أصدرت النيابة المصرية والإيطالية بيانا مشتركا بشأن تعذيب ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، لكن لا يوجد شيء مشترك في البيان؛ فالجانب الإيطالي يتهم 5 ضباط مصريين بارتكاب الجريمة، بينما الجانب المصري يقول إن مرتكبها مجهول، فمن هم الخمسة الذين تتهمهم روما؟
كيف مات ريجيني؟
جوليو ريجيني طالب إيطالي كان يعمل على إعداد رسالة دكتوراه عن النقابات العمالية المصرية المستقلة لتقديمها إلى جامعة كامبردج البريطانية، وكان في مصر يجري أبحاثاً خاصة بموضوع الرسالة، واختفى في مصر عشية الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ثم عثر على جثته أوائل فبراير/ شباط 2016 وبها آثار تعذيب بشعة.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت القضية تطورات درامية بدأت بإنكار أجهزة الأمن المصرية معرفتها بمكان ريجيني في الفترة التي كان مختفيا فيها، ومواصلة نفس مسار الإنكار بعد العثور على جثته، بينما وجه الجانب الإيطالي الاتهام لأجهزة الأمن المصرية بتعذيب وقتل المواطن الإيطالي، وفي سبتمبر/ أيلول 2016 أعلنت النيابة العامة المصرية أن ريجيني كان بالفعل خاضعا لمراقبة أجهزة الأمن المصرية.
وأعلنت مصر وإيطاليا بدء تحقيق مشترك لكشف ملابسات تعذيب وقتل ريجيني بعد أن تسببت القضية في قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب روما سفيرها لدى القاهرة، وتركزت منذ البداية الرواية الإيطالية حول ارتكاب أفراد ينتمون لأجهزة الأمن المصرية وتحديدا الأمن الوطني والشرطة، في مقابل تمسك أجهزة التحقيق المصرية بأن المتهمين هم عصابة من 5 أفراد تخصصت في سرقة الأجانب وتم قتل أفراد العصابة في مواجهة أمنية.
من هم الخمسة الذين تتهمهم إيطاليا؟
وأمس الاثنين 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي في بيان رسمي مشترك مع النيابة العامة في روما، وقف التحقيقات مؤقتاً في الواقعة الخاصة باتهام إيطاليا لـ 5 أفراد من جهة أمنية، بالمسؤولية عن قتل ريجيني.
وهذا البيان يعني تمسك كل جانب بموقفه من الجريمة، حيث إن النيابة المصرية ترى أن السلطات المصرية ليست لها علاقة بقتل الطالب الإيطالي وتتحفظ على توجيه الاتهام إلى 5 أفراد من جهة أمنية من جانب السلطات الإيطالية، مؤكدة أنه لا توجد أدلة تدعم تلك الاتهامات.
كانت تحقيقات النيابة الإيطالية في القضية قد رصدت في البداية 26 شخصا ينتمون لأجهزة الأمن المصرية قالت أنهم في دائرة الاتهام، ثم تم تقليص القائمة إلى 10 أشخاص، لكن منذ ديسمبر 2018 أعلنت أن المتهمين بارتكاب جريمة تعذيب وقتل ريجيني هم 5 ضباط ذوي رتب مختلفة ينتمون للأمن الوطني وجهاز الشرطة المصرية.
والمتهمون هم اللواء طارق صابر وكان يعمل كمسؤول أمني كبير في قطاع الأمن الوطني عندما اختُطِف ريجيني وقد أحيل للمعاش عام 2017، والثاني هو الرائد شريف مجدي وينتمي أيضا للأمن الوطني وكان هو المسؤول عن الفريق الذي تولى مراقبة وملاحقة ريجيني أثناء وجوده في القاهرة.
أما المتهم الثالث فهو عقيد شرطة هشام حلمي وكان يعمل في المباحث في قسم شرطة الدقي حيث كان يقيم ريجيني والمتهم الرابع هو العقيد أثير كمال رئيس أحد أقسام الشرطة وكان مسؤولا عن الأشغال والانضباط في الشارع ليلة توقيف ريجيني، والمتهم الخامس هو عنصر أمن يدعى محمد نجم، بحسب تقرير لوكالة AP الأمريكية.
الرتب والمهام التي تكشف عنها لائحة الاتهام الإيطالية تدحض نظرية كانت تتردد بشكل غير رسمي مفادها أن ما تعرض له ريجيني من تعذيب أدى للوفاة كان نتيجة لتصرف فردي من أحد رجال الأمن المارقين، كما أن الجهود المكثفة التي تبذلها السلطات المصرية لإخفاء أي تورط لعناصر الأمن في الجريمة يثير الشكوك حول المتورطين فيها ضمن الأجهزة الأمنية، بحسب ما توصلت إليه تحقيقات النيابة الإيطالية.
إلى أين تتجه قضية ريجيني الآن؟
من المقرر أن تجتمع لجنة برلمانية إيطالية مع فريق التحقيق اليوم الثلاثاء 1 ديسمبر/كانون الأول للوقوف على آخر تطورات القضية، بحسب تقرير لموقع Euronews الإخباري الذي تواصل مع وزارة الداخلية المصرية طلبا للتعليق على الاتهام الإيطالي لعناصرها الخمسة دون أن يتلقى إجابة.
بيان النائب العام المصري الذي أعلن فيه إغلاق التحقيقات في القضية مؤقتا وتوجيه اتهام قتل ريجيني إلى مجهول سبب غضبا كبيرا لوالدي الطالب الإيطالي باولا وكلاوديو وأصدرت محاميتهما أليساندرا باليريني بيانا موجها للحكومة الإيطالية.
"إننا نعتقد أن حكومتنا عليها أن تنتفض فورا لتلك الصفعة الأخيرة وأن تستدعي سفيرنا في القاهرة"، وأضاف البيان أن والدي ريجيني يثمنان جهود فريق التحقيق الإيطالي الذي تمكن من مواصلة عمله رغم محاولات الجانب المصري تشتيته وإخفاء الحقيقة، وصولا إلى تحديد من ارتكبوا الجريمة البشعة.
وبحسب القانون الجنائي الإيطالي لابد من إخطار المتهمين رسميا بالتهم الموجهة إليهم قبل خضوعهم للمحاكمة ولو غيابيا، وأفادت وسائل إعلام إيطالية نقلا عن فريق التحقيق في روما أن الجانب المصري لا زال يماطل في تقديم العناوين والبيانات الكاملة الخاصة بالمتهمين الخمسة حتى لا يتم إرسال التهم إلى محل إقامتهم رسميا.
لا أحد يمكنه التكهن بالمسار الذي قد يتخذه فريق التحقيق الإيطالي في جريمة ريجيني في الفترة المقبلة، خصوصا في ظل العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية التي تربط القاهرة وروما وعدم رغبة الحكومة الإيطالية في التصعيد، لكن في ظل مواصلة التحقيقات والضغوط القوية التي تبذلها عائلة ريجيني والمنظمات الحقوقية يظل كل شيء واردا.