حرب اليمن، وسجينات الرأي، وحصار قطر.. جبهات ثلاث يجد ولي عهد السعودية نفسَه مُطالَباً بالخروج منها بأقل الأضرار قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، فهل مِن مَخرج يحفظ ماء وجهه؟
خسارة ترامب قلبت الأمور رأساً على عقب
كان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يُمثل الحليفَ الأبرز لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وبالتالي فخسارة ترامب جعلت القيادة السعودية عموماً وولي العهد خصوصاً يعيش أياماً صعبة، انتظاراً لتنصيب الرئيس الديمقراطي جو بايدن رسمياً يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وليس سراً أنّ إدارة بايدن سوف تكون أكثر صرامة مع الحاكم الفعلي للمملكة في كثير من الملفات، أبرزها حقوق الإنسان، خصوصاً أن محمد بن سلمان قد فشل حتى الآن في تبديد الشكوك الدولية بشأن علاقته بجريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول قبل عامين.
وجاء أحد المؤشرات على تغيير ولي العهد لطريقة تعاطيه مع الملفات العالقة، عندما ردّ على استدعاء محكمة أمريكية له بشأن الاتهامات التي وجهها له سعد الجبري، رغم تجاهل محمد بن سلمان لقضية اغتيال خاشقجي، التي لا تزال محاكم أمريكية أخرى تنظر في الاتهامات الموجهة له فيها (قصة رد ولي العهد كاملة من خلال هذا الرابط).
فبعد أربع سنوات قضاها ترامب في البيت الأبيض قدَّم خلالها دعماً غير مشروط لسياسات محمد بن سلمان، فجأة وجد ولي العهد نفسه في مواجهة إدارة جديدة يرأسها بايدن، الذي يُولي أهمية كبيرة لملف حقوق الإنسان، عكس ترامب، وهو ما يعني أن ولي عهد السعودية سيتعرَّض لضغوط لم يعتَدْ عليها، وعليه الآن أن يستعدّ لفترة صعبة قادمة.
كارثة حرب اليمن
اتَّخذ محمد بن سلمان قرار شن الحرب على جماعة الحوثي في اليمن، في مارس/آذار 2015، وكان وقتها وزيراً للدفاع في السعودية، وشكَّل من أجل ذلك تحالفاً عربياً بهدف إنهاء انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في اليمن، وكانت حساباته وقتها تتركز في تحقيق انتصار مدوٍّ وسريع يعيد من خلاله حكومة الرئيس عبدربه هادي إلى صنعاء، ويقدم نفسه للسعوديين كزعيم شاب قادم لإدارة المملكة وجعلها القوة الأبرز إقليمياً.
لكن مرت أكثر من 6 سنوات دون أن يتحقق الهدف، فلا يزال الحوثيون مسيطرين على صنعاء ومعظم مدن غرب اليمن، وتحولت أحلام الانتصار إلى سراب تام بعد أن تحول اليمن إلى أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم في العصر الحديث، بحسب تقارير الأمم المتحدة، وارتكب التحالف السعودي والحوثيون على السواء جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية، ستظل على الأرجح موضوعاً لملاحقات دولية لسنوات طويلة قادمة.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، من المؤكد أن جبهة اليمن ورطة مكلفة بالنسبة للسعودية، وقد انهارت العديد من خطط السلام تباعاً، حيث أسفرت حرب اليمن عن مقتل يمنيين واستنزاف الخزانة السعودية، فضلاً عن إثارة انتقادات متزايدة في الخارج.
ويسعى السعوديون إلى إيجاد سبيل يضمن لهم حفظ ماء الوجه للخروج من هذه الورطة، بيد أنهم بعد أن شرعوا، على حد قولهم، في "منع إيران من ضمان موطئ قدم على حدودهم الجنوبية"، يشددون على أنهم لا يستطيعون قبول ميليشيا مسلحة تدعمها إيران تسيطر على السلطة في اليمن.
وبحلول عام 2016، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تراجع بالفعل في نهاية فترة رئاسته عن تقديم بعض الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، ثم جاء ترامب مغايراً لتلك السياسة، وقدم للرياض كل المساعدات الاستخباراتية والمادية التي طلبتها، والآن أشارت إدارة بايدن إلى أنه من غير المرجح أن يستمر الوضع.
ولا يزال الضغط مستمراً لإنهاء هذه الحرب بطريقة أو بأخرى، وهذا المأزق يواجهه الآن محمد بن سلمان دون وجود مخرج يحفظ ماء الوجه.
قضية لجين الهذلول وزميلاتها
الضلع الثاني في المأزق الثلاثي الذي يواجهه ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة هو ملف حقوق الإنسان بشكل عام، وقضية اعتقال 13 ناشطة أشهرهن هي لجين الهذلول، وهي القضية التي تمثل كارثة حقيقية في مجال العلاقات العامة الدولية بالنسبة للقيادة السعودية.
فقد اعتقلت السلطات 13 ناشطة سلمية عام 2018، وتعرَّضن في بعض الحالات لانتهاكات مروعة، وكانت جريمتهن تتمثل في مطالبتهن بحق قيادة السيارات وإنهاء نظام ولاية الرجل على المرأة، والهذلول هي السجينة الأكثر شهرة بين المعتقلات.
ويؤكد مسؤولون سعوديون أن الهذلول متهمة بالتجسس و"الحصول على أموال من قوى أجنبية"، لكنهم أخفقوا في تقديم أدلة تدعم ذلك، بينما يقول أصدقاؤها إنها لم تفعل شيئاً أكثر من حضور مؤتمر في الخارج بشأن حقوق الإنسان والتقدم بطلب وظيفة في الأمم المتحدة.
وقالت أسرتها إنها تعرضت أثناء الاحتجاز للضرب والصعق بالكهرباء والتهديد بالاغتصاب، وإن آخر مرة رأوها فيها كانت ترتجف لاإراديا، وكما حدث مع حرب اليمن، وضعت القيادة السعودية نفسها في هذا المأزق، وتبحث الآن عن سبيل لحفظ ماء الوجه للخروج من هذه الورطة.
وبعد احتجاز النساء لفترة طويلة، دون أي دليل يمكن تقديمه إلى المحكمة في بلد يتمتع بقضاء مستقل، فإن أوضح سبيل للخروج هو "العفو الشامل"، وسط توقعات بأن إدارة بايدن سوف تثير هذه القضية بالفعل مع الرياض، فهل يتخذ ولي العهد قرار "العفو الشامل" استباقياً؟
حصار قطر
بعد أيام قليلة من زيارة ترامب للمملكة عام 2017، قامت السعودية، إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر، بفرض مقاطعة على جارتها الخليجية قطر، وقالت الدول الأربع إن السبب هو دعم قطر غير المقبول للجماعات الإسلامية، الذي يرقى إلى مستوى دعم "الإرهاب"، وهي الاتهامات التي تنفيها قطر.
وكما حدث مع الحوثيين في اليمن، توقعت السعودية خطأً أن القطريين سوف ينهارون ويستسلمون في النهاية، لكنهم لم يفعلوا، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى ثرواتهم الهائلة، فقطر لديها حقل غاز بحري ضخم واستثمرت ما يزيد على 53 مليار دولار (40 مليار جنيه إسترليني) في الاقتصاد البريطاني وحده.
ومن دون شك، ألحقت مقاطعة قطر، التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة، أضراراً اقتصادية وسياسية بالجانبين، كما جعلت وحدة الخليج موضع تهكم في وقت يشعر فيه زعماء دول الخليج بقلق متزايد من برامج إيران النووية والصاروخية.
وبعد خسارة ترامب ضغط صهره ومستشاره الأعلى جاريد كوشنر خلال زيارته الأخيرة للخليج، من أجل تسوية النزاع، وبالتأكيد سترغب إدارة بايدن في تسويته، فقطر، في نهاية المطاف، تستضيف قاعدة "العديد" الجوية، أكبر قاعدة خارجية للبنتاغون.
وفي الأيام الأخيرة الماضية، تشير التصريحات الرسمية أن الوساطة الكويتية برعاية أمريكية قد نجحت بالفعل في التوصل لحلول تُنهي المقاطعة، وتجعل المصالحة الخليجية مسألة وقت، لكن ما تحقق بالفعل في نقاط الخلاف يظل غير معلوم.