يبدو واضحاً أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون يحاول خلق عداء أوروبي لتركيا؛ لاستغلاله في مساعيه لتزعُّم الاتحاد الأوروبي، في وقت يواجه مشكلات داخلية ببلاده، إضافة إلى وجود خلافات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي.
وتاريخياً على مدار قرون، حاولت فرنسا تزعُّم أوروبا أو حتى السيطرة عليها، وبلغ ذلك ذروته في عهد نابليون بونابرت الذي انتهت محاولته بهزيمة منكرة، وظهور نظام للتوازن داخل أوروبا، ولكن توحُّد ألمانيا على يد بسمارك عام 1871 أنهى فعلياً، احتمالات زعامة فرنسا للقارة، خاصة مع توحيد إيطاليا وتزايد الوزن الروسي.
وأصبحت الهيمنة على أوروبا هدفاً ألمانيّاً وصل إلى ذورته في عهد أدولف هتلر، الذي انتهت محاولته بهزيمة منكرة أيضاً أخضعت ألمانيا للاحتلال والتقسيم، وأفضت إلى توزيع النفوذ في أوروبا بين الاتحاد السوفييتي الذي هيمن على الشرق والولايات المتحدة التي حمت أوروبا الغربية من النفوذ السوفييتي.
ولكن فرنسا رغم أنه تم تحريرها بفضل القوات البريطانية والأمريكية، لم ترضَ عن هذا النفوذ الأمريكي البريطاني، وكان الاتحاد الأوروبي الذي نشأ كسوق للفحم والصلب محاولة لبناء القارة المدمرة ومنع الحروب مجدداً، ولكنه من جانب فرنسا كان محاولة لتعزيز نفوذها في مواجهة النفوذ الأمريكي أكثر منها محاولة لتوحيد القارة أمام الخطر السوفييتي الروسي، ولذا كان لافتاً اعتراض الزعيم الفرنسي شارل ديغول كان يرفض إنضمام بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة، وكان لديها علاقة جيدة مع الاتحاد السوفيتي.
فدوماً فرنسا كانت أقرب بلدان أوروبا إلى روسيا.
ماكرون يحاول خلق عداء أوروبي لتركيا لاستغلاله في مساعيه لتزعم القارة
واليوم تحاول فرنسا الاستمرار في هذه السياسة، أي إبعاد أمريكا عن أوروبا وتقليل الخطر الروسي مع إيجاد عدو وهمي لأوروبا هو تركيا، الدولة التي ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتي لعبت دوراً مهماً بحلف الأطلنطي في التصدي للخطر الروسي دوماً، مع محاولة خلق سياسة دفاعية أوروبية منفصلة عن الناتو بزعامة فرنسا بطبيعة الحال وهي خطوة تعارضها ألمانيا.
والمفارقة أن هناك أوجه تشابه بين بونابرت وماكرون، على الاختلاف الكبير بينهما.
فقد قدَّم بونابرت نفسه على أنه موحِّد لأوروبا ومحرِّر لها، الأمر الذي نال إعجاب بعض النخب الأوروبية في ذلك الوقت (أيضاً قال للمصريين عندما غزا بلادهم، إنه مكلف من السلطان العثماني بتخليصهم من حكم المماليك)، فيما كان مشروع بونابرت شخصياً بالدرجة الأولى فرنسياً بالدرجة الثانية، قام على التلاعب بدويلات أوروبا وأمرائها، وإعادة رسم خريطتها مع رفع شعارات الثورة الفرنسية، وحشد دول القارة ضد بريطانيا باعتبارها القوة الرئيسية التي عارضت القائد الفرنسي.
والأمر ينطبق على ماكرون، الذي بدأ حكمه بالدعوة إلى الانفتاح واستيعاب المهاجرين وتخفيف غلواء العلمانية ضد المسلمين، ثم بعدما فشل في فرض الإصلاحات داخل فرنسا وانصاع لحركة السترات الصفراء، وبعدما سخِر من الشعب الفرنسي بوصفه بقبائل الغال التي لاتقبل التغيير، وبعد أن دخل في سجال مع المسؤولين الإيطاليين، بسبب سياستهم غير الإنسانية تجاه المهاجرين، تحوَّل إلى مغازلة اليمين المتطرف، محاولاً خلق شوفينية أوروبية ضدهم وضد تركيا، مع التحالف مع المستبدين العرب.
ألمانيا تساعد ماكرون.. وإيطاليا غاضبة
واللافت أن جزءاً من نجاح السياسة الفرنسية يعتمد بشكل كبير على الخجل الألماني- إن صح التعبير- من تبوُّء مقعدها الطبيعي بقيادة الاتحاد الأوروبي، خاصة في السياسة الخارجية، وقبول برلين تحت قيادة المستشارة أنجيلا ميركل إعطاء فرنسا الماكرونية دوراً لنفسها أكبر من حجمه الحقيقي، من خلال التعامل على أن فرنسا وألمانيا هما قائدتا الاتحاد الأوروبي وتهميش دولة كإيطاليا.
رغم أن الفارق بين فرنسا وإيطاليا في القدرات الاقتصادية والحجم السكاني أقل من الفارق بين ألمانيا وفرنسا.
ومن ثم فالمنطق يقول إما أن تكون ألمانيا هي قائدة الاتحاد الأوروبي تليها فرنسا وإيطاليا كقائدتين مساعدتين وإما أن ينظر إلى الدول الثلاث كقيادات للاتحاد الأوروبي.
وخلق هذا الوضع مشكلة بين فرنسا وإيطاليا، وهي مشكلة تشمل ألمانيا، مثلما حدث بسبب ما اعتبرته روما تواطؤاً ألمانيّاً فرنسياً وتمييزاً أوروبياً ضدها في عديد من القضايا، مثل التلويح بمعاقبة إيطاليا لاحتمال تخطِّيها سقف العجز الذي وضعه الاتحاد الأوروبي، في حين سُمح لباريس بتخطي العجز لسنوات، وكذلك تضامن باريس مع رغبة ألمانيا في الانضمام إلى مجلس الأمن كعضو دائم وتجاهل إيطاليا، إضافة إلى تجاهل مصالح روما في ليبيا، (أقرب إلى حكومة الوفاق) رغم أن ليبيا مستعمرة إيطالية سابقة، وروما هي الأكثر تضرراً من الهجرات التي تأتي من ليبيا، فضلاً عن مصالحها النفطية هناك.
اليونان أولى ضحايا باريس وبرلين
وشكَّل الغضب الإيطالي من سياسات الاتحاد الأوروبي التي تقودها ألمانيا وفرنسا، جزءاً من مشهد غاضب في عديد من الدول الأوروبية، كانت اليونان أيضاً أحد أبطاله.
حيث كان الشعب اليوناني يشعر بدرجة كبيرة من الغضب تجاه السياسات الألمانية والفرنسية التي أجبرته على التقشف خلال الأزمة المالية اليونانية، بشكل دمر مدخرات المتقاعدين اليونانيين وتسبب في ركود اقتصادي، وهي طريقة معالجة انتقدها الخبراء الاقتصاديون.
كما تشعر بذلك دول أوروبا الشرقية، خاصةً المجر وبولندا (الأخيرة أكبر دولة في أوروبا الشرقية ضمن الاتحاد الأوروبي)، بسبب ما تعتبرانه وصاية من الاتحاد الأوروبي على سياساتهما الداخلية خاصة من ألمانيا، حتى تراشق البلدان.
كما ظهر الانقسام واضحاً في أزمة كورونا، حينما تقاعس الأوروبيون عن مساعدة إيطاليا، فيما جاءتها المساعدات في وقت حرج، من الصين وروسيا وحتى كوبا.
وازداد الانقسام وضوحاً عند مناقشة خطة تمويل التغلب على التداعيات الاقتصادية لكورونا، حيث كانت الدول الشمالية لا ترغب في خطة دعم موسعة تذهب أغلب أموالها لدول جنوب أوروبا الفقيرة، التي واجهت الجائحة بمرافق صحية متداعية، بسبب الإجراءات التقشفية التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها.
أوروبا المنقسمة
فعلياً ينقسم الاتحاد الأوروبي إلى ثلاث مناطق حالياً.
أوروبا الشمالية الغنية الشحيحة، وهي منطقة تضم جزئياً فرنسا، وهذه الدول هي المموِّل الأكبر للاتحاد الأوروبي، وهي دول أكثر تقدماً ومستفيدة من اليورو، لأن اقتصاداتها قوية، وصناعاتها عريقة ومتقدمة، ومن ثم فإن اليورو يمثل خياراً جيداً لها، لأن هذه الدول مثل ألمانيا، لو حافظت على عملاتها السابقة لكانت أسعارها ستكون أعلى من اليورو مما يُضعف تنافسية صادرتها.
ومن ثم زاد اليورو تنافسية أسعار منتجاتها، التي هي أصلاً منتجات عالية الجودة والتكنولوجيا ولا تتنافس مع دول آسيا أو تركيا، كما أن هذه الدول لديها تراكم أرصدة أموال تاريخي عكس بقية دول الاتحاد الأوروبي الجنوبية والشرقية (موطن المصارف الغنية في القارة).
الجزء الثاني هو أوروبا الشرقية وهي تضم الدول التي كانت جزءاً من الكتلة الشرقية التابعة للاتحاد السوفييتي ثم انضمت للاتحاد الأوروبي.
وهذه الدول استفادت من الاتحاد الأوروبي عبر المساعدات التي قدَّمتها بروكسل، ولم تتضرر من اليورو، لأنه ما زالت لديها عملاتها الخاصة الأضعف من اليورو، مما يجعل صادراتها ذات أسعار تنافسية، إلى جانب أن هذه الدول أجور العمالة فيها منخفضة، مما جعلها متلقياً جيداً للاستثمار القادم من غرب أوروبا، إضافة إلى امتلاكها موارد طبيعية جيدة وطبيعة جغرافية سهلية في الأغلب تساعد على الزراعة والاستثمار عكس الطبيعة الجبلية لأغلب دول جنوب أوروبا.
ولكن هذه الدول تشكو من معاملتها كدول درجة ثانية، وكذلك تشكو من هجرة شبابها إلى أوروبا الغربية بحثاً عن أجور أفضل (بلغاريا مثلاً تواجه مشكلة كبيرة، من جراء تناقص السكان).
وهذه دول تميل في أغلبها إلى الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع تركيا، رغم أن كثيراً منها مستعمرات عثمانية سابقة أو تعرضت لغزوات عثمانية (عكس فرنسا التي كانت تتحالف مع الدولة العثمانية في ذروة قوتها).
أما أكثر الدول تضرراً من الاتحاد الأوروبي، فهي دول جنوب أوروبا، وهذه هي المنطقة الثالثة.
إذ إن العملة الأوروبية الموحدة، تسبب في ضرر كبير لدول جنوب القارة، لأن اليورو أقوى من اقتصادياتها، خاصةً أن مستوى جودة سلعها ليس مرتفعاً كدول شمال أوروبا؛ ومن ثم فإن سلعها تواجه منافسة من السلع الآسيوية والتركية، منافسة خسرتها بسبب اليورو القوي الذي حل محل عملاتها الأضعف المتناسبة مع اقتصادها، حسبما ذكر الباحث جوزيف ستيغلتز في كتابه "كيف تهدد العملة الموحدة مستقبل أوروبا؟".
وبدورها تميل دول أوروبا الجنوبية إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع تركيا.
الاستقواء الأوروبي الشمالي يشمل الجميع حتى بريطانيا العظمى
والواقع أن الشعور بالاستقواء الفرنسي الألماني أو الاستقواء الشمال الأوروبي الذي تشكو منه تركيا، اشتكت منه دول أوروبا الشرقية والجنوبية، ووصل إلى تحذير رئيس وزراء إيطاليا الحالي ماريو مونتي، عندما قدَّم استقالته من قبلُ، من العداء الذي تشكَّل داخل بلاده ضد الاتحاد الأوروبي، بسبب سياسته المالية القاسية ودفعه إلى إقالة حكومات إيطالية سابقة؛ الأمر الذي أدى إلى صعود حركات شعبوية في بلاده.
ماكرون يحاول خلق عداء أوروبي لتركيا لأن أفضل سبيل لفرنسا وبصورةٍ أقل ألمانيا في مواجهة هذا الانقسامات الذي خلقته سياسات الدولتين الأوروبية، هو البحث عن عدو وهمي للاتحاد الأوروبي؛ للتغلب على هذه الانقسامات أو تسكينها على الأقل.
ويساعد على هذا التوجه عداء اليمين الأوروبي (الذي يغازله ماكرون وميركل) لكل ما هو إسلامي كتركيا، خاصةً أن هذا اليمين- لاسيما المتطرف منه- يستبعد روسيا من دائرة العداء باعتبارها دولة بيضاء يحكمها الرئيس المستبد فلاديمير الذي تنظر إليه كثير من الدوائر اليمينية المتطرفة في أوروبا بإعجاب، رغم أن بوتين وفقاً للتقارير الغربية، يحاول تقويض الاتحاد الأوروبي.
وهناك أدلة على دور روسي في تشجيع بريطانيا على الانفصال عن الاتحاد، وتجسس روسي على ماكرون نفسه خلال حملته الانتخابية عام 2017، إضافة إلى تحريض روسي على ميركل لاستقبالها اللاجئين.
لماذا يتجاهل ماكرون وميركل التهديد الروسي ويركزان على تركيا؟
يتجاهل ماكرون وميركل التهديد الروسي، لأسباب مختلفة.
فماكرون لأن فرنسا تقليدياً لا تمثل لها روسيا البعيدة عن حدودها تهديداً، في المقابل فإنَّ تحالف فرنسا مع المستبدين العرب يجعل من تركيا تمثل أكبر عائق أمام سياسات باريس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما بدا واضحاً في ليبيا.
أما ألمانيا، فقيادتها تتجاهل التهديد الروسي، أولاً تماهياً مع اليمين المتطرف الذي صعد نجمه بسبب هجرات السوريين إلى ألمانيا والغضب من احتفاظ المهاجرين الأتراك بهويتهم.
كما أن التركيز على التهديد الروسي بالنسبة لألمانيا مكلف مادياً، لأنه يعنى الاستجابة لطلب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لبرلين بزيادة نفقاتها الدفاعية باعتبارها أغنى دولة في الناتو بعد أمريكا، والأقرب إلى روسيا، كما أنها حققت فوائض مالية هائلة في الأعوام الماضية.
كما أن مراجعة العلاقات مع روسيا من شأنها تأكيد الانتقادات الأمريكية لخط غاز "النورد ستريم" (السيل الشمالي) الذي يجعل ألمانيا وأوروبا معتمدة على روسيا في مجال الطاقة، وهو أمر ثبتت خطورته في الحالة الأوكرانية.
الملاحظ أن جزءاً من الحلف المعادي لتركيا داخل الاتحاد الأوروبي يشمل النمسا، الدولة التي يتوغل فيها الساسة اليمينيون المتطرفون أكثر من أي دولة أوروبية أخرى (تعرَّض وصول حزب الحرية اليميني للسلطة في النمسا، لانتقاد ومقاطعة أوروبية لفترة).
كما أن بعض دول أوروبا الشمالية الأخرى مثل هولندا، لديها حساسية مع تركيا، بعضها نابع من الغضب من وجود أقليات تركية تحافظ على هويتها، حيث يحظى الإسلاميون الأتراك هناك بنفوذ كبير، ويتمتع أردوغان بشعبية بينهم (يتم تجاهل أن الأقليات التركية في أوروبا هي الأقل تورطاً في الإرهاب بسبب هذا النفوذ، لأنه يمنع تغلغل التنظيمات السلفية الجهادية في أوساطهم).
كما أن جزءاً من الخلاف مع تركيا في هذه الدول، هو محاولات سابقة لفرض وصاية سياسية وأخلاقية على أنقرة رفضها أردوغان، وكانت أحياناً ضمن شروط إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الانضمام الذي كان فعلياً مرفوضاً من هذه الدول، أي إن هذه الدول والقوى تفرض شروطاً على تركيا للانضمام، فيما لا تريد انضمامها.
علماً بأن مثل هذه الوصاية المفروضة من بروكسل ودول شمال أوروبا، تسببت في غضب كبير بجنوب أوروبا وشرقها، وليس تركيا فقط.
لماذا لا ينتقد الاتحاد الأوروبي سياسات فرنسا تجاه المسلمين؟
الأغرب، أنه عندما مارست فرنسا انتهاكات فادحة للحريات الإعلامية وحريات المسلمين، تسببت في صدور انتقادات ضد باريس من بدأت من المنظمات الدولية المعنية مروراً باليسار الفرنسي وصولاً إلى الخارجية الأمريكية، لم يتجرأ الاتحاد الأوروبي ولا دول شمال أوروبا مثل ألمانيا التي تقدم نفسها وصيَّة ومرشدة للحريات لتركيا ودول جنوب وشرق أوروبا، على انتقاد هذا التوجه الفرنسي.
ولكن الأغرب أن ألمانيا وفرنسا تتعاملان بحرارة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رغم طبيعة نظامه الاستبدادية، في حين لا تكتفيان فقط بإشعال الخلافات مع الرئيس التركي، بل تتعاملان ببرود مع الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطياً في العالم العربي وهو الرئيس التونسي قيس سعيّد، حسبما أقر موقع دويتش فيليه الألماني.
هذه الازدواجية في المعايير، والمنهج الاستقوائي يظهران حتى في التعامل مع بريطانيا الدولة الأوروبية العريقة، فقد كشفت صحيفة The Express البريطانية، أن الاتحاد الأوروبي قد أعدَّ وثيقة تهدف إلى معاقبة بريطانيا إذا رفضت التوقيع على قوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة خلال الفترة الانتقالية، في الوقت الذي تصل في المفاوضات بين الطرفين إلى نهايتها.
مفارقة اليونان الكبرى.. نظلمكِ ونشترك معك في ظلم الآخرين
يبدو التعامل الأوروبي مع اليونان أكبر مفارقة.
فهذا البلد الذي علَّم أوروبا حضارتها، عُومل بازدراء من قِبل ألمانيا وفرنسا في أزمته المالية حتى اضطر مواطنوه إلى بيع فضيّاتهم؛ حتى لاتعيد البنوك الفرنسية والألمانية جدولة ديونه، حسب ستيغلتز، أصبح ماكرون اليوم يقدم نفسه على أنه المدافع عنه، بدلاً من أن يقوم الاتحاد الأوروبي بدوره الطبيعي في الوساطة بين تركيا وألمانيا.
ويتجاهل ماكرون ومؤيدوه من القادة الأوروبيين، أن اليونان خرقت وساطة ألمانية سابقة مع أنقرة للتهدئة بين البلدين تمهيداً لإطلاق مفاوضات وعقدت أثينا اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع مصر تجاهلت فيه مطالب تركيا تماماً.
كما يتم تجاهل أنه في الأزمة القبرصية وافق القبارصة الأتراك على خطة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة، ورفضها القبارصة اليونانيون.
ما يحدث أن أوروبا ظلمت اليونان في أشياء كثيرة، وبدلاً من إنصافها، فإنه تعرض مساعدتها في ظلم طرف آخر.
وبناء على ماسبق فليس هناك عداء أوروبي لتركيا ولا العكس، ولكن الواقع أن ماكرون يحاول خلق عداء أوروبي لتركيا لصرف النظر على كل تناقضات الاتحاد الأوروبي المشار إليها وكذلك محاولة تقديم نفسه كزعيم لأوروبا مقابل تركيا.
وبدلاً من التركيز على التهديد الحقيقي للاتحاد الأوروبي وهو روسيا واليمين المتطرف الذي يتوسع داخل القارة، يتم التركيز على تركيا، البلد الذي يطمح إلى الانضمام للاتحاد، ويتم في الوقت ذاته تقديم مسلمي أوروبا ككبش فداء بدلاً من محاربة التطرف اليميني.
والنتيجة تسمع في أوروبا نقداً كثيراً لتركيا، والمهاجرين المسلمين، ولا ترى سوى لوم خفيف لروسيا وانتقادات خافتة للمستبدين العرب، ومغازلة لأيديولوجيا اليمين المتطرف، بدلاً من مواجهتها.
والأغرب أن هذا يأتي من الدول الأكثر تحضراً في القارة مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما من دول شمال غربي القارة، بينما دول الجنوب والشرق التي توصم من قبل الشمال بأنها الأكثر تخلفاً، رفضت مشروع بيان أوروبي متحاملاً على المسلمين وترفض تصعيد النزاع مع تركيا، ودولة مثل إيطاليا تكاد تكون وحيدة في محاولتها معرفة مَن قتل باحثها المغدور جوليو ريجيني الذي قُتل في مصر، حتى إنها متحفِّظة على إتمام صفقة مليارية لتصدير السلاح إلى القاهرة بسبب هذه الأزمة، فيما يصرح ماكرون بأنه لن يربط صفقات السلاح بحقوق الإنسان في مصر.