رغم توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 وتوقيع الأردن اتفاقية وادي عربة 1994، لا يزال التطبيع مرفوضاً بصورة لافتة على المستوى الشعبي، وما يحدث مع محمد رمضان أحدث دليل على ذلك، فما هي الأسباب المحتملة؟
لماذا الجدل حول صور محمد رمضان؟
تستحق الضجة التي أثارتها صور للفنان المصري محمد رمضان مع مطرب ولاعب كرة قدم ورائد أعمال إسرائيليين في دبي التوقف أمامها بالتحليل لأكثر من سبب، أهمها أن مصر تحديداً كانت أول دولة تعترف بإسرائيل وتوقِّع معها معاهدة سلام قبل أكثر من ثلاثة عقود، شهدت تقارباً وتعاوناً بين النظام السياسي في مصر والحكومة الإسرائيلية في جميع المجالات تقريباً.
فالقصة ليست فقط افتتاح سفارة لتل أبيب في القاهرة والعكس، بل إن مصر وإسرائيل شهدتا تعاوناً وثيقاً في مجال الطاقة من خلال تصدير الغاز المصري لإسرائيل قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وأيضاً توقيع اتفاقية "الكويز" للتعاون في مجال المنسوجات والأقمشة، إضافة إلى التعاون في مجال الزراعة، كما أن السياحة الإسرائيلية في سيناء وخصوصاً دهب تمثل نموذجاً آخر لذلك التعاون.
لكن ذلك الغضب الشعبي الذي انعكس في الهجوم الذي تعرض له محمد رمضان على منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة يشير إلى بعد آخر مختلف عندما يتعلق الأمر بالتطبيع مع إسرائيل من جانب فنانين أو رياضيين أو مثقفين أو رجال أعمال، ورصد رد فعل رمضان الأولي عندما قلل من شأن الصور المنشورة له وقال إنه لا يهتم بجنسية من يطلبون التصوير معه، ثم حذفه لذلك البوست من حسابه على إنستغرام، مؤشر على خطورة تلك القضية بالنسبة لشعبية أي شخصية عامة في مصر.
الفنان الإماراتي حمد المزروعي، المعروف أنه من المؤيدين لتطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل، كان أول من نشر الصورة التي ظهر فيها رمضان واضعاً ذراعه حول عنق المطرب الإسرائيلي عومير آدام على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مصحوبة بتعليق نصه "أشهر فنان في مصر مع أشهر فنان في إسرائيل، دبي تجمعنا" قبل أن يحذفها المزروعي لاحقاً.
وأثارت تلك الصورة موجة من التعليقات الغاضبة وأطلقت هاشتاغات تصدرت منصات التواصل تهاجم رمضان، ثم زادت حدة الغضب مع إعادة نشر الصفحة الرسمية باللغة العربية للحكومة الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الصورة ذاتها مصحوبة بتعليق نصه "الفن دوماً يجمعنا.. النجم المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام في دبي".
مقاطعة فنية وشطب للمطبِّعين
موقف نقابة المهن التمثيلية في مصر من قضية التطبيع مع إسرائيل لا يزال- حتى اليوم- حاسماً وهو الرفض المطلق لأي صورة من صور التعامل مع إسرائيل أو مواطنيها، والاستجابة لذلك شرط أساسي لممارسة مهنة التمثيل رسمياً في مصر، وقد شطبت النقابة في السابق المؤلف المسرحي الراحل علي سالم بسبب زيارته لإسرائيل والدعوة علناً للتطبيع معها.
ويكشف رد فعل رئيس النقابة الحالي أشرف زكي أن شيئاً لم يتغير وأن محمد رمضان مهدد بالشطب من سجلات النقابة رغم شعبيته أو على الأقل توقيع عقوبة أقل من الشطب، فالعقوبة تبدأ بتوجيه الإنذار وصولاً إلى الشطب نهائياً.
فقد قال زكي إن مجلس النقابة سيجتمع ويناقش القضية لأنها تخطت مرحلة الصور "ولكن اليوم هناك فيديوهات وأغاني وأشياء أخرى، والبعض يرى أن ما قام به محمد رمضان تطبيع واحتفال مع العدو الإسرائيلي".
وأمس الأحد 22 نوفمبر/تشرين الثاني، قام رمضان بتغيير صورة صفحته الرسمية على "فيسبوك" ووضع علم فلسطين، وذلك قبل ساعات من انعقاد اجتماع النقابة.
الحروب ضد إسرائيل
لا شك أن هذا الموقف الشعبي والفني يناقض تماماً الموقف الرسمي المصري منذ تولي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي السلطة قبل ست سنوات، فقد دعا الرئيس إلى إقامة "سلام دافئ" مع إسرائيل، كما تستورد مصر الغاز الطبيعي من تل أبيب وترحب رسمياً باتفاقيات التطبيع التي وقَّعتها الإمارات والبحرين منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
ولا يختلف الموقف من التطبيع في الأردن عنه في مصر، فرغم توقيع اتفاقية السلام بين البلدين قبل 26 عاماً لا تزال اللجان الشعبية لمقاومة التطبيع مع "العدو" قائمة وتشمل مقاطعة البضائع الإسرائيلية ورفض أي شكل من أشكال التعاون الذي قد يؤدي للتطبيع على المستوى الشعبي، وهو نفس الموقف في مصر أيضاً.
وهو ما يطرح تساؤلات بشأن صلابة الموقف الشعبي ليس فقط في مصر والأردن بل في سوريا ولبنان أيضاً، وبطبيعة الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يرجعه محللون إلى الطبيعة الخاصة لما يعرف بدول "الطوق" أي الدول المحيطة بإسرائيل والتي خاضت ضدها حروباً منذ 1948 وحتى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إضافة إلى حرب 2006 في لبنان.
تلك الحروب لا تزال آثارها وتداعياتها راسخة في الوجدان الشعبي رغم توقيع اتفاقيات السلام، إضافة إلى استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية وهو ما يجعل التطبيع الشعبي أكثر صعوبة، خصوصاً أن الفن يجسد تلك الحقيقة من خلال الأفلام والمسلسلات التي تجعل القفز الرسمي على تلك الحقائق أمراً قد تفرضه متطلبات السياسة لكنه لا يغير كثيراً على المستوى الشعبي.
التطبيع الإماراتي مع إسرائيل
وربما يكون التطبيع الإماراتي الذي خرج للعلن العام الجاري يسير بوتيرة متسارعة لأسباب كثيرة، لكن الواضح أنه غير مقبول شعبياً، حتى داخل الإمارات رغم السيطرة المطلقة للنظام الإماراتي على وسائل الإعلام وقمع حرية التعبير الشعبية، والموقف الأخير لصور وفيديوهات محمد رمضان في دبي يؤكد هذه الحقيقة، من خلال الغضب الذي انعكس على وسائل التواصل الاجتماعي ليس في مصر فقط ولكن في الإمارات أيضاً وباقي الدول العربية بشكل عام.
وفي هذا السياق أيضاً يمكن استرجاع الغضب العارم الذي اجتاح منصات التواصل الاجتماعي العربية وتعرُّض الإمارات بشكل عام وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشكل خاص لانتقادات قاسية، وصلت حد التخوين وحرق العلم وصورة الحاكم الفعلي للإمارات ووصفه بالخائن وذلك أمام المسجد الأقصى، وهي الصورة التي تناقلها وشيّرها الآلاف عبر حساباتهم، في صورة واضحة تنمّ عن أن القرار الذي اتخذه النظام الحاكم ليس له ظهير شعبي مساند.
وسواء قامت نقابة المهن التمثيلية في مصر بشطب محمد رمضان أو إنذاره أو عقوبة وسط بينهما أو لا، يظل الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، ليس فقط في مصر ولكن في جميع الدول العربية، حقيقة قائمة مهما حاول المسار السياسي الرسمي أن يقفز عليها ويواصل مسيرة التطبيع.