أعاد البرلمان الأوروبي ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر إلى الواجهة مرة أخرى بتبنّيه قراراً يدعو دول الاتحاد إلى اتخاذ إجراءات حازمة للضغط على النظام المصري لوقف الانتهاكات المتراكمة، فماذا يعني ذلك؟
ما علاقة قضية ريجيني بالقرار؟
نصّ قرار البرلمان الأوروبي الذي تم إقراره الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول بأغلبية 434 عضواً على أن وضع حقوق الإنسان في مصر "يتطلب إعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم من قبل دول الاتحاد إلى مصر".
وشمل القرار 19 توصية جميعها ترصد وتدين "انتهاكات حقوق الإنسان في مصر واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني"، وركز على "قضية تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وموقف السلطات الإيطالية ومطالبتها بالمشتبه فيهم، كما طالب القرار بـ"ضرورة الإفراج الفوري عن عدد من المعتقلين السياسيين".
وفيما يخصّ قضية ريجيني، وجّه البرلمان الأوروبي اتهاماً مباشراً للسلطات المصرية باللجوء إلى "تضليل وتعطيل" التحقيقات المرتبطة باختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي عام 2016، كما اتهمها أيضاً بـ"عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية بخصوص التعاون مع إيطاليا لإجراء بحث دقيق وحيادي في هذه القضية".
الصورة الأكبر خلف القرار الأوروبي
هذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان في مصر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الأمور منذ أكثر ست سنوات، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها أعلى سلطة تشريعية في القارة العجوز قراراً شاملاً بشأن الملف الحقوقي في مصر ويصدر من خلاله توصيات محددة.
فقد دعا الأعضاء في قرارهم إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر على خلفية وضع حقوق الإنسان، كما أشاروا إلى ضرورة عدم منح أي من الدول الأعضاء في الاتحاد جوائز إلى القادة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية في مصر.
وأثناء المناقشات التي سبقت التصويت، وجه الأعضاء انتقادات عنيفة لقرار السلطات الفرنسية مؤخراً منح الرئيس المصري وسام "جوقة الشرف الفرنسي".
وفي هذا السياق، طالب البرلمان الأوروبي في قراره دول الاتحاد بـ"اتخاذ تدابير تقييدية ذات مغزى ضد المسؤولين المصريين رفيعي المستوى المسؤولين عن أخطر الانتهاكات في مصر". كما شدد على ضرورة استمرار الضغط بهذا الشأن، من أجل أن تمتثل مصر لمبادئ حقوق الإنسان ومساءلة المتهمين في الانتهاكات وعدم استمرار سياسة الإفلات من العقاب.
ويرى البعض أن الصورة الأكبر وراء تحرك البرلمان الأوروبي في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر الآن مرتبط بأكثر من عنصر؛ الأول قضية ريجيني التي وصلت إلى طريق مسدود مؤخراً بعد أن قررت النيابة العامة المصرية حفظ ملف القضية وتقييدها ضد مجهول، على عكس قرار النيابة الإيطالية التي توصلت إلى استنتاجات تشير إلى ضلوع أجهزة الأمن المصرية في اختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي وتوصلها إلى قائمة بالمشتبه فيهم.
فعلى الرغم من تاريخ جريمة اعتقال وتعذيب وقتل ريجيني ترجع إلى أواخر يناير وأوائل فبراير 2016، إلا أن وصول قطار التحقيقات إلى محطته النهائية -من الجانب المصري- قد ساهم في وجود شهادات من الجانب الإيطالي تكشف أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ليست تصرفات فردية يقوم بها بعض أفراد أجهزة الأمن لكنها سياسة تؤكدها محاولات "التضليل والتعطيل"، كما جاء في نص القرار الأوروبي.
العنصر الثاني في الصورة الأكبر خلف القرار يتعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية وخسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لصالح جو بايدن؛ فترامب على مدى السنوات الأربعة الماضية كان داعماً قوياً للرئيس المصري الذي سماه ترامب "ديكتاتوري المفضل"، ولم تكن حقوق الإنسان على أجندة الرئيس الأمريكي من الأساس وهو ما كان يعطي نوعاً من الحماية ليس فقط للرئيس المصري ولكن أيضاً لباقي أصدقاء ترامب في الدول العربية.
انتهاكات متراكمة لحقوق الإنسان في مصر
لكن قرار البرلمان الأوروبي لا يتعلق فقط بقضية ريجيني، بل شمل قضايا أخرى ومعتقلين آخرين، حيث دعا السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين تعسفياً والمحكوم عليهم بسبب عملهم المشروع ونضالهم السلمي في مجال حقوق الإنسان.
القرار أيضاً طالب السلطات المصرية على التعاون في التحقيقات الخاصة بواقعة وفاة مدرس اللغة الفرنسية إريك لانج في سجنه في 2013. ولانج (49 عاماً)، كان مقيماً في القاهرة حين تم اعتقاله في سبتمبر/أيلول 2013، لعدم التزامه بحظر التجول.
ولم يكن بحوزته جواز سفره، فاقتيد إلى قسم شرطة قصر النيل، وفي اليوم التالي برّأه القضاء من أي تهمة وأمر بإخلاء سبيله، ولكنه ظل قيد الاحتجاز حتى 13 سبتمبر. وتفيد الرواية الرسمية بأنه قتل داخل قسم الشرطة، عندما اعتدى عليه 6 سجناء داخل غرفة الحجز.
وبالتالي يمكن القول إن قرار البرلمان الأوروبي رصد كثيراً من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وصولاً إلى أحدثها وهو إلقاء القبض على 3 مسؤولين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رغم الإفراج عنهم مؤخراً، فيما يمكن وصفه بأن القرار رسالة إلى النظام المصري بأنه قد فاض الكيل ولم يعد ممكناً التغاضي عن تلك الانتهاكات.
لماذا رد البرلمان المصري وماذا قال؟
هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير دولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر على مدى السنوات الست الماضية بالطبع، لكنها قد تكون المرة الأولى التي يتحرك فيها النظام المصري من خلال البرلمان للرد بهذه السرعة.
فقد أصدر مجلس النواب المصري (الغرفة العليا في البرلمان) بياناً بعد ساعات قليلة من صدور قرار البرلمان الأوروبي جاء فيه: "مجلس النواب المصري تابع باستياء بالغ ما تضمنه القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، والذي تضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصري".
وأضاف: "قرار البرلمان الأوروبي غير مقبول ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأوروبية"، مؤكداً "رفض مجلس النواب للقرار الأوروبي، جملة وتفصيلاً"، واصفاً القرار الأوروبي بأنه "يعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن".
وطالب مجلس النواب المصري في بيانه، البرلمان الأوروبي، بـ"عدم تنصيب نفسه وصيا على مصر، والنأي عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية أو انتخابية، والنظر بموضوعية لواقع الأمور في مصر، والابتعاد عن ازدواجية المعايير".
"كان الأولى أن يوجه البرلمان الأوروبي نظرة موضوعية للجهود المصرية في حفظ الأمن والاستقرار ليس على المستوى الداخلي فقط وإنما على المستوى الإقليمي أيضا، خاصة في مجالي مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في ظل ظروف إقليمية شديدة الاضطراب والتعقيد، وأيضا الجهود المصرية الواضحة والعميقة لتحسين معيشة المواطن المصري في ظل ما تشهده الدولة من طفرة تنموية لم تتوقف حتى في أثناء مجابهة جائحة كورونا".
وعلق ناشط حقوقي مصري لـ"عربي بوست" على بيان مجلس النواب المصري، طالباً عدم الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية قائلاً: "سرعة الرد من جانب النظام المصري تكشف عن حالة القلق التي يعيشها النظام حالياً، فهم ليسوا متأكدين من مدى جدية الإدارة الأمريكية الجديدة في رهن علاقات واشنطن والقاهرة بملف حقوق الإنسان، لكن المؤكد حتى الآن هو أن تعامل بايدن سيكون مختلفاً عن تعامل ترامب، لذلك لا يريدون ترك القرار الأوروبي دون رد من جانبهم".
وأضاف أن النقطة الثانية تتعلق بصياغة الرد المصري من حيث ذكر التطرق لقضية الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب "فهذه رسالة واضحة تقول للأوروبيين أن النظام المصري ربما يترك باب الهجرة غير الشرعية مفتوحاً على مصراعيه إذا لم يتوقف الأوروبيين عن ممارسة الضغوط في ملف حقوق الإنسان".
وتوقع الناشط الحقوقي أن النظام المصري ربما يتراجع قليلاً في الملف الحقوقي ولو من خلال إجراءات شكلية، مستشهداً بتصريح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأخير بأن "الرئيس السيسي وجه الحكومة بالتحول نحو جعل مصر دولة مدنية ديمقراطية"، مستدركاً أن "النظام الحالي لا يمكنه إرخاء قبضته الأمنية وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بحرية تعبير حقيقية لأن ذلك معناه ببساطة نهاية هذا النظام بسبب عمق الاستياء الشعبي والمجتمعي من طريقة إدارة البلاد واستشراء الفساد والاستبداد بصورة تخطت ما كان عليه نظام مبارك بأضعاف مضاعفة".