تحول لافت حدث في علاقات الإمارات بالمغرب، حيث أعادت أبوظبي إحياء علاقتها بالرباط بعد سنوات من التوتر، عبر صفقة التطبيع المغربي وإطلاق موجة اعتراف بمغربية الصحراء، فهل ينضم المغرب للتحالف الإماراتي السعودي المصري بعد هذه التطورات ويغير موقفه في الملفات الخلافية بالمنطقة، مثل ليبيا والعلاقة مع قطر وتركيا.
فبعد أن وصل تدهور العلاقة بين المغرب والسعودية وبالأكثر الإمارات إلى درجة سحب الرباط لدبلوماسيين من أبوظبي واستبعاد أمنيين مغاربة من الإمارات، أعلنت أبوظبي وبعدها حليفتها الصغرى البحرين فتح قنصلية لهما في الصحراء في اعتراف بمغربية الصحراء، بطريقة مستفزة للجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء، أعقب ذلك التطبيع المغربي مع إسرائيل الذي يعتقد أن الإمارات قوة دافعة رئيسة له، وللقرار الأمريكي بالاعتراف بمغربية الصحراء، مقابل التطبيع المغربي.
وسبق أن بلغ التوتر علاقات الإمارات بالمغرب وكذلك الرياض مع الرباط إلى حد شن حملات على المغرب من الإعلام السعودي والإماراتي، وعدم دعم السعودية ودول خليجية أخرى المغرب في مساعيه لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2026.
ملفات أربعة سبب الخلاف
الإجابة عن سؤال هل ينضم المغرب للتحالف الثلاثي الإماراتي السعودي الإماراتي، يمكن معرفتها من رصد موقف المغرب المتوقع من الملفات الأربعة التي يعتقد أنها سبب الخلاف بين الإمارات والسعودية من جهة والمغرب من جهة أخرى.
وأول هذه الملفات هو رفض المغرب المشاركة في حصار قطر واحتفاظه بعلاقة جيدة مع تركيا، وصل الخلاف في هذا الملف إلى حد زيارة الملك المغربي محمد السادس للدوحة في عام 2017، بعد فرض الحصار، فيما اعتبر تضامناً لافتاً معها.
ومن بين ملفات الخلاف عدم التساوق المغربي مع صفقة القرن لما فيها من تفريط شديد في الثوابت التي تبنتها الإمارات علناً، والسعودية خفية، إضافة إلى ذلك هناك الخلاف حول الأزمة الليبية، حيث يعترف المغرب بحكومة الوفاق ويدعم اتفاق الصخيرات.
وأخيراً موقف الإمارات شديد السلبية من الإسلاميين في وقت يحكم المغرب حزب إسلامي، قد يكون الملك له تحفظاته عليه، ولكن العاهل المغربي يدير الأمر بطريقة سياسية ودستورية مع التزامه برفض تقليدي مغربي لأي تدخل خارجي في شؤون بلاده.
هل ينضم المغرب للتحالف الإماراتي السعودي المصري؟
بدا من الواضح أن أسلوب المواجهة الذي اتبعته الإمارات والسعودية مع المغرب ذي الحكم الملكي العريق والموغل في التاريخ لن يجدي نفعاً، وبدا أن الحل في أسلوب آخر، هو إغراء المغرب بمكاسب كبيرة في قضية الصحراء، لجذبه لقطار التطبيع، والوقيعة بينه وبين الجزائر، في وقت بدا أن الإمارات لم تفلح في تحقيق نتائج تذكر في التقارب مع الأخيرة.
ولكن بعد التطبيع المغربي، والمكاسب التي حققتها الرباط في مقابله، هل ينضم المغرب للتحالف الإماراتي السعودي المصري ويغير موقفه في الملفات الخلافية بالمنطقة بعد هذا الكرم الإماراتي السياسي اللافت، باعتبار أبوظبي محركاً أساسياً لكل ما جرى.
نعم للتطبيع لا لصفقة القرن
يمكن ملاحظة عدة أشياء نستطيع بناء عليها تقييم احتمالات تغيير الرباط لمواقفها، ومعرف هل ينضم المغرب للتحالف الإماراتي السعودي المصري أم لا؟
الأول أن الرباط رغم أنها قد تكون صدمت الرأي العام المحلي والعربي عبر التطبيع المفاجئ، فإنه يجب ملاحظة أن المغرب كانت لديه علاقات سرية وعلنية قديمة بإسرائيل، وبالتالي فإنه ليس غريباً أن يلحق بقطار التطبيع، خاصة أن المكسب الاستراتيجي الذي حققه مقابل التطبيع كبير بعد اعتراف الرئيس الأمريكي في أيامه الأخيرة بمغربية الصحراء.
ولكن في المقابل كان لافتاً إبلاغ العاهل المغربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن التطبيع مع إسرائيل لن يكون على حساب القضية الفلسطينية، فالتطبيع لم يصاحبه أي اعتراف ولو ضمنياً بصفقة القرن.
فالسلطة الحاكمة في المغرب قد تعتبر أنها قد حققت لنفسها مكسباً مهماً مقابل تطبيع يمكن تقليل وتيرته بعد رحيل ترامب.
معادلة علاقات الإمارات بالمغرب الغامضة.. الرباط لم ترد أبداً العداء مع التحالف الثلاثي
أما فيما يتعلق بالقضايا الخلافية الأخرى مع الإمارات ومدى احتمال تغيير الرباط لموقفها منها والانضمام لمحور القاهرة أبوظبي الرياض.
فيجب ملاحظة أن الرباط لم ترد في الأغلب أن تصنف كدولة معادية لهذا المحور، خاصة أنها كانت دوماً تحتفظ بعلاقة تقليدية جيدة مع دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، وهي الدول التي كان يجمعها مع المغرب طابع الحكم الملكي والخوف من الحركات اليسارية والقومية (الآن باتت الإسلامية) والعلاقة الوثيقة مع المغرب.
فالمغرب الذي كانت علاقته بالجزائر وليبيا القذافية معقلي القومية العربية ذات التوجهات الاشتراكية، كان دوماً في معسكر الدول العربية المحافظة أو المعتدلة بالتسمية الغربية، أو الرجعية حسب التقسيمة اليسارية القديمة للأنظمة العربية.
ولكن الرباط لم تقبل أن يكون الثمن لوجود علاقة طبيعية وجيدة مع التحالف الثلاثي لاسيما الإمارات والسعودية، هو توريطها في عداء مع خصوم هذا التحالف.
وهذا هو موقفها المتوقع من قطر
ولكن رغم ذلك، فإن المغرب كان دوماً حريصاً على الابتعاد قدر الإمكان على عدم التورط في أزمات المشرق العربي، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
ولذلك قد يفهم موقفه الحازم في أزمة مقاطعة قطر، والذي وصل لزيارة الملك محمد السادس للدوحة شخصياً في ذروة الأزمة، وهو موقف قد يكون رد فعل حاداً ونادراً من الرباط على محاولة إماراتية سعودية لتوريطه في الحصار، مثلما حدث مع الأردن الذي كان واضحاً أنه أقحم في الأزمة من قبل أبوظبي والرياض.
ولذا فإن صمود المغرب في وجه هذه الضغوط في ذروة الأزمة القطرية، بل قيامه بحركة مضادة عبر زيارة ملكه للدوحة في أوج تشدد وقوة التحالف الثلاثي العربي يجعل من الصعب تخيل أن الرباط سوف تدخل في هذا المحور وتعادي قطر، في وقت بدأ هذا المحور يتفكك أو يضعف على أقل تقدير بعد الأنباء عن مصالحة سعودية قطرية محتملة.
ماذا عن الخلافات التجارية مع تركيا؟
وفيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا التي يحتفظ المغرب نسبياً بعلاقة جيدة معها، وهو أمر قد يكون سبب غضب إضافي من الثلاثي العربي مصر والسعودية والإمارات، فمن الواضح أن المغرب يحتفظ بعلاقة جيدة وليست حميمية مع تركيا.
كما أن المغرب يستخدم ملفات الخلافات التجارية مع أنقرة ومسألة إعادة النظر في معاهدة التبادل التجاري الحر بين البلدين لضرب عصفورين بحجر واحد.
الأول أن يبرز للإمارات والسعودية أن هناك خلافاً ما مع أنقرة فيخففوا عنه الضغط، والثاني حصر هذا الخلاف في الجانب التجاري في وقت تعاني فيه الرباط فعلاً من عجز تجاري متزايد مع أنقرة، جراء جودة المنتجات التركية التنافسية العالية، خاصة مع انخفاض الليرة، ما يجعل الشروط المغربية على تركيا مطلباً محلياً حقيقياً حتى لو اكتسب زخماً ما لإرضاء خصوم تركيا.
كما أن التحسن في العلاقات السعودية التركية، الذي بدا في اتصال الملك سلمان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يؤدي إلى تخفيف أي ضغوط على الرباط في ملف العلاقة مع تركيا.
ليبيا: إجماع مغاربي ومعركة خاسرة لحفتر
وفي الملف الليبي، يبقى هناك شبه إجماع في منطقة شمال إفريقيا على اعتبار حكومة الوفاق حكومة شرعية والقلق من حفتر وداعميه المشرقيين، دون ترحيب بالتدخل التركي.
ولكن يظهر هناك موقف مغربي واضح بالتمسك باتفاق الصخيرات باعتباره إنجازاً للرباط، إنجاز يحاول المغرب استكماله عبر استضافة حوارات ليبية عدة خلال الفترة الماضية، بعد إطلاق العملية السياسية، إثر هزيمة حفتر في طرابلس، وتراجعه لسرت.
هل يتساوق الملك المغربي مع العداء للإسلام السياسي؟
أما ملف تيارات الإسلام السياسي، فقط أبدى المغرب دوماً رفضه للتدخل في شأنه الداخلي، والواقع أن القصر الملكي نفسه يستخدم أساليب متعددة لإضعاف حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بطرق سياسية في الأغلب، خاصة أن الحزب لعب دوراً عبر انتقاله من المعارضة لقيادة الحكومة في تجنيب الملكية توترات الربيع العربي.
ويعد التطبيع المغربي الأخير ضربة معنوية للحزب بين أنصاره وأعضائه الرافضين بحكم تركيبتهم الأيديولوجية للتطبيع، في وقت برر رئيس الوزراء المنتمي للحزب سعد الدين عثماني عملية التطبيع.
ماذا عن الجزائر؟
من الواضح أن المغرب يحاول أن يفوز بمكاسب الصفقة عبر الاعتراف الإماراتي الأمريكي بمغربية الصحراء، مع محاولة تقليل تبعاتها، عبر تأكيد التزامه من القضية الفلسطينية.
ولكن الأبرز في هذا التوجه المغربي هو محاولة تقليل التوتر مع الجزائر، التي ساءت علاقتها مع الإمارات قبل اعتراف أبوظبي بمغربية الصحراء، ويعتقد أنها قد تسوء أصلاً بعد هذا الاعتراف الذي يمكن أن يكون أحد دوافعه من قبل الإمارات إغاظة الجزائر.
ومن لكن الواضح أن العاهل المغربي يحاول أن ينأى ببلاده عن الدخول في أي توتر جزائري إماراتي، وهو ما بدا واضحاً في الرسالة التي وجهها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بالتزامن مع هذه التطورات إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بعد إعلان إصابته بفيروس كورونا المستجد.
وتشير رغبة المغرب في تخفيف التوتر مع جاره اللدود الذي يدعم استقلال الصحراء إلى أن الرباط ستحاول المحافظة على علاقتها العربية في المجمل بعيدة عن التوتر مع أي أطراف كجزء من ميراثها السياسي التقليدي.
وهو ما يعني فعلياً أن المغرب سعيد بخروجه من الخصومة الخفية التي حشره فيها التحالف الإماراتي السعودي المصري، ولكن هذا لا يعني أنه سينضم إلى هذا التحالف، في وقت يبدو فيه متزعزعاً أكثر من أي وقت مضى.