تتضاعف حالات الإصابة بفيروس كورونا أكثر من 300% تقريباً في الأسبوع في محافظة إدلب، التي يقطنها 4 ملايين نسمة، فهل يتحرك أحد سريعاً لإنقاذ المنطقة التي سحقتها هجمات قوات نظام بشار الأسد؟
صحيفة The Washington Post الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "تهديد الفيروس يمثل إرهاباً جديداً في إدلب الجريحة"، ألقى الضوء على كواليس تفشي فيروس كورونا بصورة متسارعة ومخيفة.
مستشفيات متكدسة بمرضى كورونا
يحوم الممرضون حول مريض لوضع أنبوب تنفس بعد تدهور حالته فجأة. امتلأت أسِرَّة غرف الرعاية المركزة بين عشية وضحاها تقريباً. وحين يموت أحد المرضى بفيروس كورونا ويُنقَل إلى الخارج، يجري إدخال آخر ليحل محله. ويتكئ أحد الأطباء المنهكين على كرسي متحرك لالتقاط الأنفاس.
الوتيرة في أكبر مستشفى للعزل بمدينة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا سريعة. لا توجد قنابل تسقط من الخارج، والمصابين لا يتكدسون في ممرات ملطخة بالدماء، في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الهش في الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن في البلاد. مع ذلك، فإنَّ طاقم وحدة الرعاية المركزة غارق في العمل في ظل امتلاء الأسِرَّة بالمرضى المسنين الذين يلهثون من أجل التنفس.
تتزايد العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في آخر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا سريعاً. وتُسجِّل المنطقة، التي تجنَّبت التفشي، حتى يوليو/تموز الماضي، ما بين 300-500 حالة إصابة يومياً، والرقم في تصاعد سريع.
ويعيش في المنطقة، التي سُحِقَت بفعل الهجمات العسكرية المتكررة من جانب حكومة الرئيس بشار الأسد، قرابة 4 ملايين شخص، معظمهم من النازحين ويعيشون في مخيمات أو مبان غير مكتملة.
قفزت معدلات الإصابة وتضاعفت 20 مرة تقريباً بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، وقالت الأمم المتحدة إنَّ المعدلات قفزت بنسبة 300% تقريباً منذ ذلك الحين، وسُجِّل بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني نحو 11900 حالة، بارتفاع عن 8100 حالة قبل ذلك بأسبوع.
ويُرجَّح أنَّ عدد الإصابات أعلى من ذلك بكثير. وكانت المدن هي الأشد تضرراً، لكنَّ العاملين يخشون ترسُّخ الفيروس في المخيمات المكتظة.
نقص في أجهزة التنفس
قال عارف شبيب، واحد من بين ما يزيد عن 95 ممرضاً وفنياً في مستشفى العزل الذي تبلغ سعته 70 سريراً ويُعَد أحد مستشفيين في مدينة إدلب وبات الآن بؤرة للفيروس: "هناك الكثير من المرضى، معظمهم في حالة سيئة للغاية. وليس لدينا الوقت لمنحهم كل ما يحتاجون".
نقل سائق سيارة الإسعاف رامي خلف مريضاً وممرضة لثلاث ساعات من مدينة إدلب إلى إحدى البلدات الجنوبية من أجل الوصول إلى جهاز تنفس. لكنَّهم لم يجدوا أي أكسجين متوفراً عند وصولهم، لذا توجهوا إلى موقع ثالث تطلَّب ثلاث ساعات أخرى من القيادة. قادوا السيارة لأكثر من 200 كيلومتر.
جلس خلف يتعرَّق خلف عجلة القيادة لسبع ساعات وهو يرتدي بدلة واقية من المواد الخطرة وكمامة، وكان يقود على طريقٍ غير ممهدة ومقصوفة. وقال: "نعيش تجربة صعبة جديدة".
على الأقل لم يكن على خلف تفادي القذائف. فكثيراً ما استهدفت القوات الحكومية الفرق الطبية والمستشفيات، التي تتهمهم بأنَّهم "إرهابيون"، وهو الوصف الذي تطلقه على مقاتلي المعارضة.
لكنَّ نقل مصابين بالفيروس هو تحدٍّ جديد. نقل خلف قرابة 50 مريضاً في 10 أيام، بعدما لم يكن ينقل أي مريض تقريباً، في أكتوبر/تشرين الأول. ويبقى بعيداً عن أطفاله ليومين إلى ثلاثة أيام كي يتجنَّب نقل العدوى لهم.
"إنَّه إرهاب جديد يسري بيننا"
تنافس إعلانات الوفيات الناجمة عن الفيروس على مواقع التواصل الاجتماعي أو مُكبِّرات الصوت في المساجد الملصقات التي تُكرِّم أولئك الذين سقطوا في المعركة، ويُعزى 95 ضحية إلى كوفيد 19، ومع بدء أمطار الشتاء، يتنامى الخوف من أنَّ الفرق الطبية المنهكة قد لا تكون قادرة على التعامل مع الوضع.
كان قرابة 17% من الإصابات بالعدوى من بين العاملين في القطاع الصحي، والذين كانوا أول مَن يُصابون بالفيروس. وتوفي ما لا يقل عن ثلاثة أطباء وإداريّ. ويجد الأطباء الذين نجوا من ساحة القتال أنفسهم يحاربون عدواً غير مرئي.
قال شبيب، إخصائي وحدة الرعاية المركزة، إنَّه بعكس جرحى الحرب يمكن تخصيص نوبة عمل كاملة من 24 ساعة لمريض واحد فقط مصاب بكوفيد 19، وأضاف: "يمكن أن نعمل لـ6 أو 8 ساعات بلا توقف، دون حتى أن نجلس. إنَّه عملٌ شاق للغاية".
في "مستشفى الزراعة" كان معظم المرضى الـ42 من كبار السن. وقال د. صلاح الدين الصالح، المسؤول عن وحدة الرعاية المركزة بالمستشفى، إنَّ 16 على الأقل منهم يحصلون على شكل من أشكال المساعدة في التنفس. وقال الصالح إنَّه اضطر لرد بعض المرضى.
يُعَد توزيع المساعدات في شمال غربي سوريا، الخارج عن سيطرة الحكومة طيلة معظم العقد المنصرم، عملية معقدة تماماً بقدر تعقُّد سياسة الصراع.
ووفقاً لفرقة عمل الأمم المتحدة الرامية لتنسيق الجهود، يوجد على الأقل 142 سرير رعاية مركزة و155 جهاز تنفس قيد الاستخدام في المنطقة. وترمي الخطة إلى وجود 219 سرير رعاية مركزة، و162 جهاز تنفس في نهاية المطاف. ويعمل قرابة 500 طبيب وممرض حالياً في مراكز كوفيد 19.
وبات سبع من بين ثمانية مستشفيات مجهزة للتعامل مع الفيروس في شمال غرب سوريا غارقة بالمرضى، وقال سالم عبدان، مدير صحة إدلب، إنَّ الوضع يجعلهم قريبين من حالة طوارئ.
المخيمات المكتظة
والإصابات في تزايد أيضاً في المخيمات المكتظة التي تؤوي جزءاً كبيراً من المليون شخص تقريباً الذين نزحوا منذ آخر هجوم للحكومة، في مارس/آذار الماضي.
وبالنسبة للسوريين الذين نجوا من الكثير من المحن، يبدو أنَّ الفيروس هو أقل ما يقلقهم. ويُعَد التباعد الاجتماعي شبه مستحيل، في ظل إيواء الخيمة الواحدة أو الملجأ المؤقت ما بين 9 إلى 24 شخصاً، بعضهم نزح مراراً.
قالت ميستي باصويل، مديرة المناصرة في الشرق الأوسط باللجنة الدولية للإغاثة: "عانى الناس في إدلب من أسوأ آثار الصراع على مدى عشر سنوات. الكثير من الناس يقولون إنَّ النزوح أصعب بكثير من أي شيء آخر يتعلَّق بكوفيد".
ومع الأزمة التي تجتاح سوريا، وتراجع العملة المحلية، وتقلص الموارد في مناطق الحرب، باتت حتى أسعار الصابون في ازدياد كبير.
ويتحدث السكان الذين دعموا بعضهم البعض خلال حلقات العنف عن شعور جديد بالخوف.
فقال ياسر عبود، وهو أب لثلاثة أبناء ولديه سبعة أقارب جاءت نتائج مسحاتهم إيجابية: "لا أغادر منزلي إلا لشراء الخبز والغذاء. فأنا مصاب بالسكري وأشعر بالقلق من إمكانية إصابتي بالعدوى". توفي أحد الجيران بكوفيد 19، لكنَّ عبود خشي من تقديم التعازي.
وفي ظل التهديد باستئناف القتال وجلب موجة جديدة من النزوح، تخشى باصويل من أنَّ "عاصفة شديدة" تتجمَّع الآن، لاسيما إذا تصاعدت الإصابات بالعدوى كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة.
تنتشر كذلك المعلومات المضللة بشأن الفيروس، مثل أكل الثوم والبصل كإجراء وقائي منه. وينظر البعض إلى الكمامات باعتبارها علامة على الإصابة، ما يزيد الوصم الاجتماعي لتغطية الوجه.
فيلعب الأطفال لعبة يلتقط فيها أحدهم كمامة عُثِر عليها في الشارع، ويطارد الآخرين بها وهو يصرخ: "كوفيد! كوفيد!".