لدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ثلاثة أبناء، اثنان منهما يعملان في الرقابة الإدارية، والأكبر محمود أصبح نائباً للمخابرات العامة، فهل يجهزه والده لخلافته أم أن الأبناء الثلاثة لهم دور أكثر خطورة؟
مجلة The Africa Report الفرنسية نشرت تقريراً بعنوان: "محمود السيسي: قطعة من نفس نسيج أبيه"، ألقى نظرة نادرة عن الابن الأكبر للرئيس المصري وصعوده المثير داخل جهاز المخابرات العامة وما إذا كان الرئيس يعده لخلافته أم لأمر آخر.
هل يحاول الرئيس المصري، مثل سلفه حسني مبارك، إعداد نجله الأكبر لخلافته في تولي مقاليد الأمور؟ عندما تشرع في السؤال، تأتيك التحذيرات، عن حق، "سوف تجد صعوبة في العثور على شخص في مصر يرغب في التحدث عنه". إذ عند ذكر اسم محمود السيسي، الابن الأكبر للرئيس المصري، يبدو أن جميع أبواب القاهرة تغلق خوفاً.
ولم يعد التعهد للمصدر بعدم الكشف عن هويته ضماناً كافياً لاستثارة الحديث عن هذا الشاب البالغ من العمر 38 عاماً، والذي بالكاد تجد له ظهوراً إعلامياً، رغم أنه في الواقع أحد أقوى قادة الأجهزة الأمنية لديكتاتورية والده العسكرية، فقد عينه والده في خفيةٍ، وقبل بلوغه السن المطلوب، عميداً في جهاز الاستخبارات العامة المرتبط برئاسة الجمهورية، بحسب مصادر مطلعة.
نادراً ما يُذكر اسمه علناً
في يناير/كانون الثاني 2018، دقت صحيفة The New York Times جرس الإنذار: "من المتوقع أن يضطلع نجل الرئيس السيسي محمود، الذي يعمل لصالح جهاز المخابرات العامة، بدورٍ مهم. وقد رافق، في مناسبة واحدة على الأقل، خالد فوزي [رئيس جهاز المخابرات العامة آنذاك] إلى واشنطن للقاء إدارة أوباما".
قبل ذلك، كان نادراً ما يُذكر علناً إلى جانب إخوته، وإن كان سبق له أن تصدر أخبار الصحف العالمية في يوليو/تموز 2016، عندما ربطته الأسبوعية الإيطالية L'Espresso، بناءً على تسريبات مصرية، بتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
ومحذراً يقول سيف الإسلام عيد، وهو باحث مصري في العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا: "هناك صورتان فقط له، ولم يسمع الجمهور العام صوته قط، إنه ظل. إذا تحدثت عن محمود في مصر، فسوف تذهب مباشرة إلى السجن".
يضيف عيد أنه "عندما اندلعت قضية ريجيني، كان محمود يشغل بالفعل منصباً مهماً في جهاز المخابرات العامة المصرية، وقد بات الآن الرجل الثاني فيه بعد عباس كامل. ومن ثم، فقد كان على علم على الأقل باختفاء ريجيني، حتى لو لم يكن الآمر بذلك".
ومع ذلك، يشير عيد إلى أن قسماً كبيراً من المصريين ما زالوا غير مدركين بعد لوجود محمود ومكانته، وإن بدأ اسمه ينتشر بين المعارضين والنشطاء في سبتمبر/أيلول 2019، بعدما نشر الممثل والمقاول المصري المعارض، محمد علي، مقاطع فيديو من إسبانيا تتناول ما سماه تحويل السيسي مصر إلى ملكية عائلية.
شريك والده الصامت
استدعى هذا الاتهام إلى الذاكرة حتماً انتهاكات عائلة مبارك المخلوعة عن الحكم، فقد قُدِّم الابن الاكبر في عائلة السيسي على أنه الشريك الصامت لوالده: العقل المدبر الحقيقي لسياساته القمعية والوريث لسيرة نجل الرئيس الأسبق، جمال مبارك. دعا عليّ إلى مظاهرات، وعلى الرغم من مستوى القمع غير المسبوق في مصر، نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع.
السيطرة على الإعلام هي إحدى القضايا التي يتولى محمود السيسي مسؤوليتها في المخابرات العامة، التي تهيمن على مجموعات إعلامية كبيرة منذ عام 2016. وقد نشر موقع "القاهرة 24" مقالاً طويلاً في يونيو/حزيران 2020 زعم أنه مخصص للكشف عن الوجه الحقيقي لخادم الدولة المخلص الذي تعرضت سمعته للتشويه أمام الجمهور.
هل هذه التسريبات المحرجة هي التي دفعت، بعد أسابيع قليلة من المظاهرات، بمغادرة محمود في مهمة دبلوماسية غير محددة إلى موسكو؟ يكتنف الغموض تلك الحلقة كغيرها من حلقات محمود السيسي. ومع ذلك، فإن الضغط الوحشي الذي مورس على الصحافة في مصر هو مجرد مثال واحد يبين الحظر المفروض على أي ذكر لاسم الابن القوي في السلطة.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نشر موقع "مدى مصر" الإخباري، المحظور في مصر ولكن يمكن الولوج إليه عبر مواقع البروكسي البديلة، مقالاً أعلن فيه إرسال السيسي مبعداً إلى موسكو. وفي خلال الأيام التالية، تم تفتيش مقر شركة "مدى مصر" الإعلامية المستقلة، واعتقال أربعة من صحفييها لفترة وجيزة ومصادرة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. كان الموقع قد كتب أن الدائرة المحيطة بالرئيس رأت إبعاد محمود مؤقتاً لما بدأ يحظى به اسمه من بروز وتواتر في تقارير إعلامية عربية وعالمية.
ونقلاً عن مصادر داخل جهاز المخابرات العامة نفسه، نسب المقال الأسباب الرئيسية لذلك إلى "فشل السيسي الابن في معظم الملفات التي تولى مسؤوليتها مؤخراً"، لا سيما فشله في السيطرة على وسائل الإعلام وعجزه عن إطفاء فتيل الأزمة التي أشعلتها مقاطع الفيديو التي نشرها محمد علي.
هل كان الأمر بضغوطٍ من محمد بن زايد؟
غير أن تفسيرات أخرى طُرحت لتفسير إبعاد محمود المفاجئ إلى موسكو، مثل أن السبب هو ضغوط من الزعيم الإماراتي والممول الرئيسي للنظام المصري، محمد بن زايد، الذي قد يكون انتابه القلق من أن المعارضة الشعبية والانتقادات الداخلية لقوة محمود المتنامية ذاتها يمكن أن تلقي بظلالها على رئاسة والده. وقال آخرون إنه "ذهب لفترة تدريب مع بوتين لتعلم الطرق الفعالة لإدارة دولة استبدادية".
مع ذلك، وسواء أكانت فترة تدريب أم إبعاد، فإن رحلة محمود في موسكو لم تدم طويلاً، وعاد الابن ليصبح نائباً لمدير المخابرات العامة في بداية عام 2020. وكانت هذه خطوة أخرى اتخذها والده لتوطيد سلطته.
يستحضر سيف الإسلام عيد، الباحث السياسي، الدورَ السياسي الذي اضطلع به محمود في السنوات الأخيرة، إذ بحسب تسريبات داخلية، كان هو مهندس الإصلاحات الدستورية التي صدرت عام 2019 والتي سمحت لوالده بالترشح لفترة رئاسية جديدة. كما كان الرجل وراء تنظيم تحالف كبير حول الحزب التابع للرئاسة، "مستقبل وطن"، في الانتخابات التشريعية التي أُجريت أواخر عام 2020.
فهل يجري التحضير لخليفة في حكم البلاد من نفس سلالة الحاكم الحالي ضمن المحاولات التي لا حصر لها لجعل الجمهورية العربية وراثية؟ يقول عيد: "من السابق لأوانه أن نقول ذلك، فالرئيس السيسي في صحة جيدة ولا يزال يرى نفسه رئيساً للبلاد للعشرين عاماً القادمة على الأقل".
لكن، على الجانب الآخر، تستمر الصورة غير الرسمية التي يقدمها موقع القاهرة 24، المقرب من جهاز المخابرات العامة، مروجةً لفكرة أن الابن يدين بصعوده لكفاءته الشخصية فحسب، وليس لتأثير أبيه. كما أن الموقع ينفي بشدة أنه يحمل أي رتبة قريبة من رتبة جنرال التي تلصقها به "وسائل الإعلام المعادية".
وفقاً لمقال القاهرة 24، فإن مساره المهني في غاية النزاهة: فقد تخرج في الكلية الحربية عام 2003، قبل أن يلتحق بالفرقة المكلفة بتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس في منطقة القنطرة، ثم أصبح ضابطاً في أحد معسكرات الجيش في سيناء. وفي عام 2009، انضم إلى المخابرات العامة، حيث كان مسؤولاً عن منطقة شمال سيناء، وهي المنطقة التي ينشط فيها فرع تنظيم الدولة الإسلامية المسلحة.
ونقلاً عن أحد الضباط المتقاعدين، يذكر الموقع إشادة تتناقض مع ما قيل عن محمود من مزاجه الحاد وسرعة انفعاله، فهو، بحسب المصدر: "مهذب وعملي كوالده، غير أنه يدخن السجائر (خلافاً لوالده)، ومع ذلك فإنه يحب الرياضة ويمارسها بانتظام".
والدي البطل
يظهر محمود السيسي في هذه الصورة الجميلة على أنه الابن الجدير بثناء والده، والنجل الذي يسير على خطاه جندياً وعضواً بارزاً في جهاز الاستخبارات لصالح بلاده.
من جهة أخرى، إذا لم يكن السيسي يخطط لتعيين محمود وريثاً له، فهل يستعين بأبنائه على النحو الذي يفعله جاره وحليفه الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي عيّن خمسة من أبنائه في مناصب رئيسية في نظامه؟ بعبارة أخرى، هل يضعهم الجنرال في مناصب السلطة لحماية نفسه من الانقلابات الداخلية أكثر من تأمين خليفة له؟
إذ بينما يشغل محمود المنصب الأبرز، فإن شقيقه مصطفى يحتل أيضاً مكانة جيدة في هيئة الرقابة الإدارية ذات النفوذ، وفي الوقت نفسه، انضم أصغرهم، حسن، إلى محمود في المخابرات العامة بعد أن عمل لفترة في قطاع النفط.
بين عامي 2014، و2017، أقال السيسي 47 من كبار مسؤولي جهاز المخابرات العامة، بعد تسريبات داخلية بشأن نظامه، لينتهي الأمر في عام 2018 بإقالة مدير الجهاز نفسه، خالد فوزي، وتعيين تابِعه المقرب عباس كامل، يساعده نجله محمود. الأمر نفسه حدث في الجيش، مع إقالة رئيس الأركان محمود حجازي في عام 2017، الذي قال منتقدوه للسيسي، إنه قد يحاول القيام بانقلاب داخلي.
في الختام، قد ينتهي تركيز السلطة بين يدي عائلة الرئيس بالكشف عن مزيد من نقاط ضعف النظام أكثر من تعزيز قوته وإحكام سيطرته على السلطة.