تصاعد التوتر بين المغرب وجبهة "البوليساريو" في الأسابيع الماضية؛ إثر عرقلة الأخيرة عبور شاحنات مغربية إلى موريتانيا عبر معبر الكركرات. وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت الخارجية المغربية، في بيان، تحرك بلادها لوقف ما سمّته "الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة" للجبهة في الكركرات.
وقال الجيش المغربي، عبر بيان في وقت لاحق من اليوم نفسه، إن المعبر "أصبح مؤمَّناً بشكل كامل"، بعد إقامة حزام أمني يضمن تدفق السلع والأفراد. وفي اليوم التالي، ردَّت "البوليساريو" بإعلان انتهاء التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه مع المغرب عام 1991.
تلك التطورات المتسارعة أعادت تسليط الضوء على صراع حول إقليم الصحراء مستمر منذ أكثر من أربعة عقود. وإليكم كل ما نعرفه عن هذه الأزمة.
البداية كانت من الاستعمار الإسباني
تعتبر قضية الصحراء المغربية من أطول الخلافات الترابية التي عرفها التاريخ الحديث، وذلك لتداخل خيوط أطراف الصراع فيها، ولم يتوقف الصراع على الصحراء على مدى أربعة عقود من الزمن، دون حصول أي تقدم ملموس في اتجاه إيجاد حل نهائي ومتفق عليه.
وقد كان للاستعمار الإسباني السبب الأكبر في بداية الصراع على الصحراء منذ ستينيات القرن الماضي، حين طالب المغرب باستعادة صحرائه مباشرة بعد نيل استقلاله، وذلك بعد رفض السلطات الاستعمارية الاسبانية تسليم إقليم الصحراء إلى المغرب بعد تخليها عن إقليم طرفاية في سنة 1958، وإقليم سيدي إفني في سنة 1969، مع إبقائها على احتلال مدينتي سبتة ومليلية شمال المغرب.
وتقول الحكومة المغربية إن هدف إسبانيا من ذلك التخطيط كان لإنشاء حكومة محلية تحت وصاية وسيطرة إسبانية، وللوصول إلى ذلك، أعلنت وبشكل أحادي في أغسطس 1974 قرارها تنظيم استفتاء في الصحراء خلال النصف الأول من سنة 1975. وقد رد المغرب على هذه الخطوة بالرفض القاطع، تلاها إرسال الملك الحسن الثاني رسالة إلى الرئيس الإسباني، يؤكد له فيها قلق المغرب وعزمه على معارضة هذه الخطوة الانفرادية، لكونها لا تتطابق مع مضمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، صدر رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية حول إقليم الصحراء قال إنه لم يكن أرضاً بلا سيد، مؤكداً وجود روابط البيعة بين سلطان المغرب وقبائل الصحراء.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 1975، نص قرار لمجلس الأمن على أن الأطراف المعنية يمكنها إجراء مفاوضات لتسوية النزاع سلمياً.
"المسيرة الخضراء"
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، لبَّى 350 ألف مواطن نداء العاهل المغربي آنذاك، الملك الحسن الثاني، بالتوجه في "مسيرة خضراء" نحو الصحراء، لتأكيد "انتمائها" للمملكة.
وفي 14 نوفمبر 1975، تم توقيع اتفاق في مدريد، يُنهي استعمار إسبانيا لإقليم الصحراء، على أن يسترجع المغرب شمال ووسط المنطقة، بينما يعود جنوبها لموريتانيا. وفي 12 يناير/كانون الثاني 1976، سحبت إسبانيا آخر جندي لها من الإقليم.
إعلان الحرب
في 27 فبراير/شباط 1976، أعلنت "البوليساريو" (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) قيام "الجمهورية العربية الصحراوية"، بعد نحو 6 أسابيع من انسحاب الإسبان.
وفي 14 أبريل/نيسان 1976، وقعت موريتانيا والمغرب اتفاقية بشأن تقسيم الصحراء بينهما، لتندلع معارك بين الدولتين من جهة و"البوليساريو" من جهة أخرى.
وفي 9 يونيو/حزيران 1976، شنت "البوليساريو" هجوماً على العاصمة الموريتانية، قتل على إثره رئيس "الجبهة"، مصطفى السيد.
في 5 أغسطس/آب 1979، تخلت موريتانيا عن المنطقة التي كانت تسيطر عليها (إقليم وادي الذهب)، ووقعت اتفاق سلام مع "البوليساريو"، ما دفع الجيش المغربي إلى السيطرة على الإقليم، في 14 من الشهر ذاته.
أنشأ المغرب، بين مارس/آذار وأغسطس 1980، جداراً أمنياً في الصحراء، على طول 1200 كلم، لحماية أراضيه الجنوبية الغنية بالفوسفات.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 1983، أعلن العاهل المغربي أن المملكة تقبل بتنظيم استفتاء في إقليم الصحراء لتقرير المصير.
وقف إطلاق النار
في أبريل/نيسان 1986، وتحت إشراف الأمم المتحدة والرئيس السنغالي آنذاك عبدو ضيوف، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين المغرب و"البوليساريو".
وفي 31 أكتوبر 1986، صدر قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بإجراء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع.
وفي 30 أغسطس/آب 1988، وافق المغرب و"البوليساريو" على مقترحات للأمين العام للأمم المتحدة تتعلق بوقف إطلاق النار، مع اعتماد خطة لتسوية النزاع.
البعثة الأممية
وفي 29 أبريل 1991، صدر قرار لمجلس الأمن برقم 690، يقضي بإنشاء بعثة أممية (مينورسو) لمراقبة وقف إطلاق النار، وتنظيم الاستفتاء.
في 16 سبتمبر/أيلول 1991، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد 16 سنة من الحرب، وذلك تحت مراقبة "مينورسو".
في 12 ديسمبر/كانون الأول 1993، بدأت عملية إحصاء للسكان المخول لهم المشاركة في الاستفتاء.
وفي 3 سبتمبر 1998، انتهت عمليات تحديد الهوية، بإحصاء 147 ألف شخص، دون إحصاء الصحراويين المستقرين بالخارج، وظلت ملفات عالقة، بسبب طعن "البوليساريو".
مقترح الحكم الذاتي
في 10 مارس/آذار 2003، بعث المغرب بمذكرة إلى المبعوث الأممي قال فيها إنه حسم موقفه وفق مفهوم حل سياسي يرتكز على حكم ذاتي ضمن السيادة المغربية.
وفي يوليو/تموز 2003، أعلنت الأمم المتحدة دعمها لمقترح ينص على تنظيم استفتاء بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي، وهو ما رفضه المغرب.
وفي 11 أبريل 2007، قدمت الرباط للأمم المتحدة مقترحاً ينص على "حكم ذاتي موسع" تحت السيادة المغربية، رفضته "البوليساريو".
وفي 18 و19 يونيو/حزيران 2007، عُقدت جولة أولى من المفاوضات بين الطرفين في نيويورك.
وفي مارس 2012، انتهت تاسع جولات المفاوضات غير الرسمية من دون تقدم، ليتم تعليقها حتى استئنافها في 2017.
خلاف مع بان كي مون
في 8 مارس 2016، اتهم المغرب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون، بـ"الوقوع في انزلاقات" خلال زيارته مطلع الشهر نفسه مخيماً للاجئين الصحراويين بالجزائر.
وأدان وزير الخارجية المغربي استخدام الأمين العام كلمة "احتلال" لوصف الوضع بإقليم الصحراء.
وفي 13 مارس 2016 تظاهر مئات الآلاف بالرباط، احتجاجاً على "عدم حياد" بان كي مون، بينما اعتبر الأخير أن المغرب "لا يحترم" شخصه ولا الأمم المتحدة.
محادثات بلا تقدم
في 6 مارس2017، قدم المبعوث الأممي للصحراء، كريستوفر روس، استقالته بعد ثماني سنوات قضاها في محاولة إيجاد حل للنزاع.
وفي 16 أغسطس 2017، تسلم الرئيس الألماني السابق، هورست كولر، مهمة المبعوث الأممي، وزار لاحقاً الرباط والجزائر ومدينة تندوف في الجزائر، حيث يوجد مقر "البوليساريو".
وفي 29 سبتمبر 2018 دعا كولر أطراف النزاع والجزائر وموريتانيا إلى محادثات في 5 و6 ديسمبر 2017، حول "طاولة مستديرة" في جنيف، لاستئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2012.
وفي 21 مارس 2019، احتضنت جنيف جولة مفاوضات ثانية، بحضور وزراء خارجية المغرب والجزائر وموريتانيا وممثل عن "البوليساريو"، تحت إشراف المبعوث الأممي.
وحتى الآن لم يعين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً جديداً له منذ أن استقال كولر، في 22 مايو/أيار 2019، لأسباب صحية.
وفي 21 أكتوبر 2020، أغلق موالون لـ"البوليساريو" معبر الكركرات، الممر الاقتصادي الرئيس بين المغرب وموريتانيا. ودعت الأمم المتحدة "الأطراف المعنية" لضبط النفس ونزع فتيل التوتر. ثم تدخل الجيش المغربي، وأنهى هذا الوضع، في 13 نوفمبر الجاري.
وعادةً ما تتهم السلطات المغربية "البوليساريو" بدفع مسلحين إلى المعبر، لإعاقة حركة المرور، ضمن النزاع بشأن السيادة على الصحراء.