زار رئيس أرمينيا أبوظبي والتقى ولي العهد والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، وبعدها بأقل من 48 ساعة حذر الرئيس الروسي أرمينيا من التراجع عن اتفاق قره باغ، فماذا يحدث في القوقاز؟
هزيمة عسكرية واستسلام
لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري مجرد هدنة إنسانية كما حدث مرتين منذ اندلاع الجولة الأخيرة من الحرب بين أرمينيا وأذربيجان بسبب إقليم ناغورني قره باغ الذي تحتله الأولى منذ نحو ثلاثة عقود، بل كان اتفاقاً على انسحاب أرمينيا من الإقليم المحتل، أو ما تبقى منه بعد أن حررت القوات الأذربيجانية معظمه بالفعل بقوة السلاح.
لكن الإعلان عن الاتفاق أثار موجة عارمة من الغضب تجاه رئيس وزراء أرمينيا باشينيان، الذي تم انتخابه عام 2018 وظل يردد أن "قره باغ هو أرمينيا" خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالمنصب، على الرغم من أن الإقليم أرض أذربيجانية تحتلها أرمينيا منذ تفكك الاتحاد السوفييتي أواخر ثمانينات القرن الماضي وصدرت أربعة قرارات من مجلس الأمن الدولي تؤكد حتمية انسحاب أرمينيا من الإقليم المحتل.
وفي اليوم الذي أعلن فيه عن الاتفاق، الذي وصفه رئيس أذربيجان إلهام علييف بوثيقة الاستسلام، اقتحم العشرات من الأرمن الغاضبين مقر الحكومة واصفين باشينيان بالخائن، وبعدها بأيام قليلة تم الإعلان عن إحباط محاولة لاغتيال رئيس الوزراء بالفعل، ولا تزال تداعيات الاتفاق تتواصل في أرمينيا وعلى الأرجح ستتم الإطاحة بحكومة باشينيان، بحسب مراقبين.
ما علاقة الإمارات بالصراع؟
منذ اندلاع الجولة الأخيرة من الصراع بين البلدين في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الإمارات دعمها لأرمينيا وهو ما يصب، بحسب مراقبين في إطار السياسة التي يتبناها ولي عهد أبوظبي بالسعي لتوسيع النفوذ الإقليمي لبلاده والعداء لتركيا من جهة أخرى، حيث إن أنقرة حليف رئيسي لأذربيجان وكان لدعمها دور رئيسي في تحقيق الانتصار في هذه الجولة واسترداد أراضي باكو المحتلة.
ومن المهم هنا التوقف عند الأوضاع الداخلية في أرمينيا، حيث طالبت أحزاب المعارضة الحكومة بنقض الاتفاق بينما أبعد الرئيس أرمين ساركيسيان نفسه عن الأزمة زاعماً أنه علم بالمفاوضات من خلال وسائل الإعلام ومطالباً بإجراء "مشاورات سياسية" لإيجاد مخرج من الأزمة.
وفي ظل المعارضة الشرسة للاتفاق داخل أرمينيا والتي يقودها الرئيس نفسه، حيث طالب رئيس الوزراء نيكول باشينيان بالاستقالة وعقد انتخابات مبكرة، قام ساركيسيان "بزيارة عمل" إلى الإمارات التقى خلالها بالشيخ محمد بن زايد.
وجاء في بيان الرئاسة الأرمنية أنه "كجزء من الزيارة، عقد ساركيسيان اجتماعاً مع ولي عهد أبوظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد، ناقش خلاله الطرفان سبل تقوية التعاون الثنائي المفيد بينهما وخصوصاً في مجالَي الاقتصاد والاستثمار".
وفي الوقت الذي كان فيه سيركيسان في الإمارات، أعلن نائب رئيس أذربيجان حكمت حاجييف، منح أرمينيا مهلة إضافية، حتى 25 نوفمبر الجاري، من أجل إخلاء مدينة كلبجار المحتلة، بسبب ظروف الطقس في المنطقة.
ويرى كثير من المراقبين أنه من الصعب استبعاد مناقشة بن زايد والرئيس الأرميني لاتفاقية ناغورني قره باغ، والتي سبقتها تحذيرات من تركيا ليريفان بضرورة احترام بنود الاتفاق حقناً لدماء المدنيين.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن الإمارات قد تسعى إلى إقناع الأرمن المنهزمين حالياً بمحاولة نقض الاتفاق بعد فترة وجيزة والعودة إلى القتال، خصوصاً أن الاتفاق قد يطيح بالحكومة الحالية برئاسة باشينيان، وعلى الأرجح سيكون نزوح كثير من الأرمن من ناغورني قره باغ هو المدخل لذلك التراجع.
وقد عبّرت عن هذا الاحتمال كيلسي نورمان، الباحثة في معهد بيكر للسياسة العامة التابع لجامعة رايس، في حديثها مع موقع Responsible Statecraft الأمريكي بقولها إن "الدولة التي تستقبل نازحين إما أن تساعدهم على الاندماج والاستقرار، أو أن تجعل حياتهم صعبة كي يظلوا مُصرين على العودة لبيوتهم وتناور بهم عندما تريد".
بوتين يحذر من "الانتحار"
ويبدو واضحاً أن احتمال تراجع يريفان عن الاتفاق يتزايد مع مرور الوقت، وهذا ما حذر منه فلاديمير بوتين الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني، بقوله إن تراجع أرمينيا عن اتفاق قره باغ سيكون بمثابة انتحار بالنسبة لها، موضحاً في تصريح للتلفزيون الروسي الرسمي أن الاتفاق ساهم في حقن الدماء، وأضاف: "لم يتم الاتفاق على الوضع القانوني لإقليم قره باغ، الأجيال القادمة ستحدد وضع الإقليم".
وتحدث بوتين للمرة الأولى عن حيثيات الاتفاق قائلاً: "أقنعت الرئيس الأذربيجاني بوقف الصراع وكان شرطه الوحيد عودة اللاجئين إلى مناطقهم بما في ذلك مدينة شوشة"، وأشار إلى أن أرمينيا لم تقبل ذلك، في بادئ الأمر. وأوضح قائلاً: "باشينيان رأى في هذا الشرط تهديداً لمصالح أرمينيا، وقال إنه سيواصل الصراع".
وفيما يخص الوجود العسكري التركي في إقليم قره باغ، قال بوتين: "تركيا تدعم أذربيجان دائماً، وأذربيجان دولة مستقلة وذات سيادة ولها الحق في اختيار حلفائها"، واستطرد: "يمكن تقييم الوجود التركي في إقليم قره باغ من عدة جوانب، لكن من الصعب اتهام أنقرة بأنها تخالف القانون الدولي"، وذكر بوتين أن بلاده اتفقت مع تركيا بخصوص تأسيس مركز لمراقبة سير الاتفاقية، وأن أذربيجان هي من ستحدد مكان تأسيس هذا المركز.