لماذا تغير موقف السودان من مفاوضات سد النهضة، وهل تستفيد إثيوبيا كالعادة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/21 الساعة 18:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/19 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا وعبدالله حمدوك رئيس حكومة السودان/ الاناضول

بعد أن قاطع السودان الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة التي عقدتها مصر مع إثيوبيا، عادت الخرطوم وأعلنت استئناف المشاركة في تلك المفاوضات، فماذا وراء هذا التذبذب؟

زيارة حمدوك لأديس أبابا

أعلنت الحكومة السودانية، الأحد 13 ديسمبر/كانون الأول، أنها اتفقت مع إثيوبيا على استئناف المفاوضات حول سد النهضة خلال أسبوع، وجاء الإعلان خلال زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لأديس أبابا، والتي التقى خلالها نظيره الإثيوبي آبي أحمد على.

ورغم أن زيارة حمدوك استغرقت بضع ساعات فقط، رغم أنها كانت مجدولة ليومين، فإن بياناً صدر من مكتب رئيس الوزراء السوداني، وصف مباحثاته مع آبي أحمد بـ"المثمرة"، وأضاف أن حمدوك اتفق مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد، على "استئناف مفاوضات سد النهضة خلال الأسبوع القادم".

سد النهضة في إثيوبيا/رويترز

وفي المقابل، أكد مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، في بيان، أن السودان عبّر عن تضامنه مع العملية الأمنية التي نفذتها الحكومة الإثيوبية ضد مسلحي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وتوصل الجانبان لتفاهمات حول عدد من القضايا المشتركة، دون تحديد تلك القضايا.

ما الذي تغير في موقف السودان؟

كان السودان قد أعلن مقاطعته لمفاوضات سد النهضة، بسبب ما قال إنه اعتماد على "منهج قديم" لن يجدي، ومطالباً بإعطاء دور أكبر للخبراء؛ للمساهمة في حل الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم، وكانت تلك هي المرة الأولى على الإطلاق التي يقاطع فيها السودان جلسات التفاوض المستمرة منذ سنوات.

وفي اليوم التالي لزيارة حمدوك لأديس أبابا، زار وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي السودان، حيث التقى وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس؛ لمناقشة استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن السد. واتفق الوزيران على استئناف المفاوضات وإعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقي يمكّنهم من تقريب وجهات نظر الدول الثلاث تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.

وفد مصر في أحد اجتماعات سد النهضة السابقة / الأناضول

وإعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقي في المفاوضات مقترح سوداني اعترضت عليه مصر، ويبدو أنه كان السبب وراء قرار السودان مقاطعة الجولة الأخيرة من المفاوضات والتي استضافتها القاهرة الشهر الماضي.

ثم تراجع عباس، في 15 ديسمبر/كانون الأول، عن اتفاق استئناف المحادثات، وقال في مؤتمر صحفي بالخرطوم، إنه لا يوجد موعد محدد لاستئناف المفاوضات. وعزا هذا التأجيل إلى رغبة بلاده ومصر في الاتفاق على نهج جديد للتفاوض مع إثيوبيا. وقال إن بلاده تريد نهجاً مختلفاً للمفاوضات، وإن السودان سيمتنع عن المشاركة في حال غياب نهج جديد.

وقال عباس إن بلاده تتفق مع إثيوبيا على ضرورة إعطاء خبراء الاتحاد الإفريقي دوراً أكبر في محادثات السد، لكنه استبعد اتفاقاً ثنائياً بين السودان وإثيوبيا لا يشمل مصر. وقال إنه ما تزال الفرصة سانحة أمام الاتحاد الإفريقي للمساهمة في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق ثلاثي.

إثيوبيا المستفيد من المفاوضات

أحمد المفتي، الخبير السوداني في القانون الدولي للمياه، قال لموقعAl Monitor  الأمريكي، إن عباس أكد التقارب مع إثيوبيا، لكنه لم يقدم تفاصيل، مضيفاً أن التحركات السودانية الأخيرة تمنح إثيوبيا مزيداً من الوقت لتحويل الوضع الراهن إلى أمر واقع وتنفيذ مرحلة توليد الكهرباء من جانب واحد في يونيو/حزيران عام 2021، ثم مرحلة الملء الثاني للسد في يوليو/تموز عام 2021.

والاتحاد الإفريقي لا يمانع توسيع دور خبرائه في المفاوضات. إذ قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، في بيان صدر في 10 ديسمبر/كانون الأول، إنه يأمل أن تسمح أطراف الأزمة للاتحاد الإفريقي بالمساعدة في حل النزاعات العالقة.

سد النهضة مصر إثيوبيا
الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (أرشيف) – رويترز

ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، فشلت الدول الثلاث في الاتفاق على دور الخبراء في المفاوضات أو على المنهجية والمسارات والجدول الزمني للمحادثات. وعارضت مصر مقترحاً سودانياً مفصلاً بخصوص منح دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقي لتقريب وجهات النظر واقتراح حلول وسط. وفي الوقت نفسه، وافقت إثيوبيا على توسيع دور خبراء الاتحاد الإفريقي، وقدمت مقترحاً مشابهاً للمقترح السوداني.

لكن الخبراء الذين تحدثوا مع موقع Al Monitor، شككوا في قدرة خبراء الاتحاد الإفريقي على الوصول إلى صيغة تسوية مقبولة للأطراف الثلاثة، زاعمين أن بعضهم قد يكونون متحيزين. ويأتي ذلك وسط مخاوف من استغلال إثيوبيا للخلاف بين القاهرة والخرطوم لإطالة أمد المفاوضات.

هل حصل السودان على ضمانات خاصة؟

من جانبهم، يقول مسؤولون سودانيون إنهم يعتقدون أن السد بإمكانه تنظيم مياه النيل الأزرق وتوليد الكهرباء التي يمكن أن يفيد منها السودان. إلا أنه يسعى للحصول على ضمانات فيما يتعلق بتشغيله بشكل سليم وآمن؛ ليحمي سدوده، مثل سد الروصيرص، أكبر سدود السودان.

وتوجد قضايا فنية معلقة بخصوص سد النهضة الإثيوبي، مثل آلية تشغيله خلال سنوات الجفاف؛ وكمية المياه التي ستطلقها أديس أبابا لدولتي المصب؛ كما توجد قضايا قانونية عالقة مثل وجوب أن تكون الاتفاقية وآليتها لتسوية المنازعات ملزمة لأطرافها، وهو ما تطالب به مصر والسودان.

وكان محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري المصري، قد قال في تصريح لموقع الشرق السعودي الإخباري، في 12 ديسمبر/كانون الأول، إن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات في أي وقت، طالما توافرت الإرادة السياسية لدى الدول الثلاث.

سد النهضة – رويترز

واستبعد هاني رسلان، رئيس وحدة السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن يأتي أي تقارب أو تنسيق سوداني إثيوبي بشأن مفاوضات السد بفائدة، خاصة وسط تصاعد التوترات على الحدود بين البلدين.

ويختلف رسلان مع دعوة السودان إلى توسيع دور خبراء الاتحاد الإفريقي ورفض الخرطوم استئناف المحادثات. وقال: "كان ينبغي للوفد السوداني المفاوض إعلان تعليق مشاركته في المفاوضات رداً على التعنت الإثيوبي في التوصل إلى اتفاق يُرضي الدول الثلاث".

ورداً على سؤال عن مستقبل المفاوضات، قال رسلان إنه في حال استئنافها "ستتخذ إثيوبيا المواقف القديمة نفسها التي دأبت على اتخاذها منذ عقد كامل؛ لإطالة أمد المفاوضات وفرض الأمر الواقع. وللأسف، كان الوفد السوداني المفاوض شريكاً في مثل هذه المساعي على الدوام".

تحميل المزيد