قرار إغلاق جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" أثار انتقادات عديدة داخل وخارج فرنسا، حيث إنه يعني أن نحو 6 ملايين مواطن فرنسي يدينون بالإسلام قد فقدوا أي مظلة تحميهم من التمييز، فهل هذا ما يريده الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يقول إنه يحارب التطرف والإرهاب؟
لماذا قررت فرنسا إغلاق التجمع؟
قرر مجلس الوزراء الفرنسي، الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إغلاق جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" (CCIF)، حيث أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان، عبر تويتر، أن الجمعية تم حلها بناء على تعليمات الرئيس إيمانويل ماكرون، وقرار مجلس الوزراء.
وكانت الجمعية المناهضة للعنصرية والتمييز ضد المسلمين في البلاد، قد أعلنت في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن وزير الداخلية "الذي رضخ لضغوط اليمين المتطرف" أرسل إخطاراً إليها بشأن بدء إجراءات الحل، وبرَّر دارمانان القرار بأن الجمعية كانت تمارس دعاية "إسلامية" منذ عدة أعوام.
بيان الجمعية كان قد أشار إلى أنها نقلت معظم أعمالها إلى الخارج، عقب توقيف أنشطتها، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولفتت إلى أن إقدام الإدارة الفرنسية على خطوة حل الجمعية لا قيمة له في ظل نقل مقر الجمعية الرئيسي إلى خارج البلاد.
وأضافت: "ستواصل الجمعية تقديم الدعم القانوني لضحايا الإسلاموفوبيا، وسيتم إحاطة الهيئات الدولية بجميع مراحل مكافحة التمييز من أجل المساواة في فرنسا".
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن الوزير أنهم يعتزمون غلق مسجد، وعدد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الإسلامية بالبلاد، ومن بينها منظمة "بركة سيتي"، و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا"(CCIF).
ولجأت جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بسبب موقف إدارة الرئيس ماكرون تجاه المسلمين في البلاد.
ومنذ 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زادت الضغوط والمداهمات التي تستهدف منظمات المجتمع المدني الإسلامية والمساجد بفرنسا، على خلفية حادث مقتل مدرس فرنسي على يد شاب قالت السلطات إنه شيشاني.
الحادث جاء على خلفية قيام المدرس بعرض رسوم كاريكاتيرية "مسيئة" للنبي محمد، على تلاميذه في مدرسة بإحدى ضواحي العاصمة باريس، وفي تصريحات كان قد أدلى بها وزير الداخلية في 3 نوفمبر/تشرين الثان الماضي، أعلن أنه منذ مجيء ماكرون لسدة الحكم تم خلال السنوات الثلاث الأخيرة غلق 43 مسجداً.
ماذا قالت "هيومان رايتس ووتش" عن قرار ماكرون؟
منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية (غير حكومية، مقرها نيويورك)، أدانت قرار فرنسا ورئيسها ماكرون بإغلاق "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا"، وقالت في بيان لها، الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إن هذا القرار "يهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وأوضح البيان أن الجمعية التي صدر بحقها قرار إغلاق أجرت دراسات مهمة في البلاد حول التمييز، مشدداً على أن "استهداف الجمعية رغم جهودها يبعث برسالة مفادها أن فرنسا لن تتسامح مع المسلمين في التعبير عن مخاوفهم والاحتجاج على الظلم، على قدم المساواة مع المجتمعات الأخرى في البلاد".
البيان نقل عن الباحثة بشؤون أوروبا الغربية كارتيك راج قولها إن هذا القرار "قد يؤدي إلى مزيد من التمييز ضد المسلمين في فرنسا"، معربة عن استغرابها حيال قيام الحكومة الفرنسية بإغلاق الجمعية بدلاً من محاربة العنصرية.
وتابعت قائلة "بهذا القرار سيكون من الصعب الدفاع عن حقوق المسلمين المعرضين للتمييز في فرنسا"، مضيفة "كما أن هذه الخطوة ستغذي الخطابات القائلة إن فرنسا تتبنى سياسات معادية للمسلمين".
من يحمي مسلمي فرنسا؟
"الإسلاموفوبيا" عبارة عن مصطلح إنجليزي يتكون من كلمتين "الإسلام" و"فوبيا" التي معناها "رهاب" أو "خوف"، والمصطلح يعني "رُهاب الإسلام" أو "الخوف المرَضي من الإسلام"، وهو يوحي بالتحامل على الإسلام وكراهيته وكراهية المسلمين والخوف منهم، واتخاذ كون المرء مسلماً أو مسلمة سبباً كافياً للاعتداء عليه.
وظهر المصطلح لأول مرة عام 1997، عندما استخدمته جهة بحثية يسارية بريطانية تسمى "رينميد ترست"، لإدانة تنامي مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، في دراسة بحثيةٍ هدفها تسليط الضوء على الظاهرة، بعنوان "الإسلاموفوبيا: تحدٍّ لنا جميعاً".
ورغم أن المؤشرات على ارتفاع نسبة الإسلاموفوبيا بدأت منذ عقود بعيدة، فإن القضية تحولت إلى ظاهرة عامة منذ نهايات القرن الماضي، وتشكلت على الأرض بصورة لافتة، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
ورغم أن المسلمين في فرنسا يمثلون أكثر من 6% من عدد سكان البلاد، وهم الجالية الإسلامية الأكبر في البلدان الأوروبية، وتلتزم الغالبية الساحقة منهم بقوانين الجمهورية الفرنسية، فإن الإجراءات التي يتخذها الرئيس ماكرون ويبررها برغبته المحافظة على علمانية فرنسا تضع مسلمي البلاد تحت خطر التعرض للتمييز، دون أن تكون هناك منصة يدافعون عن أنفسهم من خلالها، بحسب المنظمات الحقوقية داخل وخارج فرنسا.
وقد أثار ماكرون غضب نحو 1.5 مليار مسلم حول العالم بتصريحاته حول كون الإسلام ديناً يواجه أزمة عالمية، وإصراره على التمسك بالرسوم المسيئة لنبي الإسلام، ورغم محاولة الرئيس الفرنسي التراجع عن تلك التصريحات في حديثه مع قناة الجزيرة القطرية، بعد تصاعد الدعوات الشعبية في الدول العربية والإسلامية بمقاطعة المنتجات الفرنسية، فإن قراره بإغلاق "التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا" يحول مسلمي فرنسا جميعاً إلى أضرار جانبية لمعاركه السياسية داخلياً وخارجياً، بحسب المراقبين.
وهذا ما عبر عنه قال المفكر المغربي محمد طلابي بقوله لوكالة الأناضول إن "الإسلام ليس في أزمة كما ادعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يعاني أزمة في بنيته المعرفية وفي مشروعه السياسي"، مضيفاً أن ماكرون "فشل داخلياً في تحقيق التنمية الاقتصادية، وخارجياً في صراعه مع تركيا القوية".
واعتبر طلابي أن "الأزمة الحقيقية تتجلى في المشروع السياسي لماكرون، الذي لم يُحدث تنمية ولا عدلاً، ولا إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين الفرنسيين"، وقال إن "الدليل هو هزيمته (ماكرون) في الانتخابات البلدية الأخيرة"، مضيفاً "الأزمة لدى ماكرون لا تتجلى في مشروعه السياسي الداخلي وحده، بل حتى على مستوى العلاقات الدولية".