هل تراجع معدل الفقر في مصر فعلاً كما تقول الحكومة؟ هذا ما يقوله الخبراء

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/08 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/23 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - مواقع التواصل

يعاني الاقتصاد المصري حالةً من التدني في المؤشرات الاقتصادية، ويعد أبرزها التضخم والبطالة، بالإضافة إلى زيادة حجم الاستدانة، الذي يعكس لجوء الدولة إلى مسكنات لحظية، دون وجود حلول حقيقية لاقتصاد البلاد، هكذا يرى عدد كبير من خبراء الاقتصاد.

إلا أن تصريحات الحكومة المصرية لا تتماشى مع تلك المؤشرات، بل جاءت تتحدث عن تراجع معدلات الفقر خلال 2019-2020، وزيادة معدل النمو خلال العام الذي انتشرت فيه جائحة كورونا، والذي شهد خسائر ضخمة في الاقتصادات الكبرى.

فقالت وزيرة التخطيط هالة السعيد، إن بحث الدخل والإنفاق خلال العام المالي الماضي 2019-2020، به مؤشرات إيجابية، حيث انخفض معدل الفقر لأول مرة منذ العام 1999-2000 إلى 29.7%، مقابل 32.5% خلال العام المالي 2017-2018.

وأشارت السعيد، إلى ارتفاع متوسط الدخل الأسري إلى 69 ألف جنيه مقابل 60 ألف جنيه في العام المالي 2017-2018 بزيادة حوالي 15%.

كما قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خيرت بركات، اإننا رفعنا 3.4 مليون مواطن فوق خط الفقر، إذ نفذت الدولة الكثير من البرامج الخاصة بالحماية الاجتماعية، ولأول مرة حدث تراجع في ارتفاع نسب الفقر على مستوى الجمهورية.

حوالي نصف المصريين يعيشون الآن عند خط الفقر/ رويترز

وأضاف أن متوسط الدخل السنوي للأسرة ارتفع من 60 ألف جنيه إلى 96 ألف جنيه، مشيراً إلى أن هناك أُسراً دخلها أقل من 10 آلاف جنيه في السنة، وهناك أسر دخلها يزيد على 2.5 مليون جنيه في السنة.

ما حقيقة انخفاض معدل الفقر في مصر؟

تحدَّثت الحكومة المصرية عن مؤشر الفقر مجرداً دون الإشارة إلى وجود أي داعم اقتصادي حقيقي يُثبت صحة هذا الرقم، فبالنظر إلى معدل الاستثمار الذي يعد هو المولد الحقيقي لابتلاع البطالة وزيادة الإنتاج والنشاط الاقتصادي، نجد أن الاستثمار الأجنبي في مصر شهد تراجعاً بنسبة بلغت 23% خلال عام 2018، بينما عاود الارتفاع مرة أخرى بنحو 5% فقط خلال عام 2019.    

ولم تقُم الدولة على سبيل المثال بتقديم مزيد من الدعم السلعي للمواطنين من أجل دعم الفقراء، بل قامت برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية بشكل جزئي ومتتابع، مثل الوقود والخبز والكهرباء وغيرها، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل قامت بفرض ضرائب ورسوم جديدة، وجاءت تلك الإجراءات لتتماشى مع شروط صندوق النقد الدولي دون الالتفات إلى الطبقة الفقيرة.

الفقراء المصريون/ رويترز

وفي 2016، توصلت الحكومة المصرية إلى اتفاق مع صندوق النقد، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، على مدار 3 سنوات، على أن تسير مصر وفق سياسات الصندوق الاقتصادية، والتي تتضمن التخلي عن سياسة الدعم وتعويم الجنيه المصري وفرض مزيد من الرسوم والضرائب، وحصلت مصر على الدفعة الأخيرة في شهر أغسطس/آب 2019، ومازالت مصر مستمرة في الاقتراض من الصندوق.

ووافق البرلمان المصري، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، على إجراء تعديل برسوم تنمية الموارد للدولة، ليضيف ثمانية أنشطة خدمية جديدة للخضوع للرسوم، بعد إضافة ثلاث خدمات لتلك الرسوم في عام 2018، إلى جانب 16 نوعاً من الخدمات موجودة مسبقاً، ليصبح مجمل الأنشطة الخاصة لرسوم التنمية 28 نشاطاً تتصل معظمها بحياة المواطنين اليومية.

وبالنظر أيضاً إلى معدل الادخار فلم يعكس هذا المؤشر الذي يشهد تدنياً ملحوظاً، أي دلالات حول حديث الحكومة عن تراجع معدل الفقر، فلم يتجاوز معدل الادخار أكثر من 9.4%، في حين بلغ معدل الاستثمار 19.4% بفجوة قُدرت بنحو 10%، وتأتي تلك المؤشرات وفقاً لرئيس البورصة المصرية محمد فريد.

وأكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، لـ"عربي بوست"، أنه مازالت معدلات الادخار في مصر متدنية بشكل كبير، وهو ما يؤدي إلى لجوء الحكومة للاقتراض من الداخل ومن الخارج، مشيراً إلى أن تراجع معدلات الفقر يعني تحسن دخول الأفراد، وبالتالي تحسن معدلات الادخار، ولكن الواقع يأتي مغايراً.

وفي 29 يوليو/تموز 2020، قالت مديرة الوحدة المركزية لمبادرة حياة كريمة بوزارة التنمية المحلية، ولاء جاد الكريم: إن عدد القرى التي تزيد فيها نسبة الفقر في مصر عن 50% بلغ 1000 قرية.

وفي 1 مايو/أيار 2019، أشار البنك الدولي إلى أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجاً.

 ما هو مستقبل الفقراء في مصر؟

وتأتي أزمة كورونا لتضيف مزيداً من الأعباء على كاهل المواطن المصري، الذي يشهد اقتصاده تراجعاً ملحوظاً في النشاط السياحي بلغ نحو 69% خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجاري، وخروج استثمارات أجنبية مباشرة بلغت نحو 8.4 مليار دولار خلال العام المالي الأخير 2020/2019، كما تراجع عدد الشركات التي تم تأسيسها خلال عام الجاري بنحو بلغ 87.4%، في شهر أبريل/نيسان فقط.  

وتشير هذه التقديرات إلى أن هناك أعداداً كبيرة من المصريين خسروا وظائفهم أو مصادر رزقهم، بالإضافة إلى تراجع فرص العمل المعروضة.    

كما كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في بيانه الجديد، الصادر في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مدى تدني المستوى المعيشي للأسر المصرية، حيث قال إن "50% من الأسر تلجأ إلى الاستلاف من الآخرين لسد نفقاتها واحتياجاتها، وتلجأ إلى الاعتماد على أرخص أنواع الأغذية، وتخفيض استهلاكها من اللحوم والطيور والأسماك".

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي/ منصات التواصل الاجتماعي

وأشار الجهاز إلى ارتفاع  معدل التضخم السنوي لأسعار السلع لإجمالي الجمهورية، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليسجل 4.6% مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، والذي كان يسجل 2.4%.

وتبقى الدولة في ظل تلك المعطيات مكبَّلة بديونها، والتي بلغ دينها الخارجي فقط نحو 123.5 مليار دولار بنهاية الربع الرابع من العام المالي 2019/ 2020، كما بلغت قيمة أقساط وفوائد الدين الخارجي خلال العام المالي الأخير 2020/2019 فقط نحو 17.2 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات البنك المركزي.

بالإضافة إلى قيام الدولة بتهديد واعتقال رجال الأعمال أصحاب المشاريع الكبرى في مصر، في وقت يتطلب قيام البلاد بتعظيم دور القطاع الخاص وإتاحة فرص استثمارية جديدة من خلال تقديم تسهيلات للمستثمرين وتوفير الحماية والأمان اللازم لهم، من أجل جذب هؤلاء المستثمرين لخلق فرص عمل أكبر وتشجيع المنتج المحلي والقضاء على عجز الميزان التجاري الذي بلغ نحو 3.30 مليار دولار.

فقد تم القبض على رجل الأعمال رئيس مجلس إدارة شركة "جهينة" للصناعات الغذائية صفوان ثابت، وكذلك مالك محال "التوحيد والنور" سيد رجب السويركي، ورجل الأعمال المصري صلاح دياب وغيرهم، ما يبعث رسائل شديدة السلبية إلى المستثمرين، سواء داخل مصر أو خارجها، ويؤدي إلى هروب أصحاب رؤوس أموال المستثمرين الحاليين في البلاد خوفاً على مكتنزاتهم، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر في مصر.

ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، أن حل المشكلة يبدأ أولاً بالاعتراف بوجود مشكلة أما عدم اعتراف بوجود مشكلة والتنصل منها منها يعني التهرب من الآليات والسياسات الملزمة للدولة، التي يجب أن تقطعها على نفسها من أجل تحجيم معدلات الفقر.

وأضاف ذكرالله لـ"عربي بوست" أنه في ظل عدم اعتراف الحكومة بإخفاقتها فلا يوجد جديد، وبالتالي يمكن التوقع بأن مستقبل الفقراء سيظل كما هو، أو إلى مزيد من الفقر في ظل تجاهل الدولة استحداث آليات يمكن أن تقلل بها هذه النسبة.

مشيرا إلى إعلان الحكومة المصرية مؤخراً والبنك الدولي عن وقوع 2.7 مليون مواطن جدد تحت دائرة البطالة بعد فقدانهم لوظائفهم، "ما يعني أنهم فقدوا مصادر دخلهم الرئيسية، وجميعهم من القطاع الخاص في مصر، الذي قلما يعطي تعويضات أو إعانات، وبالتالي كل هؤلاء انضموا فجأه إلى ما يسمى قائمة الفقراء".

لماذا تختلف حسابات مؤشر الفقر في مصر عن المؤشرات الدولية؟

ويرى المتابع للمؤشرات الدولية والمحلية اختلافاً كبيراً بين أرقام وبيانات الحكومة الرسمية وبيانات الهيئات الدولية، مثل البنك الدولي، الذي أقر بأن نحو 60% من الشعب المصري فقراء، بينما تتراوح الأرقام الحكومية في حدود 30%.

ويأتي هذا الاختلاف نتيجة الاختلاف في تحديد مستوى خط الفقر، فنجد جهاز التعبئة العامة والإحصاء (الحكومي) حدَّد خط الفقر القومي في بحث الدخل والإنفاق 2017-2018 عند مستوى 8827 جنيهاً للفرد في السنة، وهو ما يعادل حوالي 735.5 جنيه شهرياً، أي ما يعادل نحو 24.5 جنيه مصري (1.5 دولار أمريكي).

Shutterstock/ التوك توك في مصر
Shutterstock/ التوك توك في مصر

بينما استند البنك الدولي في تقييمه لمصر لخط الفقر عند 1.9 دولار أمريكي للفرد يومياً، أي 894 جنيهاً للفرد شهرياً و10725 جنيهاً سنوياً، مع العلم أن مؤشر الفقر وفقاً للبنك يبدأ من 5.5 دولار للفرد يومياً وصولاً إلى الفقر المدقع بالعيش على 1.9 دولار أمريكي أو أقل للفرد يومياً.  

وفي هذا السياق أكد ذكر الله، أن الآلية التي تم الاعتماد عليها في حساب معدل الفقر في مصر هي آلية مهترئة إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال جهاز التعبئة والإحصاء يقول إن خط الفقر العادل 24.5 جنية للفرد في اليوم، وإن 63% من هذا المبلغ هو الدخل النقدي (دخل العمل)، والباقي أنواع أخرى من الدخول، ما يعني أن 15 جنيهاً فقط يكسبها الفرد لكي يتخطَّى خط الفقر العادل، في حين أن خط الفقر العادل وفقاً للبنك الدولي هو 3.5 دولار للفرد يومياً، أي نحو 52 جنيهاً للفرد يومياً.

وبعيداً عن تلك الحسابات يبقى المواطن المصري الفقير أول من يتأثر بقرارات الحكومة ويلمسها، وبخاصة أن أفقر 20% من فقراء مصر لا يحصلون على أكثر من 8.6% من الدخل القومي، في حين أن أهل الثراء لا تزيد نسبتهم عن 20% ويستحوذون على 43.6% من الدخل القومي للبلاد.

ويتوقع معهد التخطيط القومي (الحكومي)، أن تتسبب أزمة جائحة فيروس كورونا في ارتفاع معدل الفقر في مصر، ليرتفع عدد الفقراء بما يتراوح ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون فرد خلال العام المالي 2020-2021.

لذلك على الحكومة المصرية العمل على كبح معدلات التضخم حتى يتمكن المواطن العادي من تلبية احتياجاته ولا يقع في إطار الاحتياج، وكذلك تقديم الدعم اللازم للفقراء، ومواجهة البطالة من خلال توسيع القطاع الإنتاجي الحقيقي، وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص دون مزاحمة وتمدد أنشطة القوات المسلحة له، ما يسهم أيضاً في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.

تحميل المزيد