين الصينيين الذين يتنافسون على قيادة الوكالات الدولية المهمة.
عملية تجسس الصين على أعضاء بالكونغرس تكشف ما يمكن أن تفعله مع القادة الأفارقة
يقدم الكشف عن أدوات التجسس مؤشرات على خطة بكين للتأثير على القادة الأجانب.
والتجربة الأمريكية قد تكون مفيدة لفهم طريقة عمل الجاسوسية الصينية.
فلقد أمضت جاسوسة صينية تدعى كريستين فانغ سنوات في تطوير علاقات شخصية مع سياسيين محليين من ولاية كاليفورنيا الأمريكية بشكل أساسي.
رتبت فانغ التبرعات للنائب الأمريكي إريك سوالويل، الذي أصبح الآن عضواً حالياً في لجنة الاستخبارات الحساسة بمجلس النواب الأمريكي، وتمكنت من تعيين متدرب واحد على الأقل معه (قطع سوالويل العلاقات مع فانغ بعد تلقي إحاطة من مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن تجسسها).
كشف موقع "أكسيوس" أن النائب إريك سوالويل، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، قد تلقى تحذيراً من محققين فيدراليين عام 2015، من أن المرأة الصينية التي انخرط معها في علاقة عاطفية قد تكون جاسوسة لصالح الحكومة الصينية.
ويعتقد العديد من مسؤولي المخابرات السابقين أن مثل هذه المخططات التي نفذها الجواسيس الصينيون على الأراضي الأمريكية، والتي تعرف بـ"مصيدة العسل" مازالت مستمرة.
وقال دانيال هوفمان، ضابط خدمات سرية متقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لشبكة فوكس نيوز: "يمكنني القول بمستوى عالٍ من الثقة إن هناك الكثير من هؤلاء النساء هنا".
في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2020، كتب مدير الاستخبارات الوطنية جون راتكليف عن حملة التأثير الصيني التي استهدفت "العشرات" من أعضاء الكونغرس ومساعدي الكونغرس.
وفقاً لراتكليف، تستهدف الصين الكونغرس بمعدل ستة أضعاف أكثر مما تستهدفه روسيا.
كيف سيطبقون هذه الخطة؟ هواوي بدلاً من الجاسوسة الحسناء
وفي الوقت نفسه، يدعي فرع من الحزب الشيوعي الصيني يعرف باسم الإدارة الدولية، وهو المسؤول عن تنمية التعاطف مع السياسيين الأجانب مع الحزب الشيوعي الصيني، أن له علاقات مع أكثر من 600 مجموعة سياسية في أكثر من 160 دولة.
بطبيعة الحال، لا يحتاج القادة الأفارقة إلى الإقناع للتكيف مع الصين في بعض القضايا. يواجه العديد من بلدانهم فجوة هائلة في البنية التحتية، وغالباً ما تسعد بكين بفتح محفظتها لمشاريع البنية التحتية.
كما أن المنتجات الصينية ذات أسعار معقولة، وخاصة التكنولوجيا مثل الهواتف الذكية، تحظى بشعبية في القارة أيضاً.
ومع ذلك، ترى The National Interest أن الحكومة الصينية تنفق الكثير من الوقت والطاقة في محاولة للتأثير على القادة الأفارقة لدعم أجندة بكين على مستوى يتجاوز مجرد الاهتمام بالمصالح الوطنية لبلدانهم.
تشمل حملات التأثير هذه كل شيء من الرشوة إلى إلقاء مشاريع البنية التحتية البراقة خلال أوقات الانتخابات إلى تقديم مساعدات "بلا قيود" على الحكام لتغذية شبكات المحسوبية الخاصة بهم، حسب المجلة الأمريكية.
المعلومات التي يبدو أن بكين تحصل عليها يومياً مفيدة بشكل واضح لتلك الأنواع من عمليات التأثير.
يقول التقرير: "يمكن أن تساعد المعلومات حول عادات المسؤول وشخصيته وميوله بكين بشكل فعال في تملقه أو إجباره على موقف مؤيد لبكين.
كان العنصر الأساسي في أسلوب كريستينا فانغ هو الاقتراب قدر الإمكان من أهدافها.
سيوفر وصول المراقبة الإلكترونية إلى أكثر الأماكن الحساسة للهدف نوعاً من المراقبة المكثفة التي لا يمكن للجاسوس البشري إلا أن يحلم بها.
وترى المجلة الأمريكية أن الصين تمكنت من الوصول إلى الزعماء الأفارقة بشكل سيكون من المستحيل التراجع عنه في المدى القريب.
ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تبدأ في بناء رد يتسم بالصبر وبعيد النظر كما كانت استراتيجية الصين. يجب أن يكون أحد عناصر ذلك فرض قيود أو عراقيل على المراقبة الصينية غير المقيدة تقريباً على إفريقيا.