استقبل لقاح كورونا الصيني في مصر بمزيج من المزاح والخوف، وسط تساؤلات حول أسباب اختيار مصر للقاح الصيني، بدلاً من اللقاحات الغربية الأكثر شهرة، ولماذا جاء اللقاح الصيني لمصر عبر الإمارات؟
وحصلت 6 دول بينها مصر على موافقة الطوارئ للقاح "سينوفارم" من منظمة الصحة العالمية، بينما حصلت الإمارات على الموافقة النهائية لهذا اللقاح، لأنها تستخدمه منذ 6 أسابيع، وتم إثبات فاعليته، وكذلك حصلت البحرين على موافقة الطوارئ.
وهناك ثلاثة بلدان في المنطقة العربية، هي الإمارات ومصر والمغرب، والتي قررت البدء بتلقيح مواطنيها باللقاح الصيني، الذي أنتجته شركة "ساينوفارم" (اختصار للمجموعة الوطنية الصينية للأدوية) .
وجاءت أول دفعة من اللقاح الصيني إلى مصر يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 كهدية من دولة الإمارات، حيث كانت في استقباله وزيرة الصحة المصرية هالة زايد التي قالت في مؤتمر صحفي بمطار القاهرة، عقب وصول أولى شحنات اللقاح إن "بلادها تشهد يوماً تاريخياً باستقبال أول دفعة من اللقاح" مضيفة أنه سيكون "مجاناً للجميع".
وأشارت مصادر إلى أن الدفعة الأولى من اللقاح تضم 50 ألف جرعة، حسبما ورد في موقع بواية العين الإماراتي.
وحصل ثلاثة آلاف متطوع على اللقاح الصينى في مصر خلال الشهرين الماضيين، من بينهم وزيرة الصحة المصرية التي أوضحت أن الأعراض الجانبية التى شعرت بها بعد الحصول على اللقاح، هي ارتفاع طفيف فى درجة الحرارة ما بين نصف درجة ودرجة واحدة، والشعور بصداع خفيف، وأن هناك بعض المتطوعين شعروا بألم في عضلة الكتف التى أخذت فيها الحقنة، والبعض شعر بإعياء خفيف، وأن كل هذه الأعراض الجانبية عادية ومتوقعة.
وقالت وزيرة الصحة والسكان المصرية، هالة زايد، إن اللقاح الصيني الجديد سيتاح للمواطنين بالمجان بنسبة 100%، لافتة إلى أخذ الموافقة النهائية على تداول اللقاح، معربة عن تقديرها لدولة الإمارات.
وقالت الوزيرة إن أطباء مستشفيات الصدر والحميات ومستشفيات العزل، ومرضى الفشل الكلوي، والقلب، والأمراض المزمنة لهم الأولوية في الحصول على اللقاح.
جدل حول اللقاح الصيني
وبينما أفردت وسائل الإعلام في مصر، ومعظمها خاضع للدولة برامج موسعة، تمتدح اللقاح الصيني لحد الترويج له، كان الأمر مختلفاً على صفحات التواصل الاجتماعي، إذ انقسم المصريون بشأنه، بين فريق رحب بجهود الدولة لتوفير اللقاح، ودعا للثقة به، وفريق آخر شكك في فاعليته، وأعرب عن المخاوف من تلقيه، استناداً إلى أن المرحلة الثالثة من تجربته لم تنته بعد، كما عقد كثيرون من هذا الفريق مقارنات بين اللقاح الصيني، ولقاح شركة فايزر الأمريكي.
تنبع مخاوف بعض المصريين من اللقاح الصيني من عدة أسباب: أحدها مرتبط بالفكرة السائدة حول المنتجات الصينية عموماً.
لذا يرى مغردون في إقدام الحكومة على تلقيح المصريين بلقاح صيني عملية محفوفة بالمخاطر.
وقد غلبت النكات والرسوم الكاريكاتيرية على تعليقات المصريين المتوجسين من اللقاح الصيني، في حين تحدث البعض عن رفض بعض الأطباء المصريين تلقي اللقاح الصيني.
ويرتكز المشككون في اللقاح الصيني في المنطقة العربية، والذين ينشط معظمهم، على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حقيقة أن المعلومات المتوافرة بشأن مراحل تجريبه الأخيرة ليست كافية، كما يرتكزون أيضاً إلى قناعة استمرت لفترة طويلة لدى كثيرين بعدم جودة المنتج الصيني.
ويعتبر هؤلاء أن الدافع الوحيد لسلطات بلادهم لاقتناء هذا اللقاح يعود إلى رخص ثمنه فقط، وسط حديث كثيرين منهم عن أن إعطاء اللقاح للناس في وقت لا تتوافر فيه معلومات كاملة عن معدلات أمانه، يعد بمثابة استخدام للمواطنين في دول عربية كفئران تجارب.
ما هي عيوب اللقاح الصيني؟
تشير تقارير طبية منشورة إلى أن نتائج تجارب المرحلتين الأولى والثانية من لقاح "ساينوفارم" الصيني لكورونا، كانت ممتازة، غير أن كل التشكيك يستهدف المرحلة الثالثة لاختبار اللقاح، والتي بدأت في يونيو/حزيران الماضي، وما تزال مستمرة حتى الآن.
إذ قال العديد من الخبراء إن المعلومات المتوافرة بشأن تلك المرحلة في الدوريات الطبية ما تزال قليلة، كما أبدوا مخاوف من انعدام الشفافية بشأن النتائج التي أعلنتها الصين حول فاعلية اللقاح.
ويأتي اللقاح الصيني في آخر قائمة اللقاحات الدولية التي أعلن عن إنجازها حتى الآن، من حيث الفعالية، بنسبة 86%، في حين يأتي في المقدمة لقاح شركتي "فايزر-بايونتك"، بفاعلية وصلت إلى 95%، ثم لقاح "مودرنا" الأمريكي، بفاعلية نسبتها 94.5%، يليه لقاحا "أكسفورد-أسترازينكا" و"سبوتنيك-V " الروسي بفاعلية 92% لكليهما.
لكن وعلى الجانب الآخر، فإن كثيرين وصفوا اللقاح الصيني بأنه طوق النجاة، لمعظم دول العالم الثالث، فبجانب انخفاض ثمنه فهو مثله مثل لقاح "أوكسفورد- أسترازينيكا" قابل للتخزين في ثلاجة عادية، وعند درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية.
ما هي أسباب اختيار مصر للقاح الصيني؟
سهولة تصنيع هذا اللقاح محلياً كانت السبب الرئيسي لاختياره من قبل مصر، حسب الدكتورة نهى عاصم، مستشارة وزيرة الصحة المصرية لشؤون الأبحاث، وعضو اللجنة العلمية لمكافحة كورونا، موضحة أن اللقاح الصيني يشبه أنواع التطعيمات الأخرى والتي توزع في مصر، مثل لقاح "شلل الأطفال"، وغيرها من اللقاحات العادية.
وأكدت "عاصم" أن تطعيم "أكسفورد" من ضمن التطعيمات الأخرى، التي تعطيها وزارة الصحة المصرية الأولوية، مع اللقاح الصيني.
وأوضحت أن هناك اتفاقيات دولية بتصنيع اللقاح الصيني في مصر طبقاً لاتفاقية جابي الدولية، وذلك من أجل توفير جرعات تكفي 20 مليون مواطن، كما تم التواصل مع شركة أسترازينيكا المنتجة للقاح أكسفورد.
مصدر مسؤول بوزارة الصحة والسكان المصرية قال لموقع "بوابة أخبار اليوم" إن اللقاح الصيني سينافارم له العديد من الخصائص التي لا تتوافر في غيرها أولاها درجة الفاعلية الخاصة، وإمكانية استيراد اللقاح وحفظه في درجة حرارة ما بين سالب 2: 8 درجة مئوية بعكس لقاح فايزر وموديرنا اللذين يحتاجان لدرجة حرارة تصل إلى سالب 70 درجة مئوية، وسالب 20 درجة مئوية وهذه التكنولوجية غير متوافرة في كثير من دول العالم.
وأشار المصدر إلى أن تكنولوجيا اللقاح الصيني تعتمد على الحقن بجرعات بفيروس ضعيف أو ميت، تعمل على تحفيز الأجسام المضادة بالجسم ضد الفيروس لمقاومته وتكوين أجسام مضادة، وهذا الفيروس الضعيف لا يشكل أي خطورة على من يحقن به.
ولكن لم يكن من اللافت فقط تركيز مصر على اللقاح الصيني واعتماده مبكراً، ولكن أن أول دفعة للقاحات جاءت هدية من الإمارات، وأن العملية برمتها جاءت عبر البوابة الإماراتية وكأن أبوظبي بين القاهرة والشركة الصينية، ولم يعلن بعد في القاهرة عن تفاصيل أي تعاقد مباشر مع الشركة الصينية.
لماذا جاء اللقاح الصيني لمصر عبر الإمارات؟
يبدو إجابة سؤال لماذا جاء اللقاح الصيني لمصر عبر الإمارات صعبة، بالنظر إلى أن مصر هي أعرق دولة عربية في المجال الطبي، ولديها كوادر طبية ضخمة تصدِّرها للدول العربية والغرب.
كما أن الوضع الاقتصادي في مصر لم يعد سيئاً مثلما كان عليه الحال في فترات سابقة، بل على العكس تشير التقارير الدولية إلى أن مصر من أقل دول الشرق الأوسط تأثراً من الناحية الاقتصادية من الجائحة، أقل حتى من الإمارات نفسها التي تضررت من انخفاض أسعار النفط وتراجع السياحة في دبي.
إذاً لماذا جاء اللقاح الصيني لمصر عبر الإمارات؟
يمكن إرجاع ذلك لعدة عوامل، بعضها يتعلق بالعلاقات بين الإمارات والصين وأخرى بين الإمارات ومصر.
علاقة صينية إماراتية خاصة
بالنسبة للعلاقة بين الإمارات والصين، فإن الأواصر بين البلدين تزداد تقارباً رغم القلق الأمريكي.
ومثلت الجائحة نموذجاً لذلك، فمنذ بدايتها سارعت أبوظبي لشراء شرائح التحليل الكاشفة للفيروس وصدرتها لإسرائيل في خطوة تمهيدية للتطبيع، كما تبرعت الإمارات بها حتى للولايات المتحدة (رفضت واشنطن بعض هذه التبرعات خوفاً من تسرب أسرار مواطنيها).
وفي هذا الإطار رغم أن الإمارات تقدم نفسها للولايات المتحدة على أنها أقرب حلفائها العرب، إلا أنه في الواقع تقيم علاقة مثيرة للشكوك بالنسبة لواشنطن مع الصين وروسيا وحتى كوريا الشمالية.
والآن تقدم أبوظبي نفسها كعراب للقاح الصيني الذي يواجه بتجاهل في الغرب.
الإمارات حليفاً ونموذجاًً
أما على جانب العلاقات بين مصر والإمارات، فيلاحظ أن هذه العلاقة تخطت مرحلة العلاقة الثنائية العادية بين أي دولتين عربيتين قريبتين، بل أصبحت الإمارات تبدو كطرف داخلي في المعادلة المصرية في مواجهة أو إلى جانب أجهزة الدولة.
ويبدو ذلك في تمويلها لإعلاميين أو مؤسسات إعلامية بشكل معروف للجميع في مصر، وحتى دورها في العديد من المشروعات بما فيها دورها الذي لم يتم في مشروع العاصمة الجديدة بسبب خلافات مالية حول طرق تمويلها، وصولاً إلى اهتمامها مؤخراً بشراء اثنتين من شركات الجيش المصري المحتمل طرحهما للبيع، حسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية.
لا يعني هذا بالضرورة اختراقاً إماراتياً لمصر أو هيمنة عليها، بل على العكس، فإن كثيراً من الأجهزة المصرية تعرقل الإماراتيين وتضع لهم حدوداً في حراكهم في الشأن المصري، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، كما أن العلاقة بين دولتين علاقة شراكة حتى لو لم تكن متساوية أكثر منها تبعية.
ولكن الأمر به خليط من المبالغة في الثقة بالأمارات في ظل تحالف يقوم على عداء ثابت للديمقراطية والإسلاميين، وإعجاب من قبل القيادة المصرية بالنموذج الإماراتي الاقتصادي والإداري، ورغبة في الاستفادة من الحماس الإماراتي لدعم النظام لصخ بعض التمويل حتى لو كانت مصر قد خرجت من ضائقتها الاقتصادية، وهو أمر يظهر في التسريب الشهير للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في وصفه أموال دول الخليج بأنها كثيرة كالرز (الأرز)، وتسريب لشكوى من حكام الإمارات بأن السيسي يتعامل معهم كبطاقة ائتمانية.
ولكن رغم هذه المنغصات تظل العلاقة وثيقة يميزها إحساس من بالإعجاب بالنموذج الإماراتي المرن مقابل البيروقراطية المصرية العتيقة التي لا يخفي السيسي انتقاده لها (ومحاولتها استبدالها بالمؤسسة العسكرية)، مما خلق وضعاً جعل من الإمارات ليس فقط ممولاً لمصر، بل مستشاراً فنياً في كثير من الأحيان مقبولاً من القيادة (متحفظ عليه من الأجهزة) دور يشبه دور المفوضية الأوروبية في إشرافها أو نصائحها لبعض الدول الأوروبية (ولكن برضاء رأس الدولة المصرية).
كما أن موقف السيسي السلبي من البيروقراطية المصرية قد يجعله يرى أن الإدارة الإماراتية الأشبه بالشركة متعددة الجنسيات قد تكون أسرع في جلب اللقاح من الإدارة المصرية المثقلة ببيروقراطيتها (رغم خبراتها التي لا تنكر).
غياب الثقة
إضافة إلى ذلك يظهر عامل آخر، يكشف سبباً آخر يفسر لماذا جاء اللقاح الصيني لمصر عبر الإمارات؟
وهو أنه في ظل ضعف الثقة الشديد بين الدولة المصرية وشعبها والذي يتجلى في القضايا الصحية بشكل خاص، وهو ضعف موجود لدى المؤيدين والمعارضين للنظام وعموم الشعب بشكل متقارب، فإن الإشارة إلى اختبار الإمارات للقاح، واعتماده وتلقي قادتها له، أمر موحٌ بالثقة للمصريين الذي يشكون في دولتهم والصينيين على السواء، بينما لديهم نظرة إيجابية للإدارة الإماراتية قد لا تكون متوفرة تجاه أي دولة عربية أخرى.
وفي هذا الإطار أبرزت وسائل الإعلام المصرية إجراءات الإمارات مع اللقاح بشكل لافت وكأنها تستخدم الإمارات لإقناع المواطن المصري بأن اللقاح الصيني آمن، خاصة أنه بصرف النظر عن اختلافات المصريين السياسية بشأن الدور الإماراتي بالمنطقة إلا أن هناك نظرة عامة لها أنها ناجحة في الإدارة ولن تخاطر بشعبها.
وقال موقع بوابة الأهرام "لقد حصل 31 ألف متطوع فى دولة الإمارات من جنسيات مختلفة على اللقاح الصينى ".
وأبرز الموقع الذي يعبر عن أعرق صحيفة مصرية "تصريح عبدالرحمن بن محمد عويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع الإماراتى، بأن الإمارات قامت بدراسة النتائج الإكلينيكة لما بعد ترخيص الاستخدام الطارئ بسلامة وفاعلية اللقاح، حيث أظهرت تلك الدراسات الجارية نتائج مشابهة لما خلصت له المرحلة الثالثة، وأنه بات بإمكان الراغبين حجز موعد عبر تطبيق شركة أبوظبى للخدمات الصحية، لأخذ اللقاح المجاني في أماكن متعددة في العاصمة".
بالنسبة لكثير من المصريين فإن حقيقة أن اللقاح سيوزع في دبي وأبوظبي قبل بلادهم سبب لو صغير لتجاوز شكوكهم في المنتج الصيني وحكومتهم على السواء.