لماذا يتكتّم محمد بن سلمان على زيارة نتنياهو للسعودية؟ هدفها ليس التطبيع العاجل بل مآرب أكثر حساسية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/11/26 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/26 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنييامين نتنياهو/رويترز

ما أسباب رفض الأمير محمد بن سلمان الإفصاح عن زيارة نتنياهو للسعودية، رغم أن الإمارات حليفته المقربة، والبحرين التي توصف بأنها تابعة للرياض، كلاهما أعلن عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ويُنكر المسؤولون السعوديون بشدةٍ زيارة نتنياهو للسعودية لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومدير الموساد يوسي كوهين، الأسبوع الجاري، مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نيوم، المدينة الضخمة تحت الإنشاء على ساحل البحر الأحمر.

ومع ذلك صرّحت بعض المصادر السعودية لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، دون الكشف عن هويتها، بأنّ زيارة نتنياهو للسعودية قد حدثت فعلاً. 

كما تُشير بيانات تتبُّع الرحلات على الإنترنت إلى أنّ الطائرة الخاصة طارت من تل أبيب إلى نيوم مباشرةً وعادت في مساء الـ22 من نوفمبر/تشرين الثاني، بالتزامن مع اجتماع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بولي العهد، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

أسباب رفض الأمير محمد بن سلمان الإفصاح عن زيارة نتنياهو للسعودية

قد لا يكون هدفها التطبيع الآن، ولكن محورها قضية حساسة للجانبين

ويُظهِر توقيت زيارة نتنياهو للسعودية وطبيعتها السرية، بافتراض حدوثها فعلياً، بعض الحساسيات التي تُواجهها القيادة السعودية والإسرائيلية بالتزامن مع قرب انتهاء فترة ترامب الفوضوية، ويثيران تساؤلات حول أسباب رفض الأمير محمد بن سلمان الإفصاح عن زيارة نتنياهو للسعودية.

وأشارت التقارير الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية إلى أن قضيتي إيران والتطبيع كانتا محور التركيز الرئيسي لاجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي وولي العهد السعودي، الذي تم خلال زيارة نتنياهو للسعودية المثيرة للجدل.

إذ أعرب المسؤولون في البلدين عن مخاوفهما من أن إدارة بايدن ستحاول إعادة الولايات المتحدة إلى التزامها بخطة العمل الشاملة المشتركة بمجرد تولّيها السلطة في يناير/كانون الثاني، كما حثّ نتنياهو نفسُه بايدن على عدم العودة إلى الصفقة الإيرانية (في شكلها السابق لعام 2018)، قبل ساعات من رحلته إلى نيوم. 

أسباب رفض الأمير محمد بن سلمان الإفصاح عن زيارة نتنياهو للسعودية
الرئيس الأمريكي المنتهي ولايته دونالد ترامب مستشاره غاريد كوشنر والأمير محمد بن سلمان/رويترز

وفي غضون ساعات، تحدّث السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، عن النقطة نفسها حين أخبر شبكة Fox News الأمريكية: "لا أعتقد أن أي شخصٍ سيكون بالسذاجة الكافية للعودة إلى صفقةٍ أثبتت فشلها أمام العالم أجمع".

وربما تكون فكرة اتفاق المسؤولين السعوديين والإسرائيليين على الضغط من أجل الحيلولة دون تعامل الولايات المتحدة مع إيران، فكرةً لن تُفاجئ كثيرين داخل فريق السياسة الخارجية المُقبل لبايدن، الذين يُعتبر العديد منهم من قدامى محاربي وزارة الخارجية بإدارة أوباما والمشاركين في المفاوضات النووية الإيرانية بين عامي 2012 و2015. وبالتالي فإن المخاوف المشتركة حيال التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع إيران قد تدفع إلى تنسيق سري للرسائل بين المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين في إسرائيل ومختلف الدول الخليجية.

ولا شك في أن الإنكار غير المقنع لزيارة نتنياهو للسعودية، بواسطة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، يُضيف إلى الانطباع بأنّ رحلة نتنياهو إلى نيوم كانت تتعلّق بتنسيق السياسة تجاه إيران، أكثر من الترويج لزيارةٍ أولى تاريخية بواسطة زعيمٍ إسرائيلي للمملكة العربية السعودية. 

ليس ملكاً بعد، وعليه مراعاة الرفض الشعبي، فهناك سابقة تاريخية

ولو كان التطبيع من أهداف زيارة نتنياهو للسعودية، فإما أن اللقاء لم يُثمر انفراجة -كما قيل في بعض المنافذ الإعلامية- وإما أنّه جاء متسقاً مع الممارسات السعودية المتوازنة والحذرة عند التعامل مع إسرائيل. إذ ليس محمد بن سلمان على رأس السلطة رسمياً حتى الآن، ولا يستطيع ببساطةٍ تجاوز دعم الملك سلمان المستمر منذ عقود للقضية الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن الإمارات والبحرين والسودان طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل العام الجاري، فإن السعودية تواجه قيوداً أكبر. وأحد تلك القيود هو تعداد السكان السعوديين. إذ نجحت الإمارات والبحرين مثلاً في إضعاف شعوبها الصغيرة التي لا يتجاوز تعدادها تسعة ملايين و1.5 مليون على الترتيب.

وعلى النقيض، يتعيّن على محمد بن سلمان التعامل مع شعب يزيد تعداد سكانه على 20 مليون مواطن. كما أن تاريخ الشعب السعودي في التعبئة الشعبية ضد الدولة، مثل حركة الصحوة في التسعينيات، قد يُقوّض ثقة بن سلمان بقدرته على فرض قرارٍ مثيرٍ للجدل من هذا النوع بالقوة.

مبادرة السلام العربية هي في الأصل سعودية

كما تُؤكد مبادرة السلام العربية، التي تبنَّتها جامعة الدول العربية عام 2002، أن الدول العربية لن تُطبّع مع إسرائيل إلا في حال إحراز تقدُّمٍ بارز في حل النزاع، وهذا يتضمّن انسحاب إسرائيل من الأراضي المُحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية. وتُعرف مبادرة السلام العربية أيضاً بأنها المبادرة السعودية؛ نظراً إلى دور الملك عبدالله حينها في إعداد واستضافة قمة الرياض من أجل تأكيد مبادئ المبادرة عام 2007. وعلى الجانب الآخر، لا تمتلك الدول التي وافقت على التطبيع مع إسرائيل التاريخ نفسه من الالتزام تجاه القضية الفلسطينية.

نعم قمعَ المعارضة بوحشية، ولكنه يخشى أن يكون التطبيع السعودي بداية لأزمة

والعامل المُقيّد الآخر هو أنّ محمد بن سلمان قد فرض بالفعل العديد من التغييرات على الشعب السعودي، بتخفيف القيود القديمة المفروضة على الفصل بين الجنسين، وفرض أول ضريبة في البلاد العام الجاري ثم مضاعفتها بثلاثة أضعاف. ورغم أن محمد بن سلمان قمع المعارضة بوحشية، فإنه لم يُواجه بعدُ معارضةً جماعية لسياساته، لأنّ العديد من الشباب السعودي يُؤيّد جهوده لتنويع الاقتصاد في البلاد. لكن إضافة التطبيع مع إسرائيل إلى قائمة التغيير العديدة المثيرة للجدل والتي فرضها قد تكون القشة الأخيرة التي ستُسفر عن تعبئة المعارضة الشعبية في وقتٍ يتّسم بالركود الاقتصادي.

بن سلمان قمع المعارضة السعودية بشدة/رويترز

ورغم طبيعتها الاستبدادية، ما زالت ملكيات الخليج حسّاسةً تجاه الرأي العام، وتُفضّل بشكلٍ عام تجنّب السياسات التي يُحتمل أن تُغضب قطاعات كبيرة من المواطنين. 

وقد أظهر محمد بن سلمان أنه راغب في إحداث تغييرات جوهريةٍ أكثر من غالبية حكام الخليج، لكنَّ همَّه الأساسي ينصبُّ على أن يصير الملكَ. وبمجرد تأمينه لذلك المنصب، سيكون بن سلمان جاهزاً للمضي قدماً في التطبيع، ولكن من المستبعد أن يُخاطر بتلك الخطوة قبل أن يصل إلى المنصب.

تحميل المزيد