الاتفاق النووي الإيراني هو الملف الأبرز، ورغبة الرئيس المنتخب جو بايدن في عودة الولايات المتحدة للاتفاق معلنة، لكن يبدو أن تحالفاً بين السعودية وإسرائيل يتشكل بالفعل لعرقلة تلك الخطوة، فما القصة؟
معارضة الاتفاق النووي مع إيران
المعارضة الإسرائيلية والسعودية لتوقيع إدارة الرئيس باراك أوباما -وكان جو بايدن نائبه- على الاتفاق النووي مع إيران كانت شرسة ومعلنة، فكل من تل أبيب والرياض لديهما أسباب أغلبها مشترك للتخوف من امتلاك إيران سلاحاً نووياً في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي تنفيه طهران باستمرار وتصر على أن برنامجها النووي لأغراض سلمية فقط.
لكن عام 2015، عندما تم توقيع الاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين من جهة وإيران من جهة أخرى، كانت الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط مختلفة بشكل جذري عما هي عليه الآن، والسبب بالطبع هو وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض مع مطلع عام 2017.
السعودية في الفترة التي سبقت التوصل للاتفاق النووي مع إيران لم تكن تظهر اعتراضها على المفاوضات بشكل عدائي، عكس إسرائيل التي كانت تعلن دائماً أنها رافضة لأي اتفاق يؤدي لاستمرار البرنامج النووي الإيراني، بل وتهدد باستخدام القوة العسكرية لتدميره، لكن مع تولي إدارة ترامب وانسحاب واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق النووي، اختلفت الأمور تماماً.
ومع الصعود الصاروخي لولي عهد السعودية الحالي محمد بن سلمان، الذي حظي بدعم مطلق من ترامب، اتخذت العلاقات بين طهران والرياض مساراً عدائياً تماماً، وأعلن ولي العهد أن بلاده لن تتردد في امتلاك السلاح النووي إذا اقتربت طهران من تحقيق ذلك الهدف.
تحالف أصدقاء ترامب
لكن السياسات التي تبناها ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض والشيكات التي قدمها على بياض لأصدقائه في المنطقة، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ونتنياهو، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أدت إلى خلق واقع جديد يرى المحللون أن إدارة بايدن ستجد صعوبة كبيرة في تخطيه أو إعادة الأمور إلى ما كانت عليه أثناء إدارة أوباما ونائبه بايدن.
ونشر موقع OilPrice تقريراً بعنوان "إسرائيل والسعودية يمكنهما عرقلة خطط بايدن للشرق الأوسط"، تناول التقارير بشأن عقد لقاء سري بين نتنياهو ومحمد بن سلمان، الأحد 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في مدينة نيوم السعودية، بحضور وزير خارجية ترامب مايك بومبيو، مرجحاً أن يكون اللقاء ركز على تشكيل تحالف إسرائيلي سعودي هدفه التصدي لخطط بايدن فيما يتعلق بالمنطقة.
فبعد أسابيع من التوقعات بشأن كيفية تعامل إدارة بايدن مع الوضع في منطقة الخليج، يبدو أن لقاء نتنياهو وبن سلمان وبومبيو كان الهدف منه وضع العراقيل أمام رغبة الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض العودة لطاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بحسب تقرير الموقع.
وفيما يتعلق بالأوروبيين فأغلبهم عبر عن سعادته بالفعل بفوز بايدن ويتطلعون إلى استعادة التنسيق الأمريكي الأوروبي في ملفات السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، ويؤكد ذلك المسار وعود بايدن بالعودة للاتفاقيات الدولية التي انسحب منها ترامب مثل اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، والاتفاق النووي مع إيران.
محور مضاد لإيران
ويبدو أن أسواق النفط والغاز قد بدأت بالفعل في التحسب لهذا الاحتمال عند وضع توقعات الأسعار لعامي 2021 و2022، من خلال توقع بدء ضخ النفط الإيراني في الأسواق العالمية، لكن القلق الآن يتركز حول مدى قدرة إدارة بايدن على تفكيك إرث ترامب في المنطقة، وهذا هو التقييم الذي يشغل بال الكثيرين حالياً، فبايدن لا يتمتع بشعبية كبيرة لدى الأنظمة في السعودية ومصر والإمارات.
لكن العامل الأكثر قلقاً هو أن إرث ترامب قد فرض تغييرات على الأرض لن يتمكن بايدن من تجاهلها، وأبرز تلك التغييرات هي ملف التطبيع مع إسرائيل، والذي وقعته بالفعل الإمارات والبحرين والسودان، ورغم أن السعودية لم توقع بعد اتفاقية التطبيع مع تل أبيب، فإن السؤال لم يعد هل توقع؟ بل متى توقع؟
وفي هذا السياق، أتت التقارير عن ذلك الاجتماع بين نتنياهو ومحمد بن سلمان، وأيضاً حضور رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين لذلك الاجتماع، لتصب في مسار الاستعداد لمواجهة قرار إدارة بايدن العودة للاتفاق النووي الإيراني، وليس فقط قضية التطبيع.
فقضية توقيع السعودية على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، منذ الإعلان عن التطبيع الإماراتي، ليست مسألة ملحة تستدعي المخاطرة بذلك اللقاء، وفي وجود بومبيو، حيث إن شيئاً لم يتغير والتعاون بين الرياض وتل أبيب لم يعد خافياً، كما أن معارضة الملك سلمان أيضاً ليست سراً، وبالتالي فإن جوهر الاجتماع انصبّ على كيفية مواجهة الخطط المعلنة من جانب إدارة بايدن بشأن العودة للاتفاق النووي مع إيران، بحسب التقرير.
واللافت أيضاً ما قاله وزير التعليم الإسرائيلي يؤاف غالانت بشأن الاجتماع: "الشيء الرئيسي هو القبول الحار لإسرائيل من قبل العالم السني وإزالة العملية العدائية برمتها. بدأ يظهر محور يضم إسرائيل والولايات المتحدة وكل من يشارك في مواجهة التطرف الشيعي الإيراني".
هذه المؤشرات تؤكد أن ما سعى إليه ترامب من دمج إسرائيل في تحالف خليجي مع السعودية والإمارات لمواجهة إيران قد نجح إلى حد كبير، وأن سعي بايدن العودة مرة أخرى للاتفاق النووي بشكله الحالي سيصطدم على الأرجح بعراقيل من جانب التحالف الذي بناه ترامب، إضافة بالطبع للصعوبات التي تجعل القصة ليست سهلة بالأساس، خصوصاً في ظل مطالب طهران المعلنة برفع العقوبات أولاً ودفع تعويضات عنها.
والمقصود هنا هو أن التقارب السعودي الإسرائيلي على الأرجح سيمثل أمراً واقعاً قوياً فيما يخص تعامل إدارة بايدن مع إيران، وهو ما يجعل خطط بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن لتفكيك ما فعله ترامب في المنطقة، وإعادة ضبط الأمور على ما كانت عليه قبل 5 سنوات، مهمة أشبه بالمستحيل، وبحسب كثير من المحللين كلما زادت حدة إدارة بايدن في التعامل مع ولي العهد السعودي ازدادت فرص التقارب بينه وبين نتنياهو، وعلى الأرجح سينضم لهما محمد بن زايد.