رغم التقدم الكبير لعملية التسوية السلمية برعاية الأمم المتحدة، فاجأت قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر المراقبين بشنها هجوماً على معسكر لقوات الوفاق في منطقة أوباري الواقعة بجنوب ليبيا والتي تعد منطقة نفطية مهمة.
وقال مصدر عسكري بالجيش الليبي، مفضلاً عدم نشر اسمه، لوكالة الأناضول، إن "ميليشيا حفتر حاولت اقتحام معسكر "تيندي" (معسكر المغاوير سابقاً) بمدينة أوباري بجنوب ليبيا، لكن قوات الجيش أفشلت المحاولة".
وبعد فشل الهجوم، انسحبت قوات خليفة حفتر من محيط معسكر "تيندي" التابع للجيش الليبي، بعدما حاولت اقتحامه، صباح أمس الأحد.
وأضاف المصدر أن قوات الجيش الليبي رفعت حالة الطوارئ واستدعت كل الأفراد التابعين لها خوفاً من تكرار الهجوم من قبل ميليشيات حفتر.
تفاصيل هجوم حفتر على منطقة أوباري وسر تزامنه مع زيارة السيسي لباريس
وأوباري هي ثاني أكبر مدينة في الجنوب الليبي بعد سبها، وغالبية سكانها من الطوارق، حيث يقع فيها حقل "الشرارة" النفطي، أكبر حقول البلاد، وتخضع لسيطرة ميليشيا حفتر.
وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هدمت ميليشيا حفتر، منازل مدنيين في أوباري، واختطفت عدداً من الشباب (عددهم غير محدد)، وفق بيان للجيش الليبي.
ويأتي الخرق الجديد لوقف إطلاق النار من طرف ميليشيا حفتر بالرغم من تحقيق الفرقاء تقدماً في مفاوضات على المستويين العسكري والسياسي للتوصل إلى حل سلمي للنزاع الدموي.
واللافت هو صمت البعثة الأممية عن انتهاكات حفتر الأخيرة، وهو الأمر الذي عبر عنه المجلس الأعلى للدولة الليبي التابع لحكومة الوفاق، الذي أعرب عن "استغرابه لصمت البعثة الأممية إزاء هذا الخرق باعتبار الحادثة عرقلة لمسار الحوار السياسي السلمي في ليبيا".
وأفاد بيان صادر عن المجلس بأن "هذا الخرق في حقيقته تنفيذ لأجندة خارجية، تهدف لإفشال أي مسار سلمي للخروج من الأزمة الليبية عبر الحوار".
وأردف: "وهو ما يؤكد رأي المجلس الأعلى للدولة السابق بشأن عدم جدية المجرم حفتر في الالتزام بأي اتفاق يتم توقيعه، كما هي عادته".
واستدرك: " الحادثة تتطلب توقيع عقوبات على فاعلها، كما أشارت البعثة الأممية إلى ذلك أكثر من مرة عبر بياناتها وتصريحاتها".
وفي 25 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، قالت المبعوثة الأممية، ستيفاني وليامز، في تصريحات صحفية "ستكون هناك عقوبات على معرقلي اتفاق وقف إطلاق النار من قِبل مجلس الأمن".
ويتزامن هذا التصعيد العسكري مع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفرنسا، حيث يعتبر هو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أبرز داعمي حفتر.
والخلافات مع تركيا، والوضع في ليبيا تمثل المحور الأساسي لزيارة السيسي لفرنسا والتي بدأت اليوم وتستمر عدة أيام.
هل يكرر غزوة طرابلس الفاشلة؟
ويثير ذلك تساؤلاً حول هل يفكر حفتر ورعاته الخارجيون في إفساد وقف إطلاق النار رغم التقدم في المسار السلمي، خاصة أن المسار السلمي لن يمنح رعاة حفتر الخارجيين وخاصة فرنسا ومصر والإمارات المميزات التي كانوا يتوقون إليها إذا هزم حفتر قوات الوفاق.
كما أن المسار السلمي سيمثل انتصاراً جزئياً لتركيا وقطر، اللتين نجحت جهودهما في إنقاذ حكومة الوفاق، وجعلتا موقفها قوياً في التفاوض بعدما كان حفتر يتوعد أعضاءها ويتعهد لأنصاره بدخول طرابلس.
وإذا أفسد حفتر وقف إطلاق النار الحالي، فلن تكون هذه أول مرة ينقض الجنرال المتقاعد تعهداته.
فقد سبق أن أفسد جهود الأمم المتحدة التي كادت تصل لاتفاق بموافقة جميع الفرقاء، بمن فيهم حفتر، لحل الأزمة في عام 2019.
وبينما كان ينتظر الليبيون التوقيع على خارطة الطريق وبدء مرحلة جديدة من البناء والعيش في سلام، شن حفتر هجوماً مفاجئاً دون سابق إنذار باتجاه العاصمة، معلناً أن هدفه هو السيطرة على كامل التراب الليبي بهدف "محاربة الإرهاب".
كان ذلك مطلع إبريل/نيسان 2019، وتزامن ذلك مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش في العاصمة طرابلس- استعداداً لعقد المؤتمر الدولي للتوقيع على خارطة الطريق المتفق عليها- وتوجه غوتيريش بالفعل إلى بني غازي وعقد اجتماعاً مع حفتر بهدف إثنائه عن هجومه على العاصمة والعودة لطاولة المفاوضات، لكن ذلك الاجتماع لم يؤدِ لأي نتيجة، وغادر غوتيريتش ليبيا "مفطور القلب" بنص تغريدته وقتها.
ما علاقة هذا التصعيد ببايدن؟
وقد يكون هذا التصعيد الأخير من قبل حفتر محاولة لاختبار رد الفعل التركي والأمريكي بعد وصول بايدن للسلطة، حيث كان موقف إدارة ترامب في الفترة الأخيرة أقرب لتركيا في هذا الملف ومتفهماً لتدخلها في ليبيا باعتباره وازناً للتدخل الروسي.
ولكن لا يعرف ماذا سيكون موقف بايدن من الصراع الليبي، خاصة أن الرئيس الأمريكي الجديد لديه توتراته مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبدالفتاح السيسي على السواء، كما يعتقد أنه لن يترك الملعب فارغاً بنفس الطريقة، للحلفاء الخليجيين للتلاعب بالمنطقة دون قيود، كما تفعل الإمارات في ليبيا.
ولكن المشكلة بالنسبة لبايدن في الساحة الليبية تحديداً، أن الأطراف الخارجيين هم حلفاء لأمريكا بشكل أو بآخر، باستثناء روسيا، الأمر الذي يجعل تحديد توجهات الموقف الأمريكي أكثر تعقيداً.
وحتى لو كانت علاقة بايدن وأردوغان تحديداً بها شوائب قديمة وتصريحات سلبية من جانب بايدن، فإن الموقف التركي في ليبيا يبدو أقرب للمصالح الغربية والأمريكية من خلال التصدي للجنرال حفتر الذي يعد حليفاً لروسيا ويعتمد بشكل كبير على المرتزقة والسلاح الروسيين.
حفتر يرفض الالتزام بشروط الهدنة
وبعد مرور شهر على الاتفاق العسكري الليبي، الذي تضمن إخلاء خطوط المواجهة في محور سرت- الجفرة من المرتزقة، لا تبدي ميليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، ما يثبت استعدادها لتنفيذ هذا الشرط.
بل على العكس من ذلك عاد حفتر لحشد ميليشياته والمرتزقة الأجانب على الجبهتين الغربية والجنوبية بمدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، في الوقت الذي تجتمع لجنة (5+5) العسكرية في مقرها الدائم للإشراف على تنفيذ اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار.
هذا ما أكده قائد غرفة عمليات سرت الجفرة العميد إبراهيم بيت المال، عندما تحدث عن رصد تحركات كبيرة لميليشيات حفتر في جنوب وغرب سرت، وتحشيد للمرتزقة والأسلحة.
ويوضح بيت المال، في تصريح صحفي الأحد، أن "هناك أرتالاً قادمة من الشرق باتجاه الغرب، وهذا يدل على احتمالية نقض حفتر للعهد، والإخلال باتفاق 5+5".
ومن أهم بنود اتفاق 5+5 العسكري، الذي تم توقيعه في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بجنيف، إيقاف تام لإطلاق النار ورجوع القوات المرابطة في سرت والجفرة إلى معسكراتها، وإخراج "المرتزقة" من البلاد خلال 90 يوماً.
وعقب هذا الاتفاق عقدت اللجنة العسكرية المشتركة اجتماعاً ناجحاً في مدينة غدامس (400 كلم جنوب غرب طرابلس) وآخر في مقرها الدائم بسرت، تم فيهما وضع آليات تنفيذ ما اتفق عليه في جنيف، وخاصة ما تعلق بإنشاء لجان عسكرية فرعية وأخرى أمنية.
لذلك فإرسال أرتال عسكرية إلى خطوط التماس يتناقض مع روح الاتفاق، الذي يهدف إلى نزع فتيل الصراع من الاشتعال مجدداً، ويدلي بظلال من انعدام الثقة أمام سلام هش.
وهاهو يحصل على سلاح روسي جديد
وما يعزز القلق لدى الجيش حكومة الوفاق، التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تزويد حفتر براجمات صواريخ صربية حديثة تسمى "مورافا MLRS"، تم الكشف عنها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال استعراض بالذخيرة الحية لكتيبة "طارق بن زياد" المدخلية، التابعة لميليشيات حفتر.
ورجح موقع "توبوار" الروسي الناطق بالإنجليزية، أن الإمارات من سلّمت ميليشيات حفتر راجمات الصواريخ "مورافا"، باعتبارها أول دولة أجنبية تستورد هذا السلاح الحديث من صربيا (بدأ تصنيعه في 2011 ودخل الخدمة نهاية 2019).
ويؤشر هذا السلاح إلى أن حفتر مازال يستعد لجولة جديدة من القتال، بالرغم من هزيمته في يونيو/حزيران الماضي، في الغرب الليبي، كما أن الإمارات تواصل تزويد حفتر بالأسلحة رغم الحظر الأممي.
وتتم عمليات تهريب الأسلحة لميليشيات حفتر، أمام أعين عملية "إيريني" البحرية، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، دون قرار أممي، لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، والمتهمة بالانحياز لحفتر والتضييق على الحكومة الشرعية.
إما أن أكون قائداً للجيش أو لا أحد.. فشل الحوار يقرب البلاد من الحرب
تزامنت تحركات حفتر العسكرية باتجاه خطوط التماس، مع فشل مرشحه رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، في الفوز بمنصب رئيس المجلس الرئاسي، بما يتيح له تعيين حفتر قائداً عاماً للجيش.
فاجتماع تونس الذي ضم 75 مشاركاً يمثلون مختلف أطياف المشهد الليبي، لم يتمكن من الخروج بقيادة جديدة للمجلس الرئاسي والحكومة، رغم اتهامات لمشاركين بمحاولة رشوة زملائهم من أجل ترجيح كفة أحد الأسماء لرئاسة المجلس الرئاسي.
فالاجتماع الذي انطلق في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، واستغرق خمسة أيام، فشل فيه أنصار عقيلة صالح بإقناع لجنة الحوار اختيار الأخير رئيساً للمجلس الرئاسي، بعد أن وجدوا أنهم أقلية بين 75 مشاركاً.
لذلك اقترح الموالون لعقيلة أن يتولى ممثلو المنطقة الشرقية في لجنة الحوار اختيار رئيس المجلس الرئاسي بدل أن يتم الانتخاب من الـ75 عضواً، فلما فشلت مناورتهم أفشلوا ملتقى تونس.
ويحاول معسكر حفتر في الشرق، التحالف مع حزب العدالة والبناء (إسلامي)، بحيث يكون عقيلة رئيساً للمجلس الرئاسي، مقابل تولي وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا، رئاسة الحكومة، وفق مصادر ليبية متطابقة.
لكن عقيلة صالح، لا يلقى إجماعاً ولا ترحيباً من أغلبية أعضاء لجنة الحوار، لدوره في تأجيج الحرب في الغرب الليبي إبان عدوان حفتر على طرابلس، ناهيك عن عرقلته تطبيق اتفاق الصخيرات الموقع نهاية 2015.
في هذه الأثناء قدم المستشار عبدالجواد العبيدي، نفسه كبديل لعقيلة صالح، رغم أنهما من نفس القبيلة ومن السلك القضائي.
وتعهد العبيدي بإنشاء قاعدة دستورية يتوافق عليها ليبيون للوصول إلى انتخابات شفافة وإقامة الدولة المدنية بالتداول السلمي للسلطة، وتوحيد الجيش وتحقيق المصالحة وعودة المهجرين.
غير أن العبيدي شخصية مغمورة ولا تقف وراءه جهة تدعمه، والفرصة الوحيدة لفوزه برئاسة المجلس الرئاسي أن يقف معه خصوم عقيلة صالح.
لكن بحسب التصريحات التي يدلي بها موالون لحفتر سواء من المشاركين في الحوار أو التابعين لميليشياته، فإنهم لن يقبلوا إلا بعقيلة رئيساً للمجلس الرئاسي، لأنه الضمان لتولي حفتر القيادة العامة للجيش.
في حين أن غالبية الأعضاء الرافضين لإعادة تدوير الوجوه القديمة التي تسببت أو ساهمت في الأزمة التي تعاني منها البلاد، لا يدعمون عقيلة ولا حفتر، رغم أنهم فشلوا أيضاً في إصدار قرار يمنع من تولوا مناصب منذ 2014، من الترشح لمنصب جديد، حيث حازوا على نحو 45 صوتاً من إجمالي 75، في حين أن اتخاذ القرار في لجنة الحوار يتم بأغلبية الثلثين.
وأمام هذا الانسداد، انطلقت الإثنين الجولة الثانية من الحوار السياسي، ولكن عبر التواصل المرئي، وقدمت 4 اقتراحات لآلية اختيار أعضاء المجلس الرئاسي أغلبها تصب لصالح اختيار عقيلة رئيساً للمجلس، خاصة عندما تحصر انتخاب الأعضاء الثلاثة كل على مستوى منطقته (طرابلس برقة فزان).
وأمام تمسك كل طرف بمطلبه، فإن نجاح الحوار سيصبح على المحك، وقد لا يتمكن الليبيون من انتخاب رئيسهم القادم في الموعد المحدد يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، خاصة أن حفتر أثبت أنه لا يؤمن بالحل السياسي ولا بقرارات السياسيين إلا إذا كانت ستوصله إلى السلطة دون قتال.
وقد تكون تحركاته العسكرية السابقة إما بهدف الضغط على المفاوضات أو إفسادها، ولكن اللافت أنه في مقابل هذه التحركات فقد أفادت تقارير إعلامية ليبية عن دخول 6 فرقاطات وبوارج عسكرية تركية إلى المنطقة الممتدة بين مصراتة وسرت، بعد غياب عن المنطقة دام عدة أشهر عقب وقف إطلاق النار، في ظل المخاوف من عودة التوتر في المنطقة، وهي أنباء لم تؤكدها مصادر تركية أو دولية، ولكنها قد تؤشر إلى أنقرة لن تترك حلفاءها في ليبيا فريسة مجدداً لهجوم حفتري مفاجئ.