تقييد حرية البحث وتجمعات الطلاب وتصوير الشرطة.. هل يسير ماكرون على خطى أصدقائه من الحكام العرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/25 الساعة 14:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/26 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ممنوع تصوير رجال الشرطة، ممنوع تجمع الطلاب، وممنوع على الدراسات العلمية رصد الانتهاكات العنصرية، ليست هذه سوى عينة من التشريعات التي قد تجعل حريات فرنسا مهددة في المرحلة القادمة، بدفع من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

فلم يكن القانون الذي أقره المشرعون الفرنسيون، أمس الثلاثاء، الذي يمنع تصوير رجال الشرطة هو التشريع الوحيد المثير للجدل الذي جعل الصحافة الغربية تسارع باتهام ماكرون بتشويه الديمقراطية الفرنسية، ففعلياً يبدو أن الرئيس الفرنسي مصمم على تقويض حريات فرنسا وليس حريات مسلميها فقط.

فقد مرَّرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانوناً يقول منتقدوه إنه يزيد من صعوبة مراقبة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان لانتهاكات الشرطة في وقت، وصفت مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، دنيا مياتوفيتش، اللقطات المروعة لتصرف الشرطة ضد طالبي اللجوء الذين طردوا من خيامهم وسط باريس، الإثنين، بـ"الصادمة"، بعدما قامت الشرطة بتفكيك مخيم أقيم لإيواء مئات اللاجئين وسط باريس، ومنعت وصول المساعدات الغذائية له.

ولكن بالنسبة للصحافة الفرنسية والمثقفين الفرنسيين، كان الأمر الأكثر صدمة من ممارسات الشرطة بحق اللاجئين هو القانون الجديد الذي يحظر نشر الصور التي تسمح بتحديد هوية ضباط إنفاذ القانون "بقصد إلحاق الأذى بهم جسدياً أو عقلياً".

قد يتعرض الجناة وفقاً للقانون لخطر السجن لمدة عام وغرامة قدرها 45000 يورو.

لماذا يجعل هذا القانون حريات فرنسا مهددة؟

يقول نواب فرنسيون إن مشروع القانون -الذي كان موضع انتقادات كثيرة واحتجاجات عديدة- عدّلته الحكومة، لضمان حرية الصحافة.

في المقابل، عبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن القلق المنتشر في الوسط الإعلامي الفرنسي قائلة: "بسبب الخوف من الإدانة قد تمتنع وسائل الإعلام عن بث صور الحوادث التي يشارك بها ضباط الشرطة".

كما أدانت منظمة العفو الفرنسية مبدأ النية، باعتباره غامضاً للغاية، وقالت إنه يفتح أمام تفسيرات "عشوائية".

 ودفع قطع رأس مدرس المدرسة الإعدادية صموئيل باتي، الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون للتعهد بأن فرنسا لن تتوانى عن الدفاع عن حرية التعبير.

ولكن باسم التمسك بالقيم الأساسية للجمهورية الفرنسية، أدخلت حكومة ماكرون وأعضاء حزبه تشريعات جديدة تقيد القيم الأساسية للجمهورية وتجعل حريات فرنسا مهددة فعلياً. 

وما لم يتم تعديل القوانين أو إلغاؤها، ستصبح فرنسا قريباً دولة أقل حرية مما هي عليه الآن، حسب وصف مجلة The Atlantic الأمريكية.

والحكومة ترد بأن الشرطة تتعرض للعنف

وتدافع الحكومة الفرنسية عن القانون المثير للجدل، مدعية أنه وسيلة ضرورية لقمع أعمال العنف الموجهة ضد ضباط الشرطة في البلاد.

ففي عام 2019، عام انتفاضات "السترات الصفراء"، قدم ضباط الشرطة 38519 شكوى بشأن العنف، بزيادة 18% مقارنة بعام 2017، قبل بدء الحركة.

وشهدت فرنسا أيضاً عدة حوادث تعرض فيها ضباط الشرطة وعائلاتهم للهجوم أو التهديد بالانتقام.

وتقول الشرطة إن الزيادة الهائلة في العام الماضي في لقطات على الإنترنت للشرطة، أثناء الخدمة، تجعل من السهل على أولئك الذين يهدفون إلى إلحاق الأذى التعرف عليهم، وقد رحب رجال الشرطة بمقترح القانون الذي طال انتظاره.

حريات فرنسا مهددة
الشرطة تقول إن نشر صور أفرادها يعرضهم للعنف/رويترز

ونفى فريديريك لاغاشي، نائب الأمين العام لاتحاد الشرطة الوطنية الفرنسية، أن يكون مشروع القانون ذهب بعيداً في تقييد حرية التعبير. بل إنه قال لصحيفة The Local الأوروبية، إن القانون ليس كافياً.

 وقال "مشكلتنا ليست مع الصحفيين، إنها مع وسائل التواصل الاجتماعي، لا ينبغي نشر مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، بل يجب عرضها أمام محكمة عامة".

 وأضاف "ومع ذلك، إذا كان الاختيار بين حرية الصحافة وأمن زملائي، فأنا أختار أمن زملائي".

وهذا القانون مشابه لمشروع القانون الذي عُرض على البرلمان في الربيع، والذي أخفقت محاولة تمريره، لكن هذه المرة حظي بدعم وزير الداخلية جيرالد دارمانين.

وقال دارمانين "وظيفتي كوزير للداخلية هي حماية أولئك الذين يحموننا"، مضيفاً "لقد قطعت وعداً بأنه لن يكون من الممكن بعد ذلك بث صورة الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيتم الوفاء بهذا الوعد".

ويقول جيرالد دارمانين إن "سرطان المجتمع هو عدم احترام السلطة"

وتعلق مجلة The Atlantic الأمريكية قائلة "هذه ملاحظة مذهلة إلى حد ما، بالنظر إلى أن أكثر من 49 ألف فرنسي قد لقوا حتفهم بسبب COVID-19 هذا العام، وأن أكثر من 10 ملايين سيقعون في براثن الفقر بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020.

تجارب واقعية تكشف خطورة القانون

ويقول نقاد القانون، بمن فيهم مراسلون بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية، والأمم المتحدة، والمدافع الفرنسي عن حقوق الإنسان، إن مشروع القانون قد تكون له عواقب ديمقراطية خطيرة.

 وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن القانون إذا تم تعديله بصيغته الحالية "سيعرض للخطر الصحفيين وحرية الصحافة".

وفي حين أن مشروع القانون لن يحظر صراحة تصوير أو تصوير ضابط شرطة، تركت الصياغة الأمر للشرطة لتحديد ما إذا كان الشخص الذي يحمل الكاميرا يظهر نية خبيثة أم لا. وقالت مراسلون بلا حدود إن هذا قد يؤدي في خضم هذه اللحظة إلى سوء تقدير جسيم.

وقالت المتحدثة باسم مراسلون بلا حدود، بولين أديس ميفيل: "عندما يقوم أحد الصحفيين بتصويرهم قد يفترض ضباط الشرطة أنه يتم بث الفيديو على الهواء مباشرة، بهدف إلحاق الأذى بهم، ويمكنهم اعتقال الصحفي". 

وأضافت "حتى لو كانت احتمالية الإدانة منخفضة، فإن الصحفي المحتجز حتى لو لم يتم إدانته فقد تم منعه من الاستمرار في تغطية ما كان يحدث، وبالتالي منع من رصد انتهاكات محتملة للشرطة".

وزير الداخلية يقدم نصيحة تغضب الصحفيين

وقال ديفيد دوفرسن، الكاتب والمخرج الفرنسي الذي غطى عنف الشرطة على مدى عقود، إن الصحفيين لن يكونوا وحدهم من سيتأثرون بالقانون.

قال دوفرسن لصحيفة The Local: "المواطنون العاديون هم من سيعانون حقاً". "هذه رقابة، رقابة رهيبة".

أحدث أفلام دوفرسن فيلم وثائقي يستند إلى مجموعة من لقطات الهواة التي التقطها محتجو "السترات الصفراء" خلال أشهر الاحتجاجات في عام 2019، والتي أثارت جدلاً على الصعيد الوطني حول عنف الشرطة في فرنسا.

مننقدو القانون يقولون إن منع تصوير رجال الشرطة يعرقل كشف الانتهاكات/رويترز

وقال: "ربما لم يكن فيلمي ممكناً بموجب هذا القانون"، مضيفاً: "هذه الصور أساسية لضحايا الظلم الساعين إلى العدالة، لا توجد ديمقراطية بدون ضوابط وتوازنات".

يوم الأربعاء الماضي، بعد أن قامت الشرطة باحتجاز اثنين من الصحفيين الذين كانوا يغطون احتجاجاً على مشروع القانون، نصح دارمانين الصحفيين الذين أرادوا تجنب هذا المصير بتقديم أنفسهم إلى الإدارة الحكومية المحلية قبل التوجه إلى مظاهرة. 

أثارت فكرة قيام الصحفيين بعرض مسبق لتقاريرهم على المسؤولين الحكوميين الغضب لدرجة أن دارمانين عرض على الفور مراجعة طفيفة لكلامه. 

ماكرون يهاجم كبريات الصحف الغربية

في افتتاحية يوم الجمعة، كتب جيروم فينوجليو، مدير التحرير في صحيفة لوموند الفرنسية، أنه لا يوجد علاج سوى إلغاء البند بالكامل. 

واستشهد فينوجليو بالهجمات المتزايدة على الصحافة من قبل ماكرون وحكومته، بما في ذلك إلقاء اللوم على تقارير وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية، بما في ذلك صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكيتان، لـ"إضفاء الشرعية على عنف الشرطة".

وسرد بعضاً من انتهاكات الشرطة الأكثر إثارة. يتعرض لها المواطنون العاديون. 

سأفكر مرتين قبل أن أصور الشرطة

يخاطر مشروع القانون بجعل حريات فرنسا مهددة، وتحويل البلاد إلى دولة مراقبة، في انتهاك مباشر لحق المواطنين في الخصوصية، ودولة تكون فيها الشرطة محصنة ضد مساءلة المواطنين أو الصحافة، حسب مجلة The Atlantic .

وقال الصحفي غيوم برنارد، الذي يغطي الحركات الاجتماعية لوسائل الإعلام الفرنسية، إنه سيفكر مرتين قبل توجيه عدسة الكاميرا نحو ضابط شرطة في المرة القادمة التي كان يغطي فيها احتجاجاً، إذا تم تبني القانون.

"سيكون هناك دائماً هذا الخوف من أنه إذا قمت بتضمين ضابط شرطة في إطارك، فقد يضغطون عليك لخفض هاتفك أو يقولون إنه ليس لديك الحق في التصوير، حتى لو كنت تقوم بعملك فقط، حسبما قال برنارد لصحيفة The Local.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تم القبض على برنارد خلال مظاهرة "السترات الصفراء" في تولوز التي غطاها كصحفي مستقل، بعد 24 ساعة والضغط المستمر من عدة مجموعات صحفية، أطلق سراح برنارد دون توجيه تهم إليه.

تقييد حرية البحث العلمي

ولكن هذا القانون المثير للجدل ليس سوى واحد من ثلاثة قوانين سوف تجعل حريات فرنسا مهددة بشكل خطير، والأمر لا يقتصر على الصحافة بل أيضاً يشمل الأمر حرية البحث العلمي والتجمع.

فهناك مشروع قانون يحدد ميزانية البحث للجامعات الفرنسية للعقد القادم، والذي تبناه مجلس الشيوخ الفرنسي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، يستهدف الاحتجاجات الطلابية ويقوض الحرية الأكاديمية.

ويتضمن مشروع القانون بنداً يجرم التجمعات داخل الحرم الجامعي التي "تزعج الهدوء والنظام الجيد للمنشأة" بغرامة تصل إلى 45000 يورو وعقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات.

تم إلغاء تعديل يتطلب أن يلتزم البحث الأكاديمي بـ"قيم الجمهورية" فقط في اللحظة الأخيرة، بعد رد فعل قوي من قبل العلماء الذين يخشون أن يكون هدفه تقييد حرية التحقيق.

الهجوم على اليسار الإسلامي المزعوم هدفه ممارسات التمييز دون حتى رقابة أكاديمية

على الرغم من أن هذا التغيير في اللحظة الأخيرة يعد أخباراً جيدة للحرية الأكاديمية، إلا أنه يؤشر إلى أن الحكومة تولي قدراً خطيراً من الاهتمام للميل الأيديولوجي للبحث الذي يتم إجراؤه في فرنسا.

وأعرب وزير التعليم جان ميشيل بلانكير عن أسفه لتأثير نظرية العرق النقدي الأمريكية على العلوم الاجتماعية الفرنسية، وألقى باللوم عليها في تقويض الشمولية العمياء للعرق (يقصد محاولة فرنسا لتجاهل تأثيرات العرق على السياسة والاجتماع)، ومنحها الراحة لما سماه "اليسار الإسلامي". 

هذا المصطلح (اليسار الإسلامي)، الذي صاغه اليمين الفرنسي المتطرف، يلقي باللوم على المثقفين التقدميين في تغذية الإسلام السياسي الراديكالي من خلال عملهم على دراسة العنصرية الهيكلية وكراهية الإسلام.

لماذا يريد ماكرون سن هذه التشريعات المثيرة للجدل؟

إذا لم يكن كل ذلك سيئاً بما فيه الكفاية، حسب وصف، مجلة The Atlantic الأمريكية، فمن المقرر أن ينظر مجلس الوزراء في مشروع قانون ثالث يجعل حريات فرنسا مهددة بشكل كبير.

وهو مصمم لتحقيق رؤية ماكرون للتصدي لما يصفه بالراديكالية الإسلامية، حيث سيخصص لجميع الأطفال الفرنسيين رقم تتبع لفرض الحضور الإجباري في المدارس العامة أو المعترف بها من قبل الحكومة، ووضع حد للتعليم المنزلي والمدارس الدينية غير المعتمدة، وضمان تعليم جميع الأطفال وفقاً لقيم الجمهورية الفرنسية.

ويجرم مشروع القانون أيضاً مشاركة معلومات تحديد الهوية عن موظف عمومي يمكن استخدامها لإلحاق الأذى، ويعاقب على الجريمة الجديدة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة قدرها 45 ألف يورو.

وهناك بند آخر يجرم، ويعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، لمن يقوم بـ"التهديد أو العنف أو التخويف لموظف عام، لدوافع مستمدة من قناعات أو معتقدات"، ويخشى بعض الفقهاء القانونيين أن تكون الصياغة غامضة لدرجة أنه يمكن استخدامها لإدانة الناس لما يرقى إلى حد النقد المبرر لموظف عام.

وتشير المجلة الأمريكية إلى أن فرنسا محاصرة بالبطالة الجماعية والإحباط من عمليات إغلاق فيروس كورونا المستجد COVID-19 والخوف الناجم عن الهجمات الإرهابية المتجددة لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات والانقسام. إضافة إلى زعيمة اليمين المتطرف الشعبوي، مارين لوبان، المنافس المحتمل لماكرون في الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

تقول مجلة The Atlantic "يبدو أن استراتيجية ماكرون ثلاثية المحاور: فرض نظام صارم، وتجهيز آليات لقمع الاحتجاجات الجماهيرية، وترويض التقارير النقدية في الصحافة، مع استخدام بعض من لغة وسياسات اليمين المتطرف لسرقة عدد كافٍ من الناخبين لهزيمة لوبان في الانتخابات.

وتختتم المجلة الأمريكية تقريرها بالقول في هذه العملية ذات الأهداف الانتخابية، فإن الحرية التي يدافع عنها ماكرون بقوة، والتي ضحت فرنسا بالكثير من أجلها، يتم تقييدها مع احتمال توريث تشريعات لأي زعيم مستقبلي بشكل يجعله أكثر استبدادية مسلحاً بمجموعة قوية من الأدوات المعادية للديمقراطية على غرار أصدقاء ماكرون من المستبدين العرب.

تحميل المزيد