انضم المغرب إلى كل من الإمارات والبحرين والسودان للذهاب بتطبيع علاقتها رسمياً مع إسرائيل برعاية وتخطيط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعلن ترامب، الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، في تغريدة على تويتر، موافقة المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، معلناً في الوقت نفسه اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو".. فكيف يغري الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل؟
المغرب.. التطبيع مقابل الاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء
تعتبر قضية الصحراء الغربية قضية وطنية وسيادية، وقضية أمن قومي، بالنسبة للمغرب منذ نهاية الاستعمار الإسباني عن البلاد، إذ كان الاستعمار السبب الأكبر في بداية الصراع على الصحراء منذ ستينيات القرن الماضي، حين طالب المغرب باستعادة صحرائه مباشرة بعد نيل استقلاله، وذلك بعد رفض السلطات الاستعمارية الإسبانية تسليم إقليم الصحراء إلى المغرب.
لذلك، تعتبر قضية الصحراء من أطول الخلافات الترابية التي عرفها التاريخ الحديث، وذلك لتداخل خيوط أطراف الصراع فيها والذي كلف معارك وحروباً بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ 45 عاماً، ونزاعات وقطيعة بين المغرب والجزائر، ولم يتوقف الصراع على الصحراء بين المغرب والبوليساريو منذ 45 عاماً، دون حصول أي تقدم ملموس في اتجاه إيجاد حل نهائي ومتفق عليه.
لذلك، سعى الرئيس الأمريكي ترامب لإغراء المملكة المغربية بالدعم الدبلوماسي في أكثر القضايا التي تشغلها وتعتبرها مصيرية، وذلك باعترافه بسيادة الرباط على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو"، وبالطبع لاقى هذا الإعلان ترحيباً كبيراً على المستوى الرسمي في المغرب، إلا أنه لم يدع المجال للمغاربة لكي يفرحوا بمضامين بلاغ الديوان الملكي، الذي صدر عشية الإعلان الأمريكي بمغربية الصحراء، بسبب ربط الإعلان الأمريكي بتطبيع بلادهم مع إسرائيل، حيث اعتبر أن إقامة المملكة علاقات رسمية مع إسرائيل كانت ثمن الاعتراف بالسيادة على الصحراء.
الإمارات.. التطبيع مقابل صفقة طائرات شبحية
لكن الإمارات التي افتتحت الموجة الجديدة من التطبيع العربي والخليجي مع إسرائيل وشجعت عليها بشتى السبل والوسائل، يبدو أنها أُغريت بما هو أقل من إقليم متنازع عليه، إذ كان ثمن إعلان تطبيعها الرسمي والعلني مع إسرائيل صفقة سلاح لطالما كانت تتوق لها.
فبعد أسبوع واحد من توقيعها اتفاق التطبيع مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول الماضي، تقدمت الإمارات بطلب رسمي لشراء طائرات F-35 المتطورة من الولايات المتحدة.
وتعود رغبة الإمارات في شراء مقاتلات F-35 7 إلى أعوام سابقة حسب مجلة "أخبار الدفاع" الأمريكية، التي نشرت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تقريراً تحدث عن رفض واشنطن طلبات متكررة من أبوظبي، منذ عام 2014، للحصول على هذا الطراز المتقدم من المقاتلات.
ويعتقد خبراء أمريكيون أن بدايات موافقة الولايات المتحدة على الصفقة ضمن مباحثات سرية، تعود إلى فترة الحرب على تنظيم "داعش" بين عامي 2014 و2017، وحاجة واشنطن إلى دعم أبوظبي، لتلعب دوراً في الحملة الجوية للتحالف الدولي ضد التنظيم. وأبلغ البيت الأبيض، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الكونغرس أنه يعتزم التصديق على بيع 50 مقاتلة من طراز F-35 للإمارات.
السودان.. التطبيع مقابل رفع العقوبات
أما السودان الذي ما يزال مضطرباً في مرحلته الانتقالية بعد الإطاحة بنظام البشير، العام الماضي، وتقاسم العسكر والمدنيين الحكم المؤقت، فيبدو أن ثمن التطبيع مع إسرائيل كان رفع العقوبات الأمريكية عن الخرطوم.
إذ يعاني السودان أزمات اقتصادية متعددة نتيجة عقوبات أمريكية ودولية فُرضت عليها، بسبب تصنيفه من قبل واشنطن كدولة داعمة للإرهاب منذ 27 عاماً، وذلك عقب استقبال الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، مؤسسَ تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، عام 1993.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن السودان تطبيع علاقاته مع إسرائيل، ليكون بذلك البلد العربي الخامسَ الذي يوافق على تطبيع العلاقات، بعد مصر (1979)، والأردن (1994)، والإمارات والبحرين (2020)، فيما أعلنت قوى سياسية سودانية عدة، رفضها القاطع للتطبيع مع إسرائيل، من بينها أحزاب مشارِكة في الائتلاف الحاكم.
وكان الابتزاز والإغراء الأمريكي للخرطوم واضحاً ومباشراً كي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في تصريحات صحفية سابقة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدء الولايات المتحدة بعمليات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قائلاً إن ذلك "سيتم قريباً"، حيث كشف أيضاً عن رغبة واشنطن في أن تعترف الخرطوم بإسرائيل "سريعاً".
وأضاف بومبيو: "تريد الولايات المتحدة أن تعترف كل الدول بإسرائيل وحقها في الوجود، وهذا يشمل السودان". وأشار إلى أن واشنطن تأمل أن تعترف الخرطوم بإسرائيل؛ "لما في ذلك من مصلحة للحكومة السودانية".
البحرين.. التطبيع مقابل "احتمالات" صفقات اقتصادية وعسكرية
تعاني البحرين أزمات مالية مستعصية منذ سنوات، وتعتمد بشكل كبير في مواجهتها على المعونات الخليجية، وأبرزها تلك التي تأتي من السعودية والإمارات، وبالمعونات الخليجية تتفادى البحرين إجراء إصلاحات داخلية قد تكون مكلفة سياسياً لها، خصوصاً بعد أحداث قمع الاحتجاجات فيها عام 2011.
وبذلك، رهنت البحرين قرارها السياسي لكل من أبوظبي والرياض منذ سنوات، وهو ما كان واضحاً في أكثر من مناسبة وأزمة إقليمية، أبرزها على سبيل المثال انضمام المنامة إلى الرياض وأبوظبي في حصار ومقاطعة قطر، عام 2017.
وعلى غرار الإمارات، امتدت العلاقات السرية بين البحرين وإسرائيل لسنوات قبل توثيقها رسمياً في سبتمبر/أيلول الماضي. وإضافة إلى ذلك، توجد في البحرين جالية يهودية صغيرة شغل أحد أعضائها منصب السفير البحريني لدى الولايات المتحدة في الفترة بين عامي 2008 و2013. كما استضافت المملكة الخليجية الصغيرة مؤتمر الكشف عن الجانب الاقتصادي لخطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، ما أشار إلى استعدادها لمشاركة الولايات المتحدة، وإسرائيل بالتبعية، في تلك القضية.
وتظل الأهداف التي ترمي إليها البحرين من اتفاق التطبيع مع إسرائيل أقل وضوحاً من جارتها الإمارات. لكن بالنسبة لها، فإن اتفاقيات التطبيع تفتح أيضاً احتمالية شراء التقنيات الإسرائيلية المتقدمة، وضمن ذلك التقنيات العسكرية مثل نظام "القبة الحديدية" المقاوم للصواريخ، والذي تريده المنامة بقوة لحماية نفسها من أي أخطار إيرانية متحملة، فضلاً عن إمكانية التعاون في الجوانب الاقتصادية والصحية والسياحية وغيرها، وهو ما تسعى له المنامة وتُوعَد به من الإدارة الأمريكية ومن جيرانها المُطبِّعين لتحسين اقتصادها.